بوابة الشروق
حسن المستكاوى
وما كرة اليد إلا مسرح كبير!
** انتهت مباراة المنتخب الوطنى مع الدنمارك بفوز بطل العالم 36/35. يعنى بفارق هدف، وبالرميات الجزائية الترجيحية بعد وقتين إضافيين. وانتهت الرميات الجزائية 4/3. وهكذا ذهبت الدنمارك إلى الدور قبل النهائى وذهبنا نحن خارج هذا الدور بعد مباراة شهدت دراما لا يمكن أن يتخيلها أحسن كاتب سيناريو. ومن شدة وصعوبة تلك الدراما على النفس زاد عدد ضربات القلب، وتعالت الصيحات والصرخات فى المنازل، وشاطت الأعصاب.. فقد لمس منتخبنا حائط النصر ثلاث أو أربع مرات.. وكاد حلمنا أن يتحقق بتكرار الصعود إلى الدور قبل النهائى بعدما حقق المنتخب هذا الإنجاز عام 2001 فى فرنسا، وكان هو أول فريق من خارج أوروبا يبلغ الدور قبل النهائى فى بطولات العالم.

** بصراحة ودون تبرير نتيجة مباراتنا مع الفريق الدنماركى، كانت توقعاتنا قبل مواجهة هذا الفريق القوى هى فوزه، وكان أملنا أن نخرج بنتيجة جيدة، وعندما انتهى الشوط الأول لمصلحة الدنمارك 16 / 13.. بدأت أفكر فى النتيجة النهائية، وتمنيت ألا تكون قاسية على فريقنا. فقد كانت ألعاب الدنمارك من نوع السهل الممتنع، وقوتهم على الدائرة مذهلة. يمررون الكرة بفن ويتبادلونها بسلاسة. وكانت الإشادة بالفريق الذى يحمل لقب بطل العالم بمثابة كلمات عزاء أبرر بها ما يمكن أن يحدث فى الشوط الثانى، فهم مثل منتخب البرازيل لكرة القدم فى أيام عزه، يلعبون تمريرات كأنها بالكعوب، ويقومون بتمويهات خادعة، وكان الدعاء: «سترك يا رب فى الشوط الثانى»..

** الحمد لله قدم المنتخب شوطا رائعا، كله كفاح وأداء رجولى ودفاع قوى أفضل بكثير مما كان عليه فى الشوط الأول.. وتقدم فى هذا الشوط 15/12. لتنتهى المباراة بالتعادل فى وقتها الأصلى 28 / 28.. وكانت هنا أول غلطة ضيعت الفوز باللقاء. وتبعتها أخطاء فى الوقتين الإضافيين الأول والثانى وفى الحالتين كنا أقرب للفوز. ثم فى الرميات الجزائية وقع الخطأ الأخير لتفوز الدنمارك، وينفجر لاعبوها فى الفرحة، غير مصدقين أنهم ربحوا المباراة وانتزعوا الفوز من أنياب الأسود المصرية.

** عملت بالرياضة فى عمرى كله، وشاهدت وتابعت آلاف المباريات ولم يحدث أبدا أن عشت مثل تلك الحالة الانفعالية مع فريق مصرى كما عشتها مع منتخب اليد فى مبارياته مع السويد ومع سلوفينيا ومع الدنمارك.. فقد كنا فى الطريق للفوز باللقب العالمى.

** الآن علينا أن نتعلم من الأخطاء الصغيرة التى ضيعت منا لقبا كبيرا. علينا أن نتعلم التحكم فى الانفعالات فى اللحظات الكبرى، وأن نتسلح بالثبات الانفعالى، وأن نرفع من درجات التركيز فى كل فرصة تهديف، وأن ننسى الفرحة ونحن نلعب، ونفرح بعد الانتهاء من اللعب. وأن نهدأ لو تأخرنا، ولا نغضب أثناء التأخر. وعلينا أن نثق فى أنفسنا، ونحتفظ بتلك الثقة دوما. وحين يلعب فريق مصرى مع أبطال العالم بمثل تلك القوة، فإننا شعب يقدر ويستطيع، فصناعة منتخب قوى فى لعبة جماعية أو صناعة أبطال فى لعبات فردية، هى صناعة شديدة الصعوبة، والتعقيد، وكنت دائما ضد المبالغات فى الفرحة بانتصار أو المبالغات فى الحزن لانكسار.. وظلت جملة الأداء المشرف عقدة فى حياتنا، لكن بمنتهى الصدق كان أداء منتخب اليد مشرفا، وبطوليا، ونحن نفخر به وبكل لاعبيه الأبطال.

** إن المنافسات الرياضية فى المستويات العالمية مليئة بالدراما.. وما حدث فى طريق المنتخب الوطنى خلال هذه البطولة يؤكد أن كرة اليد ما هى إلا مسرح كبير تماما مثل الدنيا!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف