احمد الشامى
قول لكم أزمة الغواصات .. و"أوكوس" تحالف أمريكا الجديد
أزمة الغواصات .. و"أوكوس" تحالف أمريكا الجديد
لم يكن أحد يتصور في غمرة الحديث عن متانة العلاقات الأمريكية الأوروبية أن تندلع حرباً تجارية بين واشنطن وباريس بعد أن أقدمت أستراليا قبل أيام، على إلغاء "عقد القرن" الذي أبرمته قبل خمس سنوات مع فرنسا، وهو القرار الذي بمقتضاه تراجعت عن تنفيذ صفقة مع مجموعة " نافال غروب" الفرنسية للصناعات الدفاعية، لشراء 12 غواصة تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء قيمتها 56 مليار دولار، إذ أعلنت استراليا عن إبرام اتفاق جديد مع أمريكا وإنجلترا لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية ونقل تكنولوجيا التصنيع، ما أثار غضب الحكومة الفرنسية التي اعتبرت ان ما حدث طعنة في الظهروخيانة استراتيجية من واشنطن لباريس وهما من قيادات حلف شمال الأطلسي، الذي يُعرف اختصاراً بـ " الناتو"، إذ تم تأسيسه عام 1949 بناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في 4 أبريل سنة 1949 بهدف الدفاع الجماعي المتبادل رداً على أي هجوم محتمل.
لم تسكت باريس على هذه الضربة التى ألغت عقداً ظلت تتفاوض على تنفيذه منذ عام 2016 فأستدعت سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا بزعم التشاور، وبدأت حرب كلامية بين الدول الثلاث عن الخيانة وعدم احترام العقود والإلغاء المفاجئ لها ما أدى لاندلاع خلاف علني بين اشنطن وباريس التي بدأت في مناقشة أساليب الرد على الموقف الأميركي الذي يعتبرالحليف الاستراتيجى الأول لها، وهوما اعتبره كثيرون "غضب مشروع"، لأن القراراتحذته استراليا من جانب واحد ومن دون محادثات لتوضيح الأسباب خصوصاً أن هذه الصفقة لم تصنف على أنها تجارية فقط بل كانت تعتبربمثابة تعاون عسكري بين البلدين يمهد للمزيد من التعاون في الكثير من المجالات الاستراتيجية بين الدولتين، إذ إن تدخل الولايات المتحدة لم يكن لمجرد توجيه صفعة إلى الحليف الفرنسي، بل أن الهدف أهم من ذلك بكثير وهوسعى واشنطن إلى العثورعلى موطئ قدم بالقرب من الصين بعد أن انسحبت من العراق وسوريا وبعض دول الخليج وأخيراً أفغانستان للتغرغ للحرب المحتملة مع بكين والتي تبدو أنها تجارية فقط حتى الاًن ولكن من يتوقع إلى أي مكان سيصل الصراع المحتدم والذي بات يهدد العالم كله؟، ولذا وقعت واشنطن اتفاقية "أوكوس" التي تجمع أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، من أجل مواجهة الصين، ما يعني تراجع دورفرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على الصعيدين التجاري والعسكري وإفساح المجال لواشنطن ولندن لمواجهة بكين وجهاً لوجه، خصوصاً أن اتفاق الغواصات الجديد يتيح نقل تكنولوجيا الغواصات النووية إلى استراليا وتعتبربذلك الدولة الثانية في العالم التي تحصل على هذه التكنولوجيا بعد إنجلترا، ومن المعروف أن استراليا تابعة لرابطة الشعوب البريطانيّة المعروفة بـدول الكومنولث (بالإنجليزية) Commonwealth of Nations) ) ويرمز لها بـ(CN) معروفة كذلك بالكومنولث أو الكومنولث البريطاني، وهو عبارة عن اتحاد طوعي مكون من 52 دولة جميعها من ولايات الإمبراطورية البريطانية سابقاً باستثناء موزمبيق ورواندا، وتالياً فالعلاقة وثيقة بين إنجلترا واستراليا وأمريكا التي يعتبرغالبية سكانها الأصليين من المملكة المتحدة.
لكن يبدو أن سعى استراليا لحل الأزمة مع فرنسا لم يجد اًذاناً صاغية إذ عرضت تعويضاً مالياً قيمته 250 مليون دولار، ولم تقبل فرنسا بهذا الحل بعد أن شعرت بالخيانة من أقرب الدول إليها فضلاً عن الخسائر المالية التي ستتحملها بعد أن قطعت شوطاً طويلاً في تصنيع هذه الغواصات ونقل التكنولوجيا إلى استراليا، ولذا توقع البعض أن تفكر فرنسا في الانسحاب من حلف شمال الأطلسي لكن الولايات المتحدة سارعت إلى تهدئة الجانب الفرنسي والحيلولة دون انفصال دول أوروبا من الحلف لأنهم يشكلون الأغلبية فيه إذ إنه مكون من 28 دولة أوروبية إضافة إلى كندا والولايات المتحدة، ولذا من المتوقع أن يكون الحلف في مهب الريح خلال السنوات المقبلة وقد تلجأ دول أوروبا إلى الاعتماد على نفسها في حماية مصالحا بعيداً عن سعى واشنطن إلى إيقاف الزحف الصيني التجاري والعسكري أيضاً، وهو الذي أسفر عن تحالف جديد اًخر يطلق عليه"كواد" يجمع أمريكا واليابان والهند وأستراليا وهو أيضاً لمواجهة الصين.
وأقول لكم، إن التغير الذي يحدث في العلاقات الدولية الاًن يؤكد أننا أمام عالم جديد، الجميع يبحث فيه عن مصالحه وهذا تأكد في انسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، ولذا بات لزاماً على قيادات الدول العربية أن تبحث عن مستقبلها، وليس سراً أن باب التحالفات بين هذه الدول بات مفتوحاً على مصراعيه خصوصاً مصر والسعودية والإمارات النواة لأي تحالف جديد، بعد أعلنها بايدن صريحة أنه لا يهتم سوى بوطنه حتى أوروبا خرجت من حساباته، فصار بناء تكتل بين الدول العربية يسعى إلى حماية مصالحها والاستقرار في المنطقة ومنع قوي الشر من الاستيلاء على مقدراتها أمراً حتمياً، بعد أن أصبحت الكثير من الدول العربية مطمعاً لدول كبرى وينظر إليها البعض على أنها بلا حماية وينتظرون اللحظة المناسبة للإنقضاض عليها فهل ستعطيهم قيادات الدول العربية الفرصة؟
أحمد الشامي
Aalshamy610@yahoo.com