احمد الشامى
أقول لكم «هرولة أمريكية».. وإستراتيجية عربية
«هرولة أمريكية».. وإستراتيجية عربية
لم يكن أحد يتصور أن القرار الذي إتخذته إدارة الرئيس الأمريكي "بايدن" بالانسحاب من دول الخليج والعراق العام الماضي، لن يستمر طويلاً وأن واشنطن ستهرول عائدة إلى الشرق الأوسط تطلب الود السياسي وفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة وإقامة تحالف جديد معها بعد أن اكتشفت أنها فقدت الكثير من قوتها نتيجة تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية، وباتت تعاني من الارتباك والعزلة بعد أن وجدت نفسها في مواجهة صعبة مع قوى عظمى في العالم خصوصاً روسيا والصين ما أدى إلى تراجع مكانتها دولياً بعد أن أصبحت عاجزة عن القيام بدور القائد بين حلفائها الأوروبيين وفي الشرق الأوسط أيضاً، أدركت واشنطن أنها أفسحت الطريق لمنافسيهما الاستراتيجيين موسكو وبكين لملء الفراغ الذي تركته في المنطقة، وهو ما أضر بمصالحها في العالم كله خصوصاً في ظل الصراع الدائر الاًن في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا والذي يهدد العالم بحرب عالمية ثالثة، في الوقت الذي تتزايد فيه أطماع إيران في الخليج مع مرور الوقت ما أدى لتجميد مفاوضات (خمسة زائد واحد) التي تحمس لها بايدن ووعد بالتوصل إلى اتفاق سريع مع طهران والتي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب، في مارس 2018.
جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى مصرقبل أيام لتعكس قوة العلاقات بين القاهرة والرياض وفرصة لبناء استراتيجية عربية موحدة تعتمد على محور العلاقة المتينة بين القاهرة والرياض وأبوظبي نتيجة تطابق وجهات النظر بين الدول الثلاث في غالبية الملفات للتوصل إلى رؤية موحدة للتعامل مع واشنطن التي بات تصرفها مع دول الخليج يوصف بأنه "هرولة أمريكية"، وذلك أثناء لقاء بايدن بالقادة العرب منتصف الشهر المقبل، وأثناء الزيارة وقعت مصر والسعودية 14 اتفاقية مع المملكة بقيمة استثمارات تتجاوز 29 مليار ريال، بين القطاع الخاص السعودي والمصري، على هامش زيارة الأمير محمد بن سلمان، التي تأتي فى وقت بالغ الأهمية وتهديدات سياسية واقتصادية غير مسبوقة في العالم ومنطقة الشرق الأوسط نتيجة الأزمة الأوكرانية والدعم الأمريكي لها وسعى واشنطن لخلق تحالف عربي داعم لها، ولذا أكدت مصر والسعوديةعلى وحدة الموقف والمصير المشترك تجاه مجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتحرص مصر والمملكة على زيادةالتعاون الاستثماري والتبادل التجاري وتحفيز الشراكات بين القطاع الخاص في البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة تدعم عدداً من القطاعات المستهدفة، بما في ذلك السياحة، والطاقة، والرعاية الصحية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والتطوير العقاري، والزراعة.
وبعد مغادرة ولى عهد السعودية بساعات، بدأ أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، زيارة إلى مصر لاستكمال المشاورات العربية في ظل ما تشهده المنطقة من نشاط دبلوماسي كبير خصوصاً قبل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط منتصف يوليو المقبل، ويأتي التطور في العلاقات بين القاهرة والدوحة بعد أن أعلنت قطر في مارس الماضي ضخ استثمارات وشراكات في مصر بقيمة إجمالية تبلغ 5 مليارات خلال الفترة المقبلة، ما يعني أن استثمارات قطر في مصر تطورت خلال السنوات الأخيرة، بحسب ما تظهره آخر بيانات للبنك المركزي المصري.
لم يكن أمام الإدارة الأمريكية مفراً من إعادة النظر في قرار الخروج من الشرق الأوسط، في ظل التلاحم العربي الذي بات ضاغطاً على واشنطن ومصالحها في العالم، ولذا أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن سيزور المنطقة في منتصف يوليو المقبل ويلتقي لأول مرة مع الملك سلمان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إضافة إلى عدد من حكام الدول الخليجية والقيادة المصرية، وهو ما وصفه البعض بـ " هرولة أمريكية" للعودة إلى الشرق الأوسط وتغييراً في نهج الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة في محاولة لإعادة الدفء لعلاقاتها مع الدول المحورية خصوصاً مصر والسعودية والإمارات التي باتت تمثل محوراً مهماً في الشرق الأوسط وهو ما يعني عودة إنخراط واشنطن في قضايا المنطقة وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي وتهديد إيران لدول المنطقة في محاولة لإبعاد الصين وروسيا عن دول عربية كانت ولاتزال واشنطن تعتبرها حلفاء لها ما يعكس سعى واشنطن لإقامة سياسة متوازنة بين الشرق والغرب، لكن ليس سراً أن بايدن يأتي هذه المرة مرغماً لبحث ملفات الطاقة وأمن المنطقة والصراع الذي يبدو في الأفق بين إيران وإسرائيل من ناحية وإيران ودول الخليج من ناحية أخرى إضافة إلى القضية الفلسطينية، إذ يشارك في القمة الخليجية العربية مع بايدن، قادة مصر والعراق والأردن ولذا فأن بايدن يسعى لإعادة علاقات واشنطن مع الدول العربية المحورية وفي مقدمتها مصر عبر خطى الرئيس السابق ترامب بعد أن تأكدت واشنطن أنها لن تستطيع الاستمرار في الدعم الأمريكي لأواكرانيا دون مساندة دول الخليج خصوصاً السعودية صاحبة اليد الطولى في ملف الطاقة ومصر التي صارت أكثر تأثيراً في ملف الغاز.
ورغم أن البعض يتحدث عن أن المسار الجديد لواشنطن ليس سوى تكتيك سياسي وأن بايدن سيعود لمواقفة المتشددة من بعض دول الشرق الأوسط عقب انتهاء الأزمة الأوكرانية الروسية لكن من يدري متى وكيف ستنتهي هذه الحرب التي باتت تهدد العالم أجمع بحرب عالمية ثالثة، ولذا فأن مراجعة بايدن لمواقفه تجاه دول الشرق الأوسط أصبح خياراً استراتيجياً لا يوجد له بديل، خصوصاً أن مصر تعتبر رمانة الميزان لحفظ الاستقرار والأمان للمنطقة وحمايتها من تحديات ومخاطر الإرهاب في ظل عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى تنفيذ عمليات عنف في سوريا والعراق متسلحاً بدعم مالي ومعنوي من بعض الدول ومخابرات عالمية، إذ إن الإدارة الأمريكية على يقين من أن القيادة المصرية هي الوحيدة القادرة على ضبط الأمن في منطقة الشرق الأوسط بما تمتلك من قدرات عسكرية وأمنية لا يوجد لها مثيل في العالم.
وأقول لكم، إن مصر الكبيرة لا يمكن لأي قوة في العالم أن تتجاهلها، بفضل سياسات الرئيس عبدالفتاح السيسي المتوازنة ورؤيته الثاقبة الذي يمتلك رصيداً كبيراً في حل القضايا السياسية ومواجهة الإرهاب، ولذا صارت مصر رمانة الميزان فى منطقة تعاني من الصراعات وعدم الاستقرار صار يطلق عليها شرق أوسط مضطرب، وتعتمد سياسة مصر الإقليمية على الحلول السلمية للنزاعات وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول والتمسك بمبادئ المواطنة والتنمية الشاملة داخلياً في كافة المجالات ومساندة الفئات الأكثر إحتياجاً ببرامج دعم يأتي في مقدمتها " حياة كريمة"، وفي ظل سعى مصر لبناء الدولة لم تنسى دورها التاريخي لحل القضية الفلسطينية عبرإحياء عملية السلام من خلال رؤية متكاملة وعادلة تحقق حل الدولتين، كما تحرص مصر على التوصل لحلول للعديد من القضايا الإقليمية من بينها الأزمة الليبية والسد الأثيوبي، ووضع استراتيجية تهدف إلى القضاء على الإرهاب من خلال رؤية مصر الشاملة في هذا المجال من أجل بناء الجمهورية الجديدة.
أحمد الشامي
Aalshamy 6610@yahoo.com