احمد الشامى
أقول لكم حرب «الرقائق الإلكترونية».. هل تدخل مصر المعركة؟
حرب «الرقائق الإلكترونية».. هل تدخل مصر المعركة؟
اشتعلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وزادت حدتها بعد زيارة نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان قبل أيام، إذ باتت تهدد بصراع خطير بعد أن امتدت إلى التكنولوجيا وبالتحديد «الرقائق الإلكترونية» أوأشباه الموصلات، التي تعتمد غالبية الشركات الصينية على استيرادها من الخارج رغم إنفاقها مئات مليارات الدولارات سنوياً على إنتاجها، إذ قررت واشنطن أن تحد من طموحات بكين الصناعية بوقف توريد هذه الرقائق إلى الكثير من مؤسساتها العملاقة، ولذا فرضت قيوداً على تصدير المنتجات التكنولوجية إلى أكبر شركة صينية وأدرجت ما يزيد على 275 شركة صينية على القائمة السوداء لاستيراد هذه الرقائق، فيما يتوقع أن تستورد بكين رقائق بقيمة 300 مليار دولار العام الجاري على الرغم من الاستثمارات الضخمة التي تنفقها لتصنيع رقائق أشباه الموصلات، فيما احتفى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل ساعات في البيت الأبيض في حضور بيلوسي رئيس مجلس النواب وعدد من رجال الأعمال بتوقيع قانون "الرقائق الإلكترونية ـ أشباه الموصلات"، وقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي بتويتر: "اليوم، أوقع على قانون " CHIPS and Science Act "، الذي يتكرر مرة واحدة في الجيل للاستثمار في صنع الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) ما سيوفر فرص عمل أكثر أماناً ومستقبلاً أقوى لأمتنا.. أمريكا تتقدم"، وأعلن البيت الأبيض أنه سيتم تخصيص ما يزيد على 50 مليار دولار للاستثمارات الذكية في إنتاجها من خلال إنتاج المزيد من الصناعات حتى يتمكن الأمريكيون من التنافس في المستقبل والفوز به".
السؤال الاًن ما هي الرقائق الإلكترونية وما الصناعات التي تدخل فيها؟ تُعرف الرقاقة (Wafer) بأنها شريحة رقيقة من مادة نصف موصلة مثل بلورة من السيليكون وتحتاج إلى مصانع عملاقة وغرفاً خالية من الغباروآلات بملايين الدولارات وقصدير مصهور وليزر، وذلك بهدف تحويل رقاقات السيليكون المستخرج من الرمال خصوصاً البيضاء إلى شبكة من مليارات المفاتيح الصغيرة، تسمى "الترانزستورات" التي تشكل أساس الدائرة التي تستخدم في تصنيع الهواتف النقالة أوأجهزة الكمبيوتر أوالسيارات وغالبية الأجزة الكهربائية والأقمار الاصطناعية والكثير من الصناعات الحديثة لإعطا ئها قدرات عالية على العمل، ويسيطرعدد من الشركات الكبرى خصوصاً في أمريكيا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على صناعة الرقائق حول العالم، كما تنتج الصين كميات كبيرة منها لكنها لا تكفي صناعاتها الضخمة رغم انفاقها 300 مليار سنوياً على استيراد هذه الرقائق ومثلها في التصنيع محلياً، ولذا تلجأ إلى الشركات الأمريكية التي أعلنت الحرب الإلكترونية عليها لوقف إنتاج مصانعها خصوصاً السيارات والهواتف النقالة والكثير من الأجهزة الكهربائية، لأن الشركات الأمريكية تنتج كميات كبيرة من هذه الرقائق التي يستخدم بعضها للعمل مثل خلية شمسية أوخلية ضوئية وتحويل ضوء الشمس إلى تيار كهربائي، وقد بدأت حرب الرقائق الإلكترونية قبل عامين مع انتشار جائحة كورونا ما أدى لنقص المعروض منها وإغلاق الكثير من المصانع خصوصاً في الصين في الوقت الذي أعلنت فيه شركات أمريكية وقف تصديرها إلى شركات كبرى صينية، ولذا قررت الاستثمار في رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتصميم البرامج، ومع صدور قرارأمريكي بمنع تصدير الرقائق لعملاق تصنيع الهواتف النقالة في العالم وهي شركة هواوي الصينية رغم استيراد بكين بما يقدر 184 مليار دولار في السبعة أشهر الأولى من العام الحالي زادت المشكلة تعقيداً في الصين وتوقفت الكثير من مصانعها خلال الفترة الأخيرة بسبب نقص الرقائق.
ولكن هل تدخل مصرمعركة صناعة أشباه الموصلات المستخدمة في صناعة الرقائق في الوقت الذي تسعى فيه القيادة السياسية إلى توطين الصناعة خصوصاً التكنولوجية؟ أرى أن دخول مصر حرب تصنيع الرقائق من الممكن أن يقودها إلى أن تكون من أكبر الاقتصادات في العالم خلال خمس سنوات فقط إذا ركزت كل جهودها في توطين هذا التكنولوجيا التي تعتبر بحق الطريق نحو التنمية في المستقبل، خصوصاً أن مصر دخلت هذا المجال على استحياء بعد أن أعلن معهد بحوث الإلكترونيات في مصر، أخيراًعن إنشاء مشروع على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع، لتصنيع المكونات والرقائق الإلكترونية الدقيقة المصممة محلياً وعالمياً وسيتم تنفيذ المشروع على ثلاثة مراحل، بالتعاون مع مركز نظم المعلومات، التابع للهيئة القومية للإنتاج الحربي، وتحالف دولي من 9 شركات أجنبية ومحلية تلبية لدعوات الاهتمام بالبحث العلمي وتوطين التكنولوجيا بما يتماشى مع خطط التنمية في مصر، لكن المطلوب دعم مثل هذه الصناعات المهمة من خلال شراكات عالمية مع أمريكا والصين وماليزيا وكوريا وتايوان بهدف خلق فرص تنمية للاقتصاد المصري قد تكون طريقاً سريعاً للتنمية في حال دخلت مصر بكل إمكاناتها فيها.
وهنا أود أن أوضح أن الرمال البيضاء تعد أهم الأنواع التى تستخدم في هذه الصناعة، إذ تحتوي على حبيبات السيليكا التي تستخدم فى العديد من الصناعات المهمة، ومنها الزجاج والحراريات والسيراميك والخزف والرقائق الإلكترونية، ومن حسن الطالع أن مصر تحتوي على مساحات واسعة من الرمال البيضاء بجودة عالية بعضها في خليج السويس وساحل البحر الأحمر وجنوب سيناء وقنا، وجنوب سيناء والصحراء الشرقية والغربية وتقدر تلك المساحات بمليون كيلومترمربع، يحتوي على 94% منها على ثروات هائلة، منها الذهب والفوسفات والمنجنيز والسليكون، وقد تحولت العديد من مواقع الرمال البيضاء إلى مزارات سياحية فى سيناء والواحات بالصحراء الغربية، رغم أنها المادة الخام لعنصر السليكون عصب التطور التكنولوجي العالمي، وهو الخام الرئيسي فى صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية التي تعتبر طفرة الصناعات التكنولوجية الهائلة التي انتقلت بالعالم إلى القرن الحادي والعشرين، ويشهد العالم حرباً الاًن بسببها قد تزيد من اًلامه وتسهم في سكب الزيت على النار في الأزمة الدائرة بين الصين وأمريكا وتشعل الحرب العالمية الرابعة في تايوان، بعد أن اندلعت الثالثة في روسيا وأوكرانيا، والرمال البيضاء المصرية الأفضل في العالم إذ تصل نسبة نقاء وجودة الخام المصري إلى 99.79%، وتصدر مصر الطن الخام من الرمال البيضاء بقيمة 40 دولاراً، بينما يصل سعر بعض منتجاته إلى 100 ألف دولار خصوصاً عندما يستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعة أجهزة الكمبيوتر والموبايل ولوحات التحكم الإلكترونية أي 2500 ضعف سعر تصديره كخام من مصر، والغريب أن غالبية الدول التي تستورد من مصر تعيد إنتاج تصدير منتجاتها إلينا بأضعاف سعر الخام، ويبلغ احتياطي مصر من الرمال البيضاء نحو 20 مليار طن، وكانت الحكومة أصدرت قراراً عام 2016 بمنع تصدير الرمال البيضاء باعتبارها ثروة قومية بناء على توصيات مجلس علماء مصر الاستشارى التابع لرئاسة الجمهورية، والاًن هل تبدأ رحلة مصر مع تصنيع الرقائق الإلكترونية لتشارك في قيادة اقتصاد العالم؟
تمتلك مصرمقومات كثيرة للتنمية وحان الوقت لاستخدام كل مقدرات الدولة في التنمية، وأرى أن قناة السويس تعتبر هرم مصر الاقتصادي الذي شارك في قيادة قاطرة التنمية في مصر منذ الانتهاء من حفرها في عام 1869 بعد عشر سنوات من الكفاح والعمل والأمل حتى الاًن، ذاق مليون عامل مصري مرارة الجوع والعطش وانتشار الأوبئة والمرض ما أدى لاستشهاد 120 ألفاً من أجدادنا، لم يطلب واحداً منهم مقابل مالي أو معنوي لأنهم كانوا يعلمون أنهم يضحون بحياتهم من أجل أبنائهم وأحفادهم ورفع راية وطنهم الذي كان قوياً عفياً قادرعلى صنع المعجزات يقود الأمم في ذلك الوقت، سعت دول عظمي لاحتلال مصر بعد افتتاح القناة من أجل إخضاع هذا الممر المائي لسيطرتها لكن سرعان ما كانت القناة تعود لحضن الوطن أبية شاهدة على صمود أبناء المحروسة في وجه المعتدين والكارهين، وقبل سبع سنوات إتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسي، القرار التاريخي بتوسعة الممر المائي وتعميقه عن طريق حفرقناة جديدة ليصبح الممر مزدوجاً وبالفعل دخلت الخدمة في 6 أغسطس 2015 ما زاد من عدد السفن المارة وتالياً العائد المالي ما دعم الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية وجعله أكثر صلابة وقدرة على تحمل الصدمات خصوصاً جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية إذ باتت القناة قاطرة التنمية في الجمهورية الجديدة الساعية إلى توفير حياة كريمة للمواطنين. .
يوم السادس من أغسطس الجاري، احتفلت مصر بالذكرى السابعة لافتتاح قناة السويس الجديدة، لتشهد حركة الملاحة بالقناة في اليوم نفسه أعلى معدل مرور للسفن في تاريخها بعبور89 سفينة من الاتجاهين دون انتظار، بحمولات صافية قدرها 5.2 مليون طن، من بينها أكبرسفينة حاويات عملاقة في العالم بحمولة كلية 202 ألف طن، في رحلتها القادمة من المملكة المتحدة والمتجهة إلى سنغافورة، وهذا دليل على أن مشروعات تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس ناجحة وتسير في الاتجاه الصحيح وأحدثها تطويرالقطاع الجنوبي للقناة والذي يسيربخطى سريعة وفق الجدول الزمني المحدد، وأسهم عائدها فى تجاوز أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، إذ حققت قناة السويس أعلى إيرادات في تاريخها خلال العام المالي الماضي 2021-2022، بقيمة 7 مليارات دولار مقابل 5.8 مليار دولار في العام المالي السابق بزيادة قدرها 20.7 %، ما يؤكد أن قرارإنشاء قناة السويس الجديدة وتوسعة وتعميق المنطقة الجنوبية منها بداية من الكيلو 132 وحتى الكيلو 162 والذي يتم حالياً بإمكانات الهيئة سيجعل القناة من أهم مصادر الدخل للاقتصاد المصري خلال السنوات المقبلة في وقت تحتاج فيه مصر إلى استكمال مسيرة التنمية وبناء الجمهورية الجديدة.
إنشاء قناة السويس يعتبرملحمة وطنية لشعب إختار الطريق الصعب ولذا ضحى بالكثير من أجل أن يتحول ماكيت هذا الممر المائي الاصطناعي بطول 193.3 كيلو إلى حقيقة مهما كانت التضحيات ليربط بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمروقارات أفريقيا وأوروبا وآسيا، ويسجل التاريخ أن فكرة إنشاء القناة انطلقت عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر، إذ كان نابليون أول من فكر في شق القناة،لكن فرديناند ديليسبس درس المشروع وأقنع محمد سعيد باشا بتنفيذه بعد أن حصل على موافقة الباب العالي، فمنح الشركة الفرنسية برئاسة ديليسبس امتياز حفر وتشغيل القناة لمدة 99 عاماً، واستغرق إنشاء القناة 10 سنوات بعد أن أنطلق العمل في المشروع عام 1859 وانتهي 1869، وشارك فيه مليون عامل مصري واستشهد منهم أكثر من 120 ألفاً أثناء الحفر نتيجة الجوع والعطش والمرض والمعاملة السيئة، وتم افتتاح القناة في 17 نوفمبرعام 1869 في حفل أسطوري بحضور 6 آلاف مدعو فى مقدمتهم الإمبراطورة أوجينى زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، وشقيق ملك هولندا، وسفير بريطانيا العظمى فى الآستانة، والأمير توفيق ولى عهد مصر، وكانت القناة على موعد مع ملحمة جديدة من النضال الوطني في يوليو 1956 إذ سجل التاريخ مجدداً قصة جديدة لصمود الشعب عندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم القناة، وتسببت حرب 1967 في إغلاقها أكثر من 8 سنوات، حتى أعاد الرئيس السادات افتتاحها في يونيو 1975 لتبدأ مشروعات توسعة القناة وتحتفل مصر في 6 أغسطس2015 بافتتاح قناة السويس الجديدة، والغريب أن أعداء الوطن لايزالون يشككون في أهمية قناة السويس الجديدة، ولو تعاملنا بهذا المنطق لما حفرنا قناة السويس الأصلية وأستشهد من أجدادنا 120 ألفاً ولما كانت مصر تمتلك أهم ممر مائي في العالم حالياً يعود على أبنائها بالخير والتنمية.
وأقول لكم، إن توطين الصناعات التكنولوجية خصوصاً الحديث منها مثل الرقائق الإلكترونية بالتزامن مع إنشاء المشروعات القومية مثل قناة السويس الجديدة يفتح الطريق لمصر لزيادة دخلها فضلاً عن إقامة مناطق استثماروتالياً تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني، إذ من المتوقع ارتفاع العائد بنسبة 259% عام 2025 ليصل إلى 13.226 مليار دولار ما يتيح تحويل محورالقناة إلى مركز صناعي ولوجستي عالمي لإمداد وتموين النقل والتجارة وتطوير نحو ستة موانئ من خلال مشروع تنمية محور القناة الذي تسعى مصر لتنفيذه بالتعاون مع الشركات الوطنية والاستثمارية الخارجية، ويظهرمشروع حفر قناة السويس الجديدة ملحمة بكل المقاييس إذ بدأ التفكير في التنفيذ خلال عهد الرئيس السادات لكن لم يدخل حيز التنفيذ، وسعى الإخوان في 2012 لإحيائه لكنهم فشلوا كالعادة، وأظهر بدء تحول المشروع إلى حقيقة عبقرية الشعب المصري الذي مول الهيئة من خلال شراء سندات ذات فائدة فى سوق الأسهم المالية بـ 8.4 مليار دولار أمريكى فى غضون 8 أيام نتيجة الثقة في الاقتصاد الوطنى، ومنذ افتتاح المشروع بدأت هيئة القناة في توفير الفرص الاستثمارية للشركات المحلية والأجنبية، ما أسهم في توفير فرص عمل للشباب وزيادة دخل القناة لتواجه مصر تحديات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وتمضي إلى المستقبل بخطى ثابته تحت ظل جمهورية جديدة توفر حياة كريمة للمواطنين من خلال برامج المساعدات للأسر الأكثرإحتياجاً.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yahoo.com