الدستور
ماجد حبته
محاولة تسميم رئيس
المتاهة التونسية، كما أشرنا، أمس، باتت أكثر غموضًا أو تعقيدًا، بعد الإعلان عن وصول ظرف بريدى مسموم، أو مشتبه فى كونه كذلك، إلى رئاسة الجمهورية، فى ظل اضطرابات وتوترات سياسية، وتفاقم الخلاف بين رأسى السلطة التنفيذية: رئيس الدولة قيس سعيد، وهشام المشيشى، رئيس الحكومة، بعد رفض الأول التعديل الوزارى، الذى أجراه الأخير وأقره البرلمان.
البيان الصادر عن الرئاسة التونسية، أمس الأول الخميس، أكد أن الرئيس قيس سعيد «بصحة جيدة ولم يصبه أى مكروه». وأوضح أن «بريدًا خاصًا موجهًا إلى رئيس الجمهورية، يتمثل فى ظرف لا يحمل اسم المرسل تولت الوزيرة نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسى فتحه، فوجدته خاليًا من أى مكتوب، وبمجرد فتحها الظرف تعكر وضعها الصحى وشعرت بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلى لحاسة البصر، فضلًا عن صداع كبير». وأشار البيان إلى أن موظفًا فى رئاسة الديوان كان موجودًا، لدى فتح الظرف، شعر بالأعراض نفسها لكن بدرجة أقل.
قاعدة «فتّش عن المستفيد» تقود إلى «حركة النهضة» الإخوانية، التى سيصبح رئيسها، رئيس البرلمان راشد الغنوشى، رئيسًا مؤقتًا للبلاد، بموجب الدستور، لو نجحت محاولة الاغتيال. وربما لهذا السبب، زعمت الحركة وحلفاؤها أن ما أثير عن البريد المسموم «مجرد اختراع»، وشنت المواقع والكتائب الإلكترونية التابعة للحركة حملة تشكيك، اتهمت خلالها رئيس الجمهورية بأنه يحاول استعطاف التونسيين، واستعادة شعبيته المفقودة!
نور الدين البحيرى، عضو البرلمان عن «حركة النهضة»، وصف خبر وصول طرد مسموم إلى قصر الرئاسة بأنه شائعة، وزعم أن «محاولات حقن الأجواء انطلقت منذ مدة عن قصد، بغاية ضرب تجربة الانتقال الديمقراطى فى تونس». وقال رفيق عبدالسلام، وزير الخارجية الأسبق، القيادى بالحركة نفسها: «لقد اخترعوا شائعة تسميم رئيس الجمهورية لتسميم الأجواء». وعلى الخط، دخل زهير المغزاوى، رئيس «حركة الشعب»، وطالب رئيس الجمهورية بالتوقف عن «إطلاق صواريخ من قصر قرطاج»، وتقديم مبادرات تشريعية للبرلمان تغير أحوال التونسيين.
الداخل التونسى ما زال يرفض الاستسلام لسيطرة «حركة النهضة». وسبق أن أوضحنا كيف أن الرهان على منع «إخوان تونس» من التمدد والسيطرة، بات صعبًا، أو شبه مستحيل، بعد أن تمكنوا من وضع أيديهم على مفاصل الدولة بتواطؤ من تسع أو عشر حكومات، بدت فى ظاهرها معادية لهم، لكنها كانت متحالفة معهم. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن التعديل الوزارى، الذى أقره البرلمان، الثلاثاء الماضى، سبق أن رفضه رئيس الجمهورية، وقال فى كلمة وجهها للشعب، إن عددًا من الوزراء الجدد تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
خلفًا للراحل الباجى قائد السبسى، اختار التونسيون قيس سعيد، بعد انتخابات غرائبية. وهو أستاذ جامعى، قيل إنه محافظ، قريب من «حركة النهضة» الإخوانية، أو من حزب «التحرير» السلفى. ثم أثبتت أفعاله وردود أفعاله، بعد توليه الحكم، أنه «رجل طيب»، ولم يصد أو يرد أمام حملة التشويه، التى تعرض لها، لأنه رفض الاستسلام لسيطرة الحركة، وأعلن بوضوح، فى خطبة ألقاها بمناسبة حلول عيد الفطر الماضى عن أنه لن يسمح لأى طرف بتجاوز القانون أو تجاوز صلاحياته التى منحها له الدستور، وأن «الدولة ليست صفقات تبرم فى الصباح وفى المساء».
هكذا، فشلت «حركة النهضة» فى السيطرة على الرئيس أو عزله داخل قصره، فحاولت عزله من منصبه. وبعد اعتراضه على التعديل الوزارى، ظهرت بالفعل تهديدات بالعزل، ليس فقط من الحركة، بل أيضًا من كتلة «قلب تونس»، التى تحالفت مع الحركة بعد عداءات وصفقات، وقال عياض اللومى، النائب عن تلك الكتلة إن «عزل الرئيس قيس سعيد صار أمرًا مطروحًا بقوة». غير أن إجراءات العزل، كما أوضحنا، أمس، تحتاج إلى موافقة ثلثى أعضاء البرلمان، ولن تكتمل إلا بموافقة المحكمة الدستورية، التى لم يتم التصديق على تشكيلها!
سواء كنا أمام محاولة اغتيال أو مجرد رسالة تهديد، فالثابت أن الاضطرابات السياسية، التى تشهدها تونس، صاحبها فشل ذريع فى علاج المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، والثابت أيضًا أن «إخوان تونس»، بخطوتين فوق الأرض وخطوة تحتها، نجحوا فى إفساد غالبية مؤسسات الدولة، واستطاعوا تسميم المناخ السياسى، وتمكنوا من تحصين قادتهم وجعلوهم فوق المساءلة والمحاسبة. وعليه، ستظل الاضطرابات مستمرة، ما لم يتم فتح الصندوق لحركة النهضة، وإغلاق حنفية المال السياسى الفاسد، وحل ألغاز الاغتيالات التى تشهدها البلاد منذ ٢٠١١، وتتبعها حالة تعتيم تؤدى إلى إفلات مرتكبيها من العقاب.
.. أخيرًا، وكما انتهينا، أمس، نتمنى أن ينتهى التحقيق بشأن الطرد البريدى المسموم، قبل يوم ٦ فبراير المقبل، الذى تحل فيه ذكرى اغتيال السياسى والمحامى شكرى بلعيد، مذكرين أنفسنا والأشقاء فى تونس وكل دول المنطقة، بالمثل القائل: اثنان ليس لهما أمان، الفرامل والإخوان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف