المصرى اليوم
سليمان جودة
عاشوا فى أصيلة
كلما ذهبت إلى منتدى أصيلة الثقافى الدولى، فى المغرب، تذكرت وزير الخارجية السابق أحمد ماهر، وطافت صورته فى المنتدى أمامى!.
فلقد كان الرجل يزور أصيلة ليشهد منتداها فى كل سنة، وكان يواصل الحضور إليها ولا يغيب عنها، ولكنه كان يفضل الإقامة فيها ولا يبدلها، ولم يكن يفكر فى أن يقيم فى طنجة القريبة منها على شاطئ المحيط الأطلنطى.. كان يفعل ذلك ويتمسك به، رغم أن غالبية ضيوف المنتدى كانوا يفضلون طنجة، المدينة الكبيرة الصاخبة، على أصيلة المدينة الصغيرة الهادئة!.
ويبدو أن عمله سفيرًا لنا فى واشنطن لسنوات قد جعله يعتاد هدوءها، ثم يفتقده ويبحث عنه فى كل مكان آخر.. وقد وجده فى أصيلة بامتياز، ومن بعدها عاش يحرص عليه حتى اللحظة الأخيرة.. أو ربما كان قد ضج من صخب السياسة بأمريكا، فجاء يفتش عن هدوء الطبيعة فى أصيلة!.

ولا أزور المدينة لحضور شىء من منتداها، إلا وأتوجه إلى مركز الحسن الثانى للمؤتمرات، حيث تقام ندوات المنتدى، ثم أركز بصرى على مقعد بعينه فى جانب من قاعة الندوات.. هذا المقعد كان الوزير محمد بن عيسى، أمين عام المنتدى، قد أشار لى إليه ذات يوم ثم قال: هنا كان يجلس الطيب صالح كلما جاء، ولم يكن يغير مقعده فى كل مرة يجىء فيها إلى المدينة!.

أركز بصرى على المقعد وأتذكر الطيب صالح الذى كان إذا جاء القاهرة أقام فى الميرديان على النيل فى كل مرة أيضًا، وقد عاش لا يغيره وعشت أزوره فيه على الدوام.. ولا أزال كلما مررت على الميريديان المغلق دون سبب من سنوات، أتخيلنى وأنا أزور الأديب الكبير الراحل فى كل المرات!.

ولا أزور أصيلة إلا وأذهب فى جولة داخل حديقة الدكتور محمد عابد الجابرى، مفكر المغرب الكبير، الذى لما رحل قبل أعوام كان تقدير المنتدى أن تكريمه واجب، وأنه ليس أقل من أن تحمل اسمه إحدى حدائق المدينة، لعل الصغار ينشأون وهُم على دراية بأن عقلًا عظيمًا مر على البلاد ذات يوم فقال كلمته ثم مضى!. ولا يزال الحوار الممتد الذى دار بينه وبين الدكتور حسن حنفى مثالًا نادرًا للحوار الراقى حول الأفكار الكبيرة!.

وهكذا.. أرى أصيلة موزعة بين شاطئ أحمد ماهر، ومقعد الطيب صالح، وحديقة عابد الجابرى، وأراها وهى ترى الثلاثة حاضرين على أرضها رغم الغياب!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف