المصرى اليوم
نيافة الأنبا موسى
مصادر المشاكل الأسرية.. المظهرية (4)
ذكرنا فى الأعداد الماضية أن من مصادر المشاكل الأسرية مصادر شخصية، وتحدثنا منها عن:
1- غياب الله من الحياة

2- اختلاف المشارب

3- الشك

4- عدم التوافق الزوجى

5- الغيرة

6- العناد.. ونكمل موضوعنا..

7- المظهريــة:

وما أتفه شخصية إنسان المظاهر!.. لسبب بسيط أنه لا يحيا أعماق الحياة، بل سطحيتها التافهة. وما أكثر المتاعب التى تنشأ بسبب المظهرية!، لأنها مكلفة ومثيرة للخلاف بين الشريكين أو بين الوالدين والأولاد.

اقرأ المزيد..

المظهرية تتضح من البدايات الأولى لمشروع الزواج، وتجد لها مجالات متعددة مثل:

1- النظرة المادية للمتقدم للزواج: ما نوع وظيفته؟ أين سكنه؟ وما مستوى عائلته؟ هل لديه سيارة؟! وهل يناسب مستوانا الاجتماعى حتى لا نخجل من تقديمه لأسرتنا؟ وهل مظهره نفخر به أمام الناس؟ وهل شكله تفخر به الخطيبة أمام صديقاتها؟

ومع أهمية هذه النقاط بصورة عامة، إلا أن البعد العميق فى الإنسان: الثراء الباطنى، والجمال الداخلى، والمستوى النامى للشخصية.. هى أمور أهم فعلًا، لذلك ينبغى ألا نقف طويلًا أمام المظاهر، بل نفتش عن جوهر الإنسان واتجاهات حياته وسمات شخصيته وحضوره الهادئ المقدس الرزين، وملامح اهتماماته الأساسية فى الحياة.. إلخ.

2- الشبّكة: وهى عائق مهم فى حياة الشباب هذه الأيام، إذ يمكن استبدال شىء نافع فى الحياة الأسرية بها: كالثلاجة أو الغسالة أو خلافه. ومع أن والد الخطيبة يهتم بأن تكون الشبكة مرتفعة الثمن لكى (تربط) الخطيب، فلا يتخذ من الخطوبة فرصة عبث وتسلية دون التزام بالزواج، ففى الغالب تكون اهتمامات والدة الخطيبة أن تتساوى قيمة الشبكة مع نظرتها لإبنتها فى المجتمع، خصوصًا الأصدقاء والأقارب، مقارنة إياها بالشبكة التى قدمها آخر لخطيبة أخرى قريبة أو صديقة.

لذلك، فكم نتمنى اتساع الأفق الروحى فى هذا الموضوع. وبالفعل لو جاءت الشبكة فى صورة شىء نافع، ويُكتب فى المحضر قيمته مثلًا لكان هذا أجدى، إذ يرد هذا المبلغ للطرف المرفوض مثلما يفعل بالشبكة تمامًا.

3- هدايا الخطوبة: وهى عبء جديد على الخطيب هذه الأيام، فهم يهتمون بالهدايا لا من أجل بيت المستقبل، لكن من أجل التفاخر بها أمام الصديق والقريب. والمعروف أن فترة الخطوبة تطول قهرًا حاليًا، وهكذا تتجمع أثمان الهدايا لتشكل عبئًا كبيرًا على الخطيب، خصوصًا إذا كانت أسرة خطيبته تهتم بالمناسبات الاجتماعية: كأعياد الميلاد والزواج بصورة مكلفة لم تعد لائقة بظروف العصر. فالخطيب يجب أن يحضرها مع خطيبته، ومعهما هدية قيّمة تناسب «مستوى» الخطيبين.. أمور.. كم نتمنى أن تزول من مجتمعنا المكافح، أو تنحصر فى شىء رمزى غير مكلف.

4- تأثيث البيت: هذا شىء مؤلم أيضًا حاليًا أمام نظرة الكبار، فهم يريدون من أبنائهم أن يؤسسوا بيوتًا فارهة فخمة، إذ يجب أن يكون «الصالون» على المستوى الفلانى، و(الأنتريه) ومائدة الطعام وكراسيها من النمط المكلف الثقيل غير العملى.. وهكذا من الطلبات التى لا تنتهى ولا تكسب سعادة فى حياة الأسرة.

إنها أمور مظهرية لم تعد تناسب العصر ولا المرأة العاملة، ومازلنا نكرر حاجتنا إلى أثاث متين، بسيط، خفيف، سهل التحريك، قليل العدد، تكلفة مناسبة، مع مفروشات عملية غير مكلفة.

رأيت فى منزل صديق صورة لأبنائه على الحائط وأعجبت بها. ولما جاء وقت الأكل، اكتشفت أنها مائدة الطعام جلسنا حولها، ثم عادت إلى موقعها على الحائط. تكلفة بسيطة، وتوفير مساحة، وسهولة تنظيف، ومنظر جميل، وتفكير عملى.

لكن.. المؤسف أن حديثى الزواج لا يوافقون على ذلك، دائمًا يفعلون ذلك بعد أن تستقر الحياة ولا يعودون يهتمون بنظرة الناس ويكتسبون النظرة الواقعية للأمور.

5- مساحة الشقة: وهى أكبر مشكلة فى الزواج الآن، والسبب أيضًا: المظهرية. وكم من شباب زرتهم فى أماكن إقامتهم كحديثى زواج، فوجدت الشقة صغيرة من حجرتين ومكان استقبال بسيط.. بل وجدت الأثاث من صنع أيديهم، بسيط، وجميل، ومتين، ورخيص.

ولكن الكبار عمومًا يرفضون هذا التفكير، ويصرون على أن يضمنوا لابنتهم شقة من ثلاث حجرات متسعة على الأقل، شقة العمر. مع أن الشىء المناسب الآن للسواد الأعظم من الشباب هى الشقة الصغيرة التى تتسع لهم أكثر من عشر سنوات، يمكنهم بعدها التحرك إلى شقة أوسع من ثلاث حجرات، ويتركون هذا لعروسين جديدين.

6- عين لا تشبع: نعم، فحين ترى الزوجة شيئًا لدى صديقتها، سرعان ما تطالب به زوجها: ملابس من نوع أو مستوى معين، وأثاث حديث، أدوات مطبخ كهربائية حديثة، أجهزة كهربائية كالفيديو والتكييف، والسجاد.. إلخ، وهذا بالقطع شىء مفيد ومريح، ويمكن أن يُقتنى، ولكن فى الوقت المناسب، وبقدر ما تسمح الميزانية، المهم أن تكون أشياء مفيدة ونافعة، أما الأشياء المظهرية التافهة فيمكن رفضها، فالمال ليس ملكنا تمامًا، بل نحن وكلاء عليه، نصرفه بالقدر المفيد البنّاء.

إن القلب الشبعان بالرب لا يجوع إلى المظاهر الكاذبة، ويشيع جوًا من السعادة الكاملة فى الأسرة، فيبدو الكوخ قصرًا، وعش الزوجية البسيط سماء ثانية!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف