الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم «العدالة تحققت» : «اغتيال الظواهري»
«العدالة تحققت» : «اغتيال الظواهري»
11 عاماً تفصل بين ترديد عبارة «العدالة تحققت»،على لسان رئيسين أمريكيين ينتميان للحزب الجمهوري، إذ ذكرها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أثناء إعلانه في الثاني من مايو 2011 عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في قرية أبوت آباد الواقعة شمال إسلام أباد على يد قوات من الكوماندوزالأمريكية في باكستان متهماً إياه بأنه المسئول عن هجمات 11 سبتمبر 2001 والتي أدت إلى مقتل نحو 3 آلاف أمريكي، ويكررالرئيس جوزيف بايدن نفس العبارة قبل أيام عند إعلانه عن مقتل الزعيم الثاني لتنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، داخل منزله في منطقة شربور وسط كابول، في غارة بطائرة مسيرة نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" قبل أيام، وذلك بعد عام من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مؤكداً أن «العدالة تحققت ولم يعد هذا الزعيم الإرهابي موجوداً»، متهماً الظواهري بالمشاركة في التخطيط لعمليات إرهابية ضد بلاده من بينها أحداث11 سبتمبر في نيويورك، وأرى أن إقامة الظواهري في رعاية كاملة من قيادات حركة طالبان في قصربالعاصمة الأفغانية وتنقله بحرية يمكن أن يجعل البعض يظن أن الإبلاغ عن مكانه من الممكن أن يكون قد جاء في إطار صفقة إنسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، إذ يعتبر الظواهري من أهم العناصر الإرهابية في العالم بعد أن أسس مع أسامة بن لادن تنظيم القاعدة سنة 1988 في أفغانستان لمحاربة اليهود و الصليبين "وفق وصفهما" من خلال الهجوم على أهداف مدنية وعسكرية في العديد من البلدان أهمها هجمات 11 سبتمبر، كما أعلن بن لادن بالاشتراك مع أيمن الظواهري عام 1998 تأسيس الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين " وفق البيان الصادر عن بن لادن والظواهري في ذلك الوقت"، ما دعا الدول الكبرى لإطلاق استراتيجية الحرب على الإرهاب للتصدي لهذه الجبهة الإرهابية الدموية.
بعد إنسحاب أمريكا من أفغانستان وفرت حركة طالبان للظواهري حماية خلال السنة الماضية، وسمحت له بالظهور في عدد من التسجيلات الصوتية والمرئية، ما يؤكد على التنسيق بين قيادات تنظيم القاعدة وحركة طالبان على مدار السنوات الماضية، إذ كان " الظواهري"، طبيب العيون، البالغ من العمر 71 عاماً المنظر الرئيس لتنظيم القاعدة لعقود عدة لكنه فشل في إعادة التنظيم إلى سابق عهده عندما كان يقوده أسامة بن لادن خصوصاً بعد الإعلان عن تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" الذي يعتبرأبناً شرعياً لتنظيم القاعدة وحفيد جماعة الإخوان، لأن غالبية عناصره من عناصرالقاعدة التي تربت على فكر الإرهابيين حسن البنا وسيد قطب، والذي أستولى على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا وإعلانه دولة "الخلافة" فيها لفترة قبل القضاء عليه، لكن كيف بدأت رحلة بن لادن مع الإرهاب منذ طفولته؟، إذ ولد عام 1951 في عائلة مصرية ميسورة، وقد حصل على شهادة في الطب من جامعة القاهرة عام 1974 وعمل طبيب عيون قبل أن ينضم إلى تنظيم "الجهاد" الإرهابي التي أصبح زعيماً له فيما بعد وأمضى ثلاث سنوات في السجن بتهمة المشاركة في اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 بعد إدانته بحيازة أسلحة غير مرخصة، وكان محرضاً على العديد من العمليات الإرهابية في مصر خلال التسعينات وعمليات التفجيرضد أقسام الشرطة والمنشاًت المهمة ومحاولات الاغتيال ومنها تفجير موكب الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء في شارع الخليفة المأمون ما أدى لاستشهاد الطفلة شيماء أثناء جلوسها في الفصل بمدرسة المقريزي، وحادث الأقصر 1997، وسافر طبيب العيون الذي شارك في تأسيس جماعة الجهاد في مصر إلى أفغانستان، إذ انضم إلى بن لادن، وكونا تنظيم القاعدة الذي نفذ العديد من العمليات الإرهابية في دول كثيرة وأصبح قائداً للتنظيم في أعقاب مقتل بن لادن على أيدي قوات أمريكية عام 2011.
