احمد الشامى
أقول لكم «الدبلوماسية الاقتصادية» تقود «رحلة المكاسب»
«الدبلوماسية الاقتصادية» تقود «رحلة المكاسب»
دلالات عديدة كشفت عنها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لألمانيا وصربيا وفرنسا خلال الأيام الماضية، تعكس اهتمام القيادة السياسية بتطويردبلوماسية التنمية الاقتصادية لتحقيق المزيد من الإنجازات وجذب الاستثمارات في وقت يعاني فيه العالم من أزمة مالية قاسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي عصفت باستقرارالكثير من الدول، فأصبحت بحق رحلة المكاسب، إذ ركزت مباحثات الرئيس مع قادة الدول الثلاث على التعاون وبناء شراكات استراتيجية تستهدف عقد اتفاقات وتوقيع مذكرات تفاهم لضخ رؤوس الأموال في كافة مناحي الاقتصاد المصري خصوصاً في مجالات الصناعة والنقل والزراعة والاتصالات، فضلاً عن بحث الملفات ذات الصلة بالعلاقات الثنائية دولياً وإقليماً وفي مقدمتها الأزمة الروسية الأوكرانية والقضية الفلسطينية وكافة القضايا العالقة في الشرق الأوسط ومنها السد الأثيوبي والوضع في ليبيا واليمن لتحقيق الاستقرار وصولاً إلى التنمية الاقتصادية في مصر بهدف زيادة الدخل القومي بمُعدل أكبرمن نمو السكان لتنفيذ إصلاحات في كافة القطاعات مثل التعليم والصحة والصناعة والتجارة من زيادة عوائد التنمية ما يتيح زيادة دخول المواطنين وجني ثمار سنوات الكفاح والعمل الشاق.
تحقيق التنمية الشاملة يحتاج لبناء استراتيجية وطنية لتطويركافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق خطط محددة، ولذا جاءت زيارة الرئيس السيسي إلى فرنسا تتويجاً للعلاقات التاريخية بين البلدين، إذ حرص على توطيد علاقات القاهرة مع باريس في المجالات كافة منذ وصوله إلى سدة الحكم منذ ثمام سنوات خصوصاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وضع أسس جديدة لتطوير علاقات البلدين نتيجة تطابق الرؤي مع القيادة المصرية في الكثير من الملفات على الساحتين الإقليمية والدولية، واستهدفت زيارة الرئيس لفرنسا دعم الشراكة الاستراتيجية وجاءت المباحثات بين الرئيسين بناءة وتناولت رؤية مصر من أجل التوصل إلى حلول للقضايا الدولية والإقليمية ومن بينها الأزمة الروسية الأوكرانية وإحياء المباحثات الفلسطينية الإسرائلية وصولاً إلى حل الدولتين، فضلاً عن الوضع في ليبيا وعدد من الدول الأفريقية ومكافحة الإرهاب، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين القاهرة وباريس التي تشهد تطوراً مستمراً خلال السنوات الأخيرة بهدف تعميق وتعزيز الاستثمارات الفرنسية في مصر.
أما العلاقات المصرية الصربية فقد شيدت على صداقة مميزة تضرب جذورها في التاريخ الحديث، إذ كانت علاقة الرئيسين جمال عبدالناصر وجوزيف تيتو قوية وأسفرت عن تشكيل حركة عدم الإنحياز عام 1955 بدعم من الرئيس الهندي نهرو وقادة اَخرين، رداً على الحرب التي تصاعدت بين المعسكرين الغربي والشرقي عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وتدمير دول المحور، وكان هدفها الابتعاد عن سياسات الحرب الباردة، لكن تفكك يوغوسلافيا نتيجة سلسلة من الاضطرابات خلال أوائل تسعينيات القرن الماضي، نتيجة أزمات سياسية واقتصادية في ثمانينيات القرن الماضي، أدى لانفصال الجمهوريات المكونة ليوغوسلافيا، إلى البوسنة والهرسك، كرواتيا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، صربيا، سلوفينيا، وسعى الرئيس السيسي إلى تعميق علاقات مصر القوية بجميع دول يوغسلافيا السابقة وفي القلب منها صربيا التي استقبلته بحفاوة بالغة، إذ رافقت طائرات صربية مقاتلة طائرة الرئيس السيسي فور دخولها المجال الجوي للعاصمة، بينما منحت جامعة بلجراد الرئيس عبدالفتاح السيسي درجة الدكتوراة الفخرية، عقب وضعه وضع إكليلاً من الزهور على قبر الجندي المجهول بجبل أفالا، وذلك بصحبة وزير الدفاع الصربى، لتؤكد بلجراد حرصها على التعاون مع مصرتقديراً لتاريخها وقيادتها التي تدعم السلام والتعاون في العالم بعد أن تأكدت أن القاهرة تفتح ذراعيها للعالم كله لبدء صفحة جديدة من العلاقات الوثيقة التي ترتكز على التعاون.
يحرص الرئيس السيسي على دبلوماسية التنمية الاقتصادية، ولذا يمكننا أن نطلق على زيارته الأخيرة لألمانيا وصربيا وفرنسا رحلة المكاسب، فجاء لقاءه مع رؤساء كبرى الشركات في صربيا ليؤكد أن مصر ستوفر كل ما يحتاجه المستثمر الأجنبي،بعدأن أصبح لدي مصر فائضاً في الغاز للتصدير إضافة إلى بنى تحتية هائلة خلال السنوات الثمان الماضية وإنجاز 6 آلاف مشروع تكلفتها ثمان تريليونات جنيه لتأهيل الدولة من أجل تشجيع المستثمرين للعمل في مصر التي تعتبر سوقاً كبيراً وتسعى لإضافة 3 ملايين فدان للمساحة الزراعية خلال العامين المقبلين، فضلاً عن الكثيرمن المشروعات الصناعية التي دخلت الخدمة خلال هذه السنوات ومن بينها مدن صناعية في العديد من المحافظات، ما يؤكد أن هناك إرادة سياسية بين الرئيسين السيسي والصربي ألكسندر فوتشيتش لتطوير التعاون بين البلدين عبر تشجيع رجال الأعمال الصربيين على إقامة مشروعات تسهم في توفير فرص العمل على أن يتم إزالة أي عقبات تواجه المستثمرين من جميع الدول.
لم تكن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إدارة فعاليات "حوار بطرسبرج للمناخ"بالعاصمة الألمانية برلين مع القيادة الألمانية مفاجأة، إذ يعتبر هذا الحوار المحطة قبل الأخيرة قبل انعقاد الدورة المقبلة من قمة المناخ العالمية بمدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر المقبل، وتتويجاً لجهود مصر والرئيس خلال السنوات الماضية لإيجاد حلول جذرية للتغير المناخي على مدارالسنوات الماضية، كما أن زيارة الرئيس لألمانيا جاءت في وقت يشهد فيه العالم تهديدات خطيرة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ولذا حرص الرئيس على لقاء العديد من المسئولين الألمان، وعلى رأسهم المستشار الألماني "أولاف شولتز" لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية على كافة الأصعدة بين البلدين، بما يحقق تدعيم التعاون بينهما ومواصلة التشاور المكثف حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والسعي لتحديد نقاط تلاقي والتركيز عليها بهدف الخروج من هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن وتفادي الدوائرالمتداخلة التي قد تؤدي إلى التأخير في الوصول إلى نتائج سريعة، ولذا يسعى جميع قيادات العالم إلى الشراكة من أجل عبور هذه الأزمات التي تعاني منها جميع الدول وتحقيق معدلات تنمية مرتفعة تحقق طموحات الشعوب الساعية إلى مستقبل واعد لايقبل العودة إلى الخلف مهما كانت التحديات، ما يؤشر للنهضة والنمو في المجالات كافة والخروج من الأزمة بأقل الخسائر.
كانت لحظة تاريخية في برلين عندما تجمع أبناء الجالية المصرية بألمانيا بأعلام وطنهم لاستقبال الرئيس السيسي، ليؤكد المخلصين في الخارج أنهم لا ينفصلون عن وطنهم والتحديات التي تواجهه، وكان من الطبيعى أن يناقش الرئيس مع الإدارة الألمانية تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على الكثير من الملفات في مقدمتها الطاقة والغذاء واستقرار الشرق الأوسط، إذ شهدت السنوات الماضية نقلة نوعية حقيقية في الشراكة الثنائية بين مصر وألمانيا على كل الأصعدة عنوانه التعاون الاقتصادي، ولذا بحث الرئيس مع المستشار "شولتز" تطورات قضية سد النهضة، وسعي مصرلإيجاد حل عادل يراعي متطلبات أمنها المائي الذي لا تفريط فيه، كما أطلع الرئيس السيسي، المستشار الألماني على التطورات المهمة في ملف حقوق الإنسان، في إطار المقاربة الشاملة التي تتبناها الدولة المصرية في هذا الصدد، وسعي مصر للحفاظ على مستوى معيشة مرتفع للمواطنين في ظل تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب خصوصاً بعد إنسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط ممثلاُ في العراق وأفنستان خلال العام الماضي.
إن العلاقات المصرية الألمانية صارت استراتيجية على المستويين الاقتصادي والتنموي منذ وصول الرئيس السيسي إلى سدة الحكم قبل ثمان سنوات، إذ تم إسناد تنفيذ العديد من المشروعات لشركة سيمنز الألمانية العملاقة من بينها تشييد أحدث شبكة قطارات في العالم عبرمشروع مكون من ثلاثة خطوط يربط العين السخنة في السويس بالعاصمة الإدارية الجديدة والقاهرة والعلمين في الساحل الشمالي بالصعيد، فضلاً عن تنفيذ العديد من الشركات الألمانية لمشروعات تنموية في مصر في الكثير من المجالات خصوصاً إقامة محطات الكهرباء والبناء والصناعة، وتعتبر مصر ثالث أكبر شريك تجاري لألمانيا فضلاً عن التعاون العلمي بين الدولتين، إذ يوجد ثلاث جامعات ألمانية في مصر والعديد من المدارس الألمانية والكثير من المشروعات الممولة من الجانب الالماني، ولذا من المتوقع أن تسهم زيارة الرئيس لألمانيا في المزيد من التعاون بين البلدين خلال الفترة المقبلة في مشروعات التنمية و التبادل الثقافي والعلمي بين البلدين.
وأقول لكم، إن مصر أعلنت مراراً وتكراراً منذ إسناد رئاسة قمة تغير المناخ "COP27" في شرم الشيخ إليها جاهزية جميع مؤسسات الدولة لإنجاح فاعلياته التي يتوقع أن تتضمن المزيد من الحلول للتعامل مع هذه الأزمة العالمية التي صارت تمثل تحدياً للكثير من دول العالم خصوصاً العظمى منها صاحبة القدرة الإنتاجية الكبيرة، وقد اعتبرت مصر إقامة المؤتمر لديها فرصة للاستثمار في الشباب الذي سيتحمل عبء التنظيم ومنهم باحثون مصريون في الخارج‘ إذ من المتوقع تخصيص عدد من أيام المؤتمر لعرض أفكار هؤلاء الباحثين لإيجاد حلول مبتكرة في هذا المجال، ووضع خارطة طريق لتقليل الانبعاثات باستخدام الحلول الرقمية، وهو ما يدعم اختيار مصر ممثلًا عن قارة أفريقيا لاستضافة فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمؤتمرالأطراف " كوب 27" وذلك تنفيذاً لقرارجامعة الدول العربية التي أكدت في وقت سابق قدرة مصر والإمارات على استضافة المؤتمر، بعد أن أبديتا رغبتيهما في استضافته إذ ستستضيف الإمارات القمة التالية " كوب 28 "العام المقبل، بعد أن استقبلت كلا من المغرب الدورة الثانية والعشرين لعام 2016، والسابعة عام 2001، كما استضافت قطر الدورة الثامنة عشرة في عام 2012، ولذا جاء اختيار مصر تقديراً من المجتمع الدولي للجهود التي تبذلها في مجال التنمية مع الحفاظ على البيئة، بعد أن أولت اهتماماً كبيراً بملف التغيرات المناخية في مصر والعالم كله.
أحمد الشامي
Aalshamy6110@yah00.com