احمد الشامى
اقتراح كيسنجر .. ومآلات الحرب الروسية على أوكرانيا
اقتراح كيسنجر .. ومآلات الحرب الروسية على أوكرانيا
لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يتصورأن إعلانه الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، سيكون بمثابة قفز في الظلام، فرغم مرور نحو 94 يوماً على القتال حتى الاًن، لا أحد يعلم كيف تضع هذه الحرب التى قسمت العالم إلى تكتلات أوزارها، المفاوضات بين الدولتين لم تصل إلى حل بسبب رفض الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو، إعلان هزيمة كييف التي تعتبر جزءاً من القارة العجوز، ولذا لا أحد في العالم يعرف ماًلات الحرب الروسية على أوكرانيا، الجميع يضع سيناريوهات للنهاية الحتمية متمنياً أن تكون بأقل الخسائر، ولا يعرف أي منها الأقرب إلى التحقق بعد أن تحولت الأزمة إلى صراع بين جميع دول العالم نتيجة محاولة موسكو وواشنطن استقطاب أكبر عدد من الزعماء الداعمين لهم، ولذا جاء اقتراح عميد الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق " 99 عاماً" والذي شغل هذا المنصب فضلاً عن عمله مستشاراً للأمن القومي في ظل حكومتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، في مؤتمر دافوس 2022 ليثير ليثيرضجة واسعة عقب تصريحات أدلى بها، إذ دعا لأن تهدف مفاوضات السلام بين أوكرانيا وروسيا إلى إنشاء حدود في دونباس كما كانت موجودة قبل الغزو الروسي، على أن يكون الخط الفاصل بين الدولتين العودة إلى الوضع السابق قبل الغزو، ما يعني أن على أوكرانيا أن تتخلي عن جزء كبير من دونباس وشبه جزيرة القرم لروسيا لإعلان نهاية الحرب.
وحذر كيسنجر من محاولات الغرب إذلال روسيا على أن تبدأ المفاوضات خلال شهرين وقبل أن يتصاعد التوتر في المنطقة ويكون من الصعب الجلوس على مائدة مفاوضات، لكن هذا الاقتراح اًثارغضب الإعلام الأمريكي الذي عبر عن سخطه من هذا الحديث غير المتوقع بأساليب عده، كما وصف الرئيس الأوكراني، فولدومير زيلينسكي،كيسنجربأنه عاد من الماضي السحيق ليقول " إن قطعة من أوكرانيا يجب أن تُمنح لروسيا"،هكذا كانت ردود الأفعال على اقتراح كيسنجر"الأرض مقابل السلام"، وهو الذي يرى ما لا يراه غيره ولا يتوقعه بحكم خبرته الدبلوماسية الواسعة، قبل أن تصل الحرب إلى مرحلة قد يكون من الصعب الوصول منها إلى حل وهو ما سيكلف العالم كثيراً وقد يدفعه إلى الفناء، وهو ما يقودنا إلى التفكير فيما ستؤول إليه هذه الأزمة التي وضعت العالم كله في مأزق أصبح الخروج منه بلا خسائرحلم بعيد المنال بعد أن كلفت الكثيرمن الدول ثروات ومبالغ مالية ضخمة.
لكن يعود السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة الاًن، ما هي السيناريوهات المحتملة لإنهاء هذه الحرب؟ أرى أن أمريكا وأوروبا والناتو لا يمكن أن يسمحوا لبوتين أن ينتصر على أوكرانيا التي تعتبر إمتداداً لأوروبا مهما كانت التضحيات من جانب واشنطن وحلفائها لأن الهزيمة تعني بالنسبة لهم ظهور قوى عظمى عالمية جديدة في مقدمتها الصين وروسيا والهند، ولذا فأن أمريكا تضع كل إمكاناتها تحت تصرف كييف حتى لو كلفتها الحرب الكثير من المال والسلاح، وهو ما أكد عليه الرئيس الأوكراني، الذي قال " نحن أمة لن تنهزم ولن تنكسر ولن تسامح"، أما المؤرخ البريطاني لورنس فريدمان فيرى" إنها حرب لا يمكن لبوتين الانتصار فيها".
السيناريو الثاني لإنهاء الأزمة قد يأخذ اقتراح كيسنجر في الاعتبار، إذ يرى البعض أن الحل يكمن في تقسيم أوكرانيا وهي إحدى دول الاتحاد السوفيتي القديم، وتالياً يرى هؤلاء أن من حق روسيا الحصول على جزء منها لتحمي نفسها من أي هجوم غربي محتمل، وهو ما حدث لألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن هذا السيناريو يستلزم انتصار موسكو على أوكرانيا انتصاراً ساحقاً، لكن هل تسمح واشنطن بأن تنتصر روسيا وتخضع أوكرانيا لسيطرتها؟ أعتقد أن ذلك السيناريو صعب التحقق في ظل الدعم الذي تحصل عليه كييف من واشنطن وأوروبا والناتو، فيما يظل السيناريو الثالث والذي يرتكز على الحل الدبلوماسي من أجل الوصل إلى تسوية مطروحاً بقوة، لأن طريق الحوار سيظل الأقرب لإنهاء الأزمة بعد الدمار الذي أحدثته روسيا في أوكرانيا، وكانت مباحثات قد انطلقت بين المسؤولين الروس والأوكرانيين على الحدود مع بيلاروسيا، ورغم أنها لم تحقق أي تقدم، لكن يظل التفاوض مطروحاً بين الجانبين لوقف إطلاق النار كبداية لإنهاء الصراع بين الجانبين الذي يحتاج إلى نوايا طيبة خصوصاً من واشنطن قبل أن تتفاقم نيران الأزمة وتنتشر في ربوع العالم وتسبب المزيد من المشكلات التي تهدد استقراره.
وأقول لكم، إن أمد الحرب الروسية الأوكرانية من الممكن أن يطول وتتحول مع مرور الوقت إلى حرب باردة بلا منتصر، ويظل الجميع في انتظارحل اًلهي بغياب الممثل زيلينسكي أو بوتين أو بايدن من المشهد، لكن الأهم من ذلك أن العالم لن يعود إلى ما كان عليه قبل هذه الأزمة بسهولة خصوصاً الوضع الاقتصادي العالمي الذي تضرر كثيراً من جراء هذه الحرب التي دفعت منظمة التجارة العالمية إلى أن تخفض توقعاتها للنموالعام الجاري في كثير من الدول بمقدارالنصف تقريباً، من 4.7 % إلى 2.5 %، بسبب تأثير الأزمة والسياسات المتعلقة بها في كثير من دول العالم ما أدى لزيادة أسعار المواد الغذائية، ويقيني أن الحرب قد تؤدي إلى ركود عالمي، ولذا من المتوقع أن تتخذ الدول الكثير من الإجراءات الحمائية للفئات الأكثر إحتياجاً، وتوقع صندوق النقد الدولى حدوث ضرر اقتصادي"أكثر تدميرًاً" في كثير من دول العالم حال تصاعد الصراع العالمي الذي لا يعرف أحد موعد نهايته.
أحمد الشامي
Aalshamy610@yahoo.com