بوابة الشروق
عماد الدين حسين
السوشيال ميديا كناشر للتطرف والإباحية
يوم الأربعاء الماضى عقد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة الكاتب الصحفى كرم جبر، اجتماعا حضره عدد من رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين، تحت عنوان «الإعلام والحفاظ على الهوية الأخلاقية»، واتفقوا على الإعداد لعقد جلسة حوارية نقاشية مع أساتذة متخصصين فى القانون والإعلام، وعقد دورات تدريبية لشباب الصحفيين للوقوف على حدود المسموح به أخلاقيا وقانونيا فى قضايا النشر، وأوصى الاجتماع بضرورة ضبط الهوية الأخلاقية والالتزام تجاه المجتمع، والحرص على إعلاء المحتوى الأخلاقى فى وسائل الإعلام وإزالة المحتوى غير الأخلاقى.
خلفية هذا الاجتماع، هو توسع العديد من وسائل الإعلام فى نشر تفاصيل قضايا تمس الأخلاق العامة، ومن دون التحقق من صحتها بهدف أساسى هو «البحث عن الترند والترافيك»، حتى لو كان الثمن هو انهيار منظومة القيم الأخلاقية.
أحد الخبراء لفت نظرى قبل أيام إلى القاتل الصامت فى هذه الموضوع، وهو الجانب السلبى لوسائل التواصل الاجتماعى، باعتبارها صارت الأداة الرئيسية لنشر الاستقطاب والتطرف والتعصب وأخيرا التطرف القيمى بالتوسع فى نشر الموضوعات الإباحية.
السوشيال ميديا صارت تلعب دورا خطيرا فى حياتنا، بحيث إنها جعلتنا جميعا عرايا أو شبه عرايا أمام بعضنا البعض.
الخبير والمراقب الذى تحدث معى قال لى إن الاستقطاب والتطرف تسارع فى السنوات الأخيرة.
حينما نقول التطرف والاستقطاب يعتقد البعض أن الأمر قاصر فقط على التطرف الدينى، خصوصا الذى يتمسح فى الدين الإسلامى السمح، ولكن الأمر أشمل من ذلك بكثير، ويشمل كل الأديان والمجتمعات والمنتديات، لكن مع اختلاف فى الدرجة حسب درجة التطور والتعليم والوعى.
أوضح مثال على صحة هذا الطرح، هو ما حدث ويحدث فى الولايات المتحدة منذ أربع سنوات، طوال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب الذى غادر البيت الأبيض منذ أيام قليلة. ترامب كان أفضل معبر عن التطرف والتعصب، منذ دخوله البيت الأبيض فى أوائل عام ٢٠١٧، وحتى خروجه وهو يهاجم بلا هوادة خصومه فى الحزب الديمقراطى، والمهاجرين خصوصا المسلمين والمكسيكيين والأفارقة، وكل من لا يوافق على أفكاره المتعصبة. هو جعل نحو نصف المجتمع الأمريكى يتبنى أطروحاته وأفكاره بطريقة أو بأخرى.
ووسيلته إلى ذلك إضافة للقرارات والإجراءات والقوانين، كانت وسائل التواصل الاجتماعى خصوصا تويتر، وكذلك المنصات الجديدة لليمين الشعبوى العنصرى.
ما زرعه ترامب تم حصده يوم ٦ يناير الحالى، حينما اقتحم أنصاره الكونجرس، وعاثوا فيه فسادا.
إذا التطرف ليس دينيا فقط، كما فى الحالة العربية، وليس سياسيا فقط كما فى الحالة «الترامبية»، ولكنه موجود بصفة عامة منذ فترة طويلة فى منتديات الدردشة فى كل المجتمعات، ويكفى نظرة على أى من هذه المنتديات فى العالم العربى، لندرك مثلا أننا كلنا كعرب ضد بعضنا البعض. والأخطر حاليا العديد من الفيديوهات الخارجة على كل القيم والآداب العامة على تطبيق «تيك توك» مثلا.
مواطنو كل دولة يتخندقون ضد الدولة الأخرى الشقيقة، والسنة والشيعة ضد بعضهما البعض، وداخل كل طائفة هناك صراعات أشد مرارة، كما هو الحال مثلا بين داعش والقاعدة، أو بين أجنحة مختلفة لجماعة الإخوان فى الداخل والخارج.
سيقول قائل أو ناقد، ولكن كل هذه الانقاسمات والاستقطابات وحالات التطرف كانت موجودة منذ سنوات وعقود بل وقرون طويلة.
الكلام صحيح، لكن الجديد أن وسائل التواصل الاجتماعى، كشفت هذه الأمراض بصورة أوضح، والأخطر نشرتها بصورة واسعة، وجعلت من اليسير صب المزيد من النار عليها، كلما هدأت قليلا.
بالطبع هناك أجهزة وكتائب إلكترونية، فى كل مكان تساعد فى جعل هذه النار مستعرة، لكن الموضوعية تحتم القول أيضا إن وسائل التواصل الاجتماعى جعلت من المواطنين العاديين وقودا لهذه الحرب، حتى لو لم يدركوا ذلك عن أنفسهم!
فى القضايا الأخيرة ذات الإيحاءات الجنسية، فإنه لو لم يكن الموبايل موجودا، ما قام أحد بالتقاط الصور الخادشة للحياء. وحتى لو التقطها، فلم يكن بإمكانه نشرها وعرضها، لو لم تكن وسائل التواصل الاجتماعى، خصوصا الفيسبوك وتويتر وإنستجرام واليوتيوب موجودة. كان الأمر سيكون مقتصرا على عدد قليل من أصحاب النادى أو الشارع أو المنطقة.
السوشيال ميديا مفيدة فى جوانب كثيرة، لكنها مدمرة فى جوانب أخرى كثيرة أيضا. والسؤال هل هناك إمكانية لزيادة الجوانب المفيدة، وتقليل الجوانب الضارة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف