الوطن
د. محمود خليل
حالة النكد.. لماذا؟
حالة النكد.. لماذا؟

المتابع لتغريدات وتدوينات بعض الناس على حوائط التواصل الاجتماعى هذه الأيام يلاحظ حالة الألم والوجع التى تنبض بها كلماتهم وجُمَلهم.

بعض الموجوعين يجدون فى الكتابة متنفساً عما تعانى منه قلوبهم وتأنس نفوسهم إلى مشاركة الآخرين لهم بالتعاطف أو بالدعاء.. ومؤكد أن أمام كل موجوع يكتب عشرات آخرين يشعرون بما يشعر ويعانون الألم، لكنهم يكتمون فى قلوبهم، راجين رحمة ربهم.

فعندما تتراكم الإحباطات ومشاعر الخوف وضغوط الحياة تصبح النفوس أشد حساسية لأى وخزة ألم. ورحى المعاناة باتت تعمل بكامل طاقتها منذ ظهور جائحة كورونا، بما أورثته للبشر من خوف وألم وأحزان وانكفاء على الذات وتباعد عن الآخرين، وأعقبتها مشكلات معيشية تزايدت وطأتها على الناس، ولا يزال معولها يعمل بقوة تزيد يوماً بعد يوم، ناهيك عما ولدته المتابعات المستمرة لأخبار الدوائر القريبة أو البعيدة من الفرد عبر مواقع التواصل من أوجه نكد لا تتوقف.

الحالة التى يعيشها البعض حالياً التى يمكن وصفها بـ«حالة النكد العام» لها سر واحد وحيد، يرتبط بثنائية تحدث عنها القرآن الكريم، ثنائية «الطيب والخبيث». يقول الله تعالى: «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً».

ومعنى الآية الكريمة -كما يوضحه المفسرون- أن البلد الطيب يتمتع بتربة خصبة عفية عندما يصيبها المطر تربو وتزهو وتخرج نباتها يانعاً ناضجاً، أما البلد الذى تسوده التربة الناشفة البائرة فلا يشفع معه مطر ولا رعاية، لأن تربته لا تسمح إلا بخروج الخشن والعطن من النباتات. ذلك هو المعنى المباشر الذى استخلصه المفسرون من الآية الكريمة، لكنْ ثمة معنى أعمق يتحدث عن البشر ونفوسهم التى قد تتمتع بالخصب أو البوار.

فالنفوس الخصبة هى النفوس الطيبة المتصالحة مع الحياة، الراضية بما قسم الله تعالى لها فى الدنيا، المتمنية الخير ذاته كما تتمناه لغيرها، المؤمنة بأن البشر كلهم ضعفاء والواجب أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بمنطق العذر والصفح، مثل هذه النفوس تشيع التوازن والاتزان فى الحياة، وتستفز من حولها لإخراج أطيب ما فيهم وأنقى ما يعتمل فى نفوسهم.

أما النفوس البائرة فهى النفوس التى لا تفرق بين السعى فى الحياة والسطو على الحياة. السعى فى الحياة وبذل الجهد من أجل العيش جزء من إنسانية الإنسان، فالأرض لا تنبت إلا برعاية، لكنْ ثمة فارق بين السعى والسطو على الحياة. فهناك صنف من البشر يتعيش على امتصاص الآخرين وسلبهم ويجد راحته فى تنغيص حياتهم وتكديرها، ولأن من يملكون الرغبة فى السعى قلة فإن الكثرة التى تعانى البوار تجد ذاتها فى السطو. وهؤلاء من وصفهم القرآن الكريم بالقوم البور «وَلَكِن مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً».

يذهب المفسرون إلى أن كلمة «نكد» لم ترد فى القرآن الكريم إلا مرة واحدة، لتدلل على حالة ثابتة فى حياة البشر، تؤكد أن السعى «طيبة» تورث المجتمع الاستقرار والهدوء النفسى، والسطو حالة خبيثة تورث المجتمع الوجع والنكد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف