احمد الشامى
أقول لكم طالبان ترقص .. والعالم يبكي
طالبان ترقص .. والعالم يبكي
هل انتهت سياسة " ملء الفراغ " التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بهزيمة ألمانيا عام 1945، لقد جاء انسحاب أمريكا من العراق وأفغانستان دليلاً واضحاً على أن واشنطن لم تعد في حاجة إلى الشرق الأوسط، وهي بذلك أعطت قبلة الحياة إلى الجماعات الإرهابية في المنطقة، ولذا استولت حركة طالبان على أفغانستان خلال ساعات عقب رحيل القوات الأمريكية فيما يشبه أفلام هوليوود السينمائية ولذا على العالم الاًن خصوصاً دول الشرق الأوسط أن تتحضر للموجة الثالثة من العنف العالمي الذي تقوده حركة طالبان التي تمتلك العديد من مصانع الإرهابيين خصوصاً في قندهار وكابول وتورا بورا، وهي التي سبق لها أن تطلق الموجة الأولى عبر تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في التسعينات والموجة الثانية بميلاد تنظيم الدولة " داعش" في سوريا والعراق قبل سنوات وهو الذي نشأ على الأفكار الإخوانية والقطبية التكفيرية التي تبناها سيد قطب قبل إعدامه في التسعينات فأطلق التنظيم عملياته الإرهابية والذئاب المنفردة التي هددت العالم كله وقتلت الأبرياء وباتت دول الشرق الأوسط جاهزة لاستقبال التنين الصيني والدب الروسي لبسط نفوذهما في المنطقة بديلاً للولايات المتحدة الأمريكية التي تغادر الشرق الأوسط من أجل التفرغ لحربها الاقتصادية مع الصين.
ما الذي حدث في أفغانستان وكيف إتخذ بايدن قراراً بمغادرة الجنود الأمريكي لهذه الدولة بعد 20 عاماً تخللها تدريب الجيش الأفغاني على قتال طالبان؟ لقد شيدت واشنطن سياسة ملء الفراغ عقب الحرب العالمية الثانية ومغادرة الاستعمار التقليدى بقيادة إنجلترا وفرنسا لقارتي أفريقيا واًسيا والشرق الأوسط وتكها فريسة لمن يسيطر عليها في ظل تقارب الكثير منها مع الاتحاد السوفيتي، ولم يعجب ذلك الولايات المتحدة التي قررت أن تبدأ بأوروبا وتبني مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 والذي ينص على إنفاق 12.9925 مليار دولار أميركي لإعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوربية حتى لا تسقط في يد الشيوعية كما كان ذلك واضحاً من الخطط السوفيتية انذاك، وجاء تبنى واشنطن لسياسة "ملء الفراغ" أو سد الفراغ للوقوف في وجه الزحف الشيوعي السوفيتي ولم يكن أمام الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد أيزنهاور، الذي شغل منصب الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة من عام 1953 حتى 1961 سوي الإعلان عن هذه السياسة التي أطلق عليها فيما بعد " مبدأ إيزنهاور" وقد تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحاب القوى الاستعمارية التقليدية وتسعى إلى بسط السيطرة الأمريكية على المناطق التي زال منها الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وأسيا والشرق الأوسط، بهدف حماية المصالح الاقتصادية للدول الرأسمالية أمام الزحف الشيوعي، فقد وظفتها الولايات المتحدة الأمريكية لخدمة مصالحها ووجه الرئيس إيزنهاور خطاباً إلى الكونجرس عام 1957حول الوضع في الشرق الأوسط مطالباً بالسماح له بتقديم الدعم لأي دولة تطلب المساعدة الأمريكية عسكرياً ومالياً واقتصادياً بزعم الوقوف في وجه الهيمنة السوفيتية بعد بدء الحرب العالمية الباردة.
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية على هذا النهج منذ الخمسينات حتى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي الذي شهد تدخلاً عسكرياً من الولايات المتحدة الأمريكية في الكثير من دول الشرق الأوسط إما بزعم الدفاع عن نفسها أوتقديم المساعدة لهذه الدول خصوصاً بعد الغزو العراقي للكويت.
في 2 أغسطس 1990 فقادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً عام 1991 لتحرير الكويت وظلت الجيوش في غالبية دول الخليج، حتى جاء غزو واشنطن للعراق عام 2003 واغتيال صدام رداً على هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي جرت بواسطة أربع طائرات نقل مدني تجارية، تقودها أربع فرق تابعة لتنظيم القاعدة، وُجِهت لتصطدم بأهداف محددة، وقد نجحت ثلاث منها في تفجيرمركزي التجارة، وبعدها قادت واشنطن الحرب على أفغانستان والتي سُميت حركيًّا بين 2001–2014 عملية الحرية الباقية، ومن 2015 إلى 2021عملية حارس الحرية، حين نجحت هي وحلفاؤها في تنحية طالبان التي أنشأها الملا محمد عمر الذي قتلته أمريكا فيما بعد عن السلطة، لحرمان القاعدة من إتخاذ مقر آمن في أفغانستان.
وتنظيم القاعدة أوقاعدة الجهاد هو تنظيم متعدد الجنسيات، تأسس في الفترة بين أغسطس 1988 وأواخر 1989 وأوائل 1990، بقيادة أسامة بن لادن تدعو إلى الجهاد الدولي، ولذا هاجمت القاعدة أهدافًا مدنية وعسكرية في مختلف الدول، أبرزها هجمات 11 سبتمبر 2001، تبع هذه الهجمات قيام الحكومة الأمريكية بشن حربٍ على الإرهاب، لكن خلال السنوات الماضية بدأ الجدل داخل الولايات المتحدة عن جدوى سياسة ملء الفراغ وما إذا كانت حققت الهدف منها فضلاً عن وجود قوات أمريكية في قطر والعراق وأفغانستان وغيرهم من دول الشرق الأوسط، وطالب كثيرون بضرورة انسحاب القوات الأمريكية من دول الشرق الأوسط بعد أن كشفت تقارير أن واشنطن أنققت أكثر من 6.4 تريليونات دولار على حروب الشرق الأوسط وآسيا خلال 20 عاماً منها تريليون دولار في افغانستان فبدأ الانسحاب من العراق العام الماضى وكان الخروج من أفغانستان قبل أيام مأساة مضحكة فقد سيطرت حركة طالبان على الدولة خلال ساعات ما اًثار دهشة العالم كله كيف يسيطر تنظيم إرهابي على دولة تعدادها 27 مليون نسمة بهذه السهولة، ولماذا يهرب أشرف غني رئيس الدولة ووزير دفاعه والجيش بهذه السهولة، من يصدق أن شعباً كاملاً يحاول الهرب في الطائرات من المطاروقيادات طالبان يتجولون في القصرالرئاسي يجلسون في مكتب الرئيس الهارب ويلهون في حجراته بعد أن أصبح الشرق الأوسط من وجهة نظرأمريكا لا يمثل لها أهمية استراتيجية في الوقت الذي أحرزت فيه الصين تقدماً اقنصادياً عظيماً وباتت تستعد لتكون القوة الأولى في العالم، إذ ارتفع الدين العام الأمريكي إلى 27 تريليون دولار.
والسؤال الاًن هل انتهى عصر سياسة ملء الفراغ الأمريكية، والإجابة على هذا السؤال باتت واضحة للعالم كله باعتراف جوزيف بايدن الذي قال عقب الانسحاب " لا يوجد قوة في العالم تهزم حركة طالبان الأفغانية"، والتاريخ يقول إن هذه الحركة نشأت عام 1994 وسيطرت على العاصمة عام 1996 وذلك بالتزامن مع الحرب الشيشانية الأولى التى دارت بين روسيا والشيشان وانتهت باستقلال الشيشان عن روسيا، وكانت الحرب السوفيتية في أفغانستان والتي دامت عشر سنوات، بسبب دعم السوفيت للحكومة الأفغانية والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين للسوفيت، والذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المعادية للاتحاد السوفييتي من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، باكستان والصين ودول أخرى دفع القوات السوفييتية للخروج من البلاد عام1989 ليبدأ بعدها تشكيل تنظيم القاعدة من العتاصر المتطرفة من الدول العربية بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى الذي صار أكبر تنظيم إرهابي في العالم في العالم بالتسعينات ويهاجم مركز التجارة العالمي عام 2001 .
وأقول لكم، إن حركة طالبان التي ترقص الاًن فرحاً بالنصر الذي حققته يقابله بكاء في العالم خوفاً من الارهاب المحتمل الذي بات على مقربة من جميع دول العالم فقد حصلت طالبان على قبلة الحياة الأمريكية وأصبح الجميع الاًن يخطبون ودها واستعدادهم للتعامل معها، لكن هل ستتوقف طالبان عن تبني الإرهاب؟ يقيني أن ذلك مستحيل في ظل تبني الحركة للتنظيمات الإرهابية في العالم خصوصاً الإخوان والقاعدة وداعش وجبهة النصرة بعد أن أصبحت ملاذاً اًمناً لها بل ستقدم كل الدعم لهذه التنظيمات خلال الفترة المقبلة لإعادة إنتاج المزيد من التنظيمات المتطرفة والإرهابيين الذين يروعون دول العالم كلها بزعم إقامة الدولة الإسلامية، ولذا على جميع دول العالم خصوصاً في الشرق الأوسط البحث عن سيناريوهات جديدة لوقف الإرهاب المحتمل الذي بدأ يطل علينا من أفغانستان وهو ما دعا رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي، إلى القول إن جماعات إرهابية مثل القاعدة يمكن أن تعيد تشكيل قواعدها في أفغانستان بسبب استيلاء طالبان الأخيرالسريع على السلطة في البلاد، مضيفاً في إحاطة لأعضاء مجلس الشيوخ، بأن الوضع قد يؤدي إلى تهديد أكبر لمكافحة الإرهاب في العالم.
أحمد الشامي
Aalshamy610@yah00.com