احمد الشامى
أقول لكم أوكرانيا «أفغانستان ثانية» .. من سيدفع الفواتير؟
أوكرانيا «أفغانستان ثانية» .. من سيدفع الفواتير؟
يبدو أن غموض رؤية وأهداف أمريكا والدول الغربية من الحرب الروسية على أوكرانيا من الممكن أن يحولها إلى أفغانستان ثانية، لكن هذه المرة ستكون محاولة من واشنطن لإنهاك روسيا ودول كبرى أخرى في مقدمتها الصين اقتصادياً وسياسياً، ولذا فالسيناريوالمتوقع لهذه الأزمة أن تستمر أطول فترة ممكنة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، وهو ما تنبه إليه وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الذي وصف ما يجري حالياً قائلاً " يحاولون الآن استبدال أفغانستان بأوكرانيا"، فيما توقعت عضو الكونغرس السابقة تولسي غابارد، تكرارما واجهه الأمريكيون في العراق أو أفغانستا في أوكرانيا"، متابعة"الشعب الأمريكي له الحق في معرفة كم تكلفة هذه الحرب، وما الذي سيحصل عليه نتيجة اهتمام واشنطن بدول ما بعد الاتحاد السوفيتي"، وأرى أن السؤال الأهم الاًن من سيدفع فواتيرهذه الحرب المباشرة وغير المباشرة التي تسببت بدخول العالم في ركود اقتصادي لم يحدث منذعشرات السنين؟، فالولايات المتحدة التي تعتبر نفسها سيدة العالم حتى الاًن تطلب من دول أخرى المساهمة في تكلفة هذه الحرب لكن في حقيقة الأمرتحملت كل دول العالم حتى الاًن سداد التكلفة غيرالمباشرة وهو ما أدى لمعاناة المواطنين في جميع القارات وجعل الاقتصاد العالمى في حالة عدم استقرار خصوصاً مع ارتفاع أسعار الطاقة ومدخلات الصناعة، كما أن أسعار الغذاء والحبوب شهدت إرتفاعات غير مسبوقة في الأسعارما ألقى بضغوط على كل الدول خصوصاً الناشئة منها وتالياً المواطنين.
نعود لطرح السؤال بصيغة أخرى لمعرفة من سيدفع التكلفة المباشرة للحرب خصوصاً أثمان الأسلحة التي تتدفق على أوكرانيا من واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي وفروق أسعار النفط والغاز التي زادت بنسبة تزيد على 100% خلال الأزمة؟ فمع تزايد تداعيات الصراع تتفاقم التكلفة "الفاتورة" الاقتصادية للحرب التي يبدو أنها ستكون طويلة الأمد على الصعيدين العسكري والاقتصادي، لأنه في حال انتهت الاًن سيعاني العالم من اَثارها الاقتصادية عامين مقبلين على الأقل، ووفقاً لباحثين في شؤون هذه الحرب فأنه من المرجح أن تتجاوز التكلفة اليومية للحرب بالنسبة لروسيا 20 مليار دولار نتيجة فقد معدات عسكرية غالية الثمن خلال الغزو الذي يمتد عبر مساحات شاسعة من أوكرانيا، لكن إذا كانت موسكو تتحمل فواتيرها لأن الحرب حربها وإندلعت حماية لأمنها القومي، هل ستتحمل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التكلفة المباشرة للحرب وتواصل دعم أوكرانيا بالمال والسلاح المتطور الذي يكلف خزائن هذه الدول مبالغ طائلة في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في هذه الدول ؟ أرى أن واشنطن ستبحث عن رعاة جدد لسداد فواتير هذه الحرب من خارج أوروبا، ولذا تأتي زيارة الرئيس الأمريكي بايدن يومي 15 و16من الشهر الجاري إلى السعودية ولقائه قادة دول الخليج ومصر والعراق والأردن محاولة من واشنطن لإستجداء هذه الدول لدخول الحرب بطريقة غيرمباشرة عن طريق دعم أمريكا وأوروبا بالطاقة وأوكرانيا بالسلاح، لكن أرى أن مطالب بايدن "ضعيف الشعبية" في بلاده، من الملوك والرؤساء الذين سيجتمع بهم ستعبر حدود ذلك بتشكيل ناتو عربي شرق أوسطى جديد في ظل الأزمات التي تمر بها المنطقة، لكن يقيني أن هذا الطلب سيقابل بالرفض من جانب القادة العرب الذين سيمتنعون عن خوض حروب بالوكالة ضد أي دولة في المنطقة طالما لم يحدث إعتداء عليهم من جانبها وفي حال تشكيل هذا التحالف لن يكون موجهاً ضد دولة بعينها.
زيارة الرئيس بايدن لن تكون لإلتقاط الصور التذكارية فالعالم والمنطقة يمران بأصعب فترة توتر منذ سنوات ولذا لابد أن القادة العرب ستكون لهم أيضاً مطالب من الولايات المتحدة يأتي في مقدمتها إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من أجل إقرار حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية في ظل تقاعس الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن السعى لإيجاد حل نهائي لهذه الأزمة خصوصاً في ظل تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية للعديد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات والعراق، إذ بات في مقدرتهم تغيير ميزان القوى في المنطقة ولذا يتعين التوصل إلى حل نهائي للكثير من الأزمات التي يعاني منها الشرق الأوسط في ظل عدم التوصل إلى إتفاق حتى الاًن بين إيران وأمريكا وأوروبا من ناحية أخرى فيما يعرف باتفاق خمسة زائد واحد، كما أن إصرار أثيوبيا على عدم توقيع اتفاق ملزم عن ملء وتشغيل سد النهضة وعدم سحب المرتزقة من ليبيا كلها ملفات لابد من التوصل إلى حلول لها في حال كانت الولايات المتحدة حريصة على استقرار الشرق الأوسط فالنظرة لابد أن تكون شاملة لأزمات المنطقة وحلها كلها وليس التباحث من أجل المصالح الأمريكية فقط إذ من المحتمل أن تتضمن الزيارة توقيع بعض الاتفاقات العسكرية بين واشنطن وبعض الدول لضمان أمن المنطقة العربية فضلاً عن بحث قضايا اليمن ولبنان وليبيا والسودان، فضلاً عن سعى بايدن لطمأنة الدول العربية بشأن الاتفاق النووي الإيراني في حال العودة إلى مائدة المفاوضات خصوصاً أن دول الخليج تتخوف من إبرام إتفاق يضر بأمنها القومي.
إن العالم كله بات على صفيح ساخن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي لا يبدو في الأغلب نهاية قريبة لها في ظل رفض واشنطن لأي حلول سريعة لا تحقق الهدف الأسمى الذي تسعى لتحقيقه وهوانهيار مقدرات روسيا الاقتصادية تحت ضغط العقوبات بعد أن قضت نحو سبع سنوات في بناء اقتصاد عملاق متنوع يعتمد على التصدير خصوصاً البترول والغاز والذهب والسلاح ومستلزمات الصناعة، ولذا من الصعب أن يصمد اقتصادها أمام عقوبات الغرب التي يتوقع أن تؤدي لإنهيار الاقتصاد الروسي مستقبلاً ويصبح غير قادر على مواصلة القتال، ولذا تسعى موسكو لتحقيق أهدافها الاسترتيجية من الحرب في أسرع وقت ممكن حتى بدون توقيع اتفاق مع أوكرانيا على أن تظل الأمور معلقة على أمل حدوث تغيير في الإدارة الأمريكية خلال الفترة المقبلة فما يدعمه ترامب قد لا يوافق عليه رئيس أمريكي جديد في ظل تراجع شعبية الرئيس بايدن وشعور المواطن الأمريكي بارتفاع غير مسبوق في الأسعار يؤثر سلبياً على حياة الرفاهية التي يعيشها، خصوصاً أن سقوط بوريس جونسون أكبر حليف لأمريكا في أوروبا ستكون له اًثار سيئة على علاقة واشنطن بأوروبا كلها، إذ تعتبر لندن مع باريس وبرلين قاطرة القطار الذي يقود أوروبا ويحدد مصيرها.
وأقول لكم، إن مصر الثابتة على مواقفها تتحرك في دوائر عالمية متشابكة ولا يمكن أن تنحاز لطرف على حساب الاًخر في الحرب الروسية الأوكرانية نتيجة علاقاتها العميقة مع موسكو وواشنطن، فلا يمكن لها أن تنحاز لطرف على حساب الاًخر وهي من مؤسسي حركة عدم الانحياز، إذ يضع الرئيس السيسي نصب عينيه على المصالح المصرية والعربية وعدم السقوط في هذا الفخ المُهلك والذي أضر بمصالح دول كبرى، خصوصاً أن العلاقات المصرية – الأميركية متينة واستراتيجية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في اَواخر السبعينات، إذ تعتبر واشنطن مصر حليفاً استراتيجياً لها معتبرة إياها دولة مهمة ومحورية في الشرق الأوسط لا يمكن الاستغناء عنها ولذا تحرص على دعم العلاقات معها، كما أن العلاقات المصرية الروسية استراتيجية أيضاً وتعتبرموسكو شريكاً للقاهرة في الكثيرمن الملفات السياسية والاقتصادية منذعشرات السنين وتالياً ليس من مصلحة مصرالتضحية بهذه العلاقات في وقت تحتاج فيه مصر إلى علاقات متوازنة مع جميع الدول، وأرى أن الموقف المصري تتباه جميع الدول العربية خصوصاً الحليفة لواشنطن ولا يخفي على أحد سعيها جميعاً لإيجاد قوة جديدة في المعادلة الدولية ويمكن أن يأتي ذلك عبر تطوير العلاقات العربية والمصرية مع روسيا لمواجهة المواقف الأميركية غير المتوازنة في التعامل مع الكثير من القضايا العربية خصوصاً القضية الفلسطينية، ولذا أتوقع أن لا تزيد الاستجابة العربية للمطالب الأمريكية أثتاء زيارة بايدن عن إمكانية ضخ المزيد من البترول في الأسواق من خلال منظمة أوبك لكن ليس بكميات كبيرة، وأرى أن الدول العربية لن تورط نفسها في سداد فواتير هذه الحرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yahoo.com