ذاق الظواهري طعم الدماء والخيانة والدمار منذ طفولته على يد تنظيم الإخوان الذي وصف مؤسسه حسن البنا عناصره بأنهم «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، إذ كانت هذه العبارة عنوان البيان الذي أصدره الإرهابي البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية وأطلق عليه "هذا بيان للناس"، ونُشر في صدر الصحيفة التي تتحدث بإسم الجماعة وعدد من المطبوعات الأخرى في 11 ينايرعام 1949، ليتبرأ ويتنصل فيه من اغتيال أحد عناصرالنظام الخاص «التنظيم العسكرى السرى» ويدعي عبد المجيد أحمد حسن، رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا، وذلك في 28 ديسمبر 1948 رداً على إصداره قراراً بحل الجماعة واعتبارها محظورة، لكن هذه البيان كان بمثابة جرس إنذارمن البنا نفسه بأنه فقد السيطرة عليها على الرغم من أنه أسسها عام 1928 ومؤكداً أنها صارت أكثر توحشاً وشراسة وعنف ولا يمكن إيقاف عملياتها الدموية من قبل المرشد أوغيره، وأن قائد النظام الخاص الإرهابي عبدالرحمن السندي الملقب بـ « أمير الدم » داخل الجماعة، صارالمتحكم في مصيرها ومستقبلها، نتيجة حدوث خلافات خطيرة بينهما وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بالعمالة والتكذيب وتكفيركلا منهما للاَخر، ولذا قرر البنا التخلص من السندى بعد أن تمرد الأخيرعليه، وقررعزله من قيادة النظام الخاص وتعيين سيد فايز بدلاً منه، عقب تنفيذ عمليتي اغتيال «النقراشى باشا»، وتفجير محكمة استئناف القاهرة فى يناير 1949، ولذا لم يكن مستغرباً أن يغتال السندي وأتباعه البنا نفسه عام 1949 كما قتلوا زميلهم في النظام الخاص سيد فايزلتدخل الجماعة في نفق مظلم من الصراعات وتنفيذ عدد من عمليات الاغتيال الأكثر دموية في تاريخ مصر.
واصل الإخوان جهودهم لضم المزيد من العناصر الإرهابية، وجاء حادث ميدان المنشية بالإسكندرية بمثابة تحول خطير في فكر الجماعة الإرهابية التي لم يعد أمامها خطوط حمراء لتنفيذ عمليات الاغتيال فأطلق أحد عناصرها النار على رئيس مجلس الوزراء آنذاك جمال عبد الناصر، يوم 26 أكتوبر 1954 أثناء إلقاء خطاب أمام حشد من المواطنين، إذ تم القبض على المتهمين وإعدام عدد منهم عقب المحاكمة، وتمرشهرأغسطس الجاري الذكرى الـ 57 لإعدام الإخوانى التكفيري سيد قطب، فى القضية المعروفة إعلاميا بـ"تنظيم 1965 السرى"، والذي اتهم فيها بالتخطيط للإنقلاب على نظام حكم الرئيس جمال عبدالناصروإغتياله، وعدد من كبارالمسئولين في الدولة، فضلاًعن التخطيط لنسف القناطر الخيرية وبعض الجسور ومحطات الكهرباء والمياه لخلق فوضى تؤدى لوصول الإخوان إلى السلطة، ولقب التكفيري"سيد قطب" وقتها بـ"مفتى الموت" إذ كان يمثل الأب الروحي لأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، فهو بمثابة أكثر الشخصيات تأثيراَ في الحركات الإرهابية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث حُكم على "قطب" بالإعدام مع 7 آخرين، وتم تنفيذه بعد أسبوع واحد فقط في 29 أغسطس 1966.
لكن كيف بدأت رحلة الظواهري مع الإرهاب من حي المعادى بالقاهرة حتى مقتله في العاصمة الأفغانية كابول؟ كان من الطبيعى بعد عودة جماعة الإخوان للعمل العام في عهد الرئيس الراحل أنورالسادات، أن تتحول إلى مفرخة للتنظيمات الدموية لنشرفكرها التكفيري ولذا حرصت على ضم العديد من العناصر الشابة، من بين هذه التنظيمات ولد تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد، وكان الإرهابي أيمن الظواهري أحد أعضاء تنظيم الإخوان في سن مبكرة، وهو لا يزال في المدرسة، وقد اعتقل وعمره 15 عاماً بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المحظورة، إذ نهل من فكرالبنا وسيد قطب التكفيري وتحول إلى اَلة قتل وتولى الظواهري قيادة «حركة الجهاد»، فيما بعد وكان شخصية رئيسية وراء سلسلة من الهجمات التي شنتها الجماعة على وزراء في الحكومة المصرية، كما كان الظواهري ضالعاً في محاولة لإقامة «دولة إسلامية» في مصر رغم سفره إلى الخارج خلال التسعينيات، وزعامته تنظيم القاعدة، وجاء مقتل الظواهري ليؤكد انتهاء دوره، لكن خلافته تعني دخول القاعدة في نفق مظلم نتيجة عدم وجود قيادات معروفة لخلافته فضلاً عن تضاؤل فرص التمويل منذ اغتيال بن لادن وتشكيل تنظيم داعش الذي حظي برعاية أمريكية فترة طويلة في عهد أوباما وهيلاري كلينتون، ما يعني أن الفترة المقبلة قد تشهد تراجعاً للتنظيم رغم وجود عناصرة في غالبية دول العالم باًسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا، وتصدر اسم الرجل الثاني في تنظيم القاعدة محمد صلاح الدين زيدان المُلقب بـ"سيف العدل" قائمة مرشحي خلافة الظواهري، ومن المحتمل أن يكون موجوداً في إيران، وكان يعمل ضابطاً في القوّات الخاصّة المصرية وانضمّ في الثمانينيات إلى جماعة "الجهاد المصرية" وألقي القبض عليه في مايو 1987 في قضية "إعادة إحياء تنظيم الجهاد" لمحاولة قلب نظام الحكم في مصر، وفي عام 1989 هرب إلى السودان ومنها إلى أفغانستان ليقرّر الانضمام إلى تنظيم القاعدة .
وأقول لكم، إن العالم لا يعترف إلا بالأقوياء ولذا خاضت مصر مئات الحروب منذ فجرالتاريخ ضد أقوى جيوش العالم لكنها لم ترفع راية الاستسلام أوتنهزم، ظلت شامخة ماضية في طريقها نحو البناء والتعميرمنذ العصرالفرعوني حتى الاَن، فيما اختفت الكثير من الإمبراطوريات والدول العظمى، راهن كثيرون على سقوطها أمام حروب الإرهاب لكنهم خسروا وظل شعبها رافع الهامة ينعم بالاستقراروالأمان بفضل قواته المسلحة التي تصون الأرض والعرض وتشارك في بناء الوطن، ولذا لم يكن غريباً أن تعبرمصر كل التحديات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة وانتصرت في حربها ضد أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم بقيادة الإخوان وأذرعته المسلحة خصوصاً القاعدة بزعامة الظواهري وداعش، وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية ليظن الكارهين ومروجي الشائعات أنها ستهدد الدولة ومقدراتها ومستقبلها لكن هؤلاء لا يقدرون الشعب الحرالذي اعتاد أن يعبرالتهديات ويرفع راية النصر، وفي ظل إدعاءات المشككين، أصدر صندوق النقد الدولي تقريراَ توقع فيه تحقيق مصررابع أعلى معدل نمو ضمن الاقتصادات العالمية في عام 2023 ، لتحصل على شهادة نجاح من أكبر مؤسسة مالية عالمية بعد أن استطاعت تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الذي تحمل المواطن تبعاته من أجل المستقبل، وهو ما مكن الحكومة من التعامل مع الأزمات العالمية التي بدأت بجائحة كورونا عبوراَ بالحرب الروسية الأوكرانية وصولاً إلى المواجهة الدائرة حالياً بين الصين وأمريكا والتي تهدد باندلاع حرب عالمية.

أحمد الشامي
Aalshamy6610@yahoo.com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف