المصرى اليوم
أمينة خيرى
الطبطبة على الدروس الخصوصية
أسباب كثيرة أدت إلى تردى التعليم المدرسى. وتردى التعليم لم يحدث بمنأى أو معزل عن تردى بقية أوجه الحياة. وهو تردى تاريخى، بمعنى أن الحياة حين تسوء، لا تسوء فجأة. فلا نستيقظ من يومنا ذات صباح لنفاجأ بإن الشوارع أصبحت مزدحمة والقمامة فى كل مكان والأسعار ملتهبة والأصوات صاخبة والهواء ملوث. هذه أمور تستغرق سنوات وربما عقودا. هى أشبه بعمليات النحر. وأخطر ما فيها اعتياد الناس عليها لتتحول إلى أسلوب حياة.
وما جرى فى مصر فى منظومة التعليم المدرسى يمكن كتابة أطروحات ومراجع فيه. وأكبر ضرر لحق به هو تحول الدروس الخصوصية من حالات فردية، يخجل الضالعون فيها من إشهارها، إلى منظومة قائمة بذاتها نافست منظومة المدرسة وقضت عليها- أو كادت- تماما.

وقد حدث هذا على مدار ما يزيد على أربعة عقود من التدهور المستمر. سنوات طويلة فى الثمانينيات والتسعينيات ونحن نسمع أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى تحارب الدروس الخصوصية. «مافيا» «فيروس» «عصابات» الدروس الخصوصية عبارات ترددت على مسامعنا كثيرا. كانت المسألة كرا وفرا. المدرس ينكر. والأهل يتفقون سرا. والطالب لا يخبر زملاءه لأنها فضيحة.

وتطورت عملية النحر لتصبح منظومة الدروس الخصوصية قائمة بذاتها ومجاهرة بأنشطتها ومبالغة فى تسعيرتها ومستبدلة المدرسة لدرجة أن الحضور والغياب باتا أمرين هامشيين.

فى رأيى أخطر ثلاثة آثار لهذا الفيروس هى: تبدد منظومة التربية لأن الدرس الخصوصى لا يربى، إن افترضنا جدلا أنه يعلم، فالعلم يختلف عن حشو المعلومة ليتم سكبها على ورقة الامتحان. والثانى هو أن المدرس لم يعد قدوة، وكيف تكون قدوتى من لا يشرح فى الفصل القانونى حتى يوفر جهده للدرس الخصوصى غير القانونى؟!، ودعك من حجة البليد حيث حتمية أن ينمى المدرس دخله لينفق على أسرته، لأن هذه الحجة لو تم تعميمها فإنها تعنى أن ينتقل موظف الحكومة بمكتبه ليجلس على باب المصلحة ينهى تعاملات المواطنين عبر «تعاملات خصوصية» بدلا من المصلحة، ويكنس عامل النظافة الشارع لمن يدفع فقط، ويعالج طبيب المستشفى العام المرضى فى كشك خارج المستشفى بأجر إضافى يستقر فى جيبه.

وللعلم، هذا لا يعنى عدم تضامنى مع المدرس المتضرر من تدنى راتبه، لكنه يعنى تضررى من فتح باب «المنظومات الموازية» من باب أن أكل العيش يحب الخفية.

والأثر الثالث هو ضياع هيبة الدولة التى تغض الطرف عن هذه المراكز أو الظاهرة. وعدم غض الطرف لا يعنى تحصيل الضرائب فقط، بل يعنى عدم وجود أنشطة أو كيانات غير قانونية، ووجودها من شأنه أن يلغى قاعدة المساواة.

غاية القول إن تقنين الدروس الخصوصية لو تم سيلحق المزيد من الضرر للتعليم ويقضى على ما تبقى من تربية. والحل يكمن فى علاج الجذور وليس تنمية الأفرع الفاسدة وعلاجها. هذا أشبه بمن يطبطب على الفيروس ويخطب وده.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف