المصرى اليوم
نادين عبد الله
التعليم بين وهم التغيير وتقنين الواقع
سمعنا مؤخرًا عن أفكار تقنين «سناتر» الدروس الخصوصية. وفى ذلك اعتراف بواقع مؤلم، كل الأسر المصرية تعرفه وتعيشه. فإنفاق الأسرة المصرية على الدروس الخصوصية وصل إلى حوالى ١٣٦ مليار جنيه سنويًّا عام ٢٠١٩/٢٠٢٠، وهو أمر يعنى ببساطة أن التعليم الرسمى لا يعمل؛ وأن التعليم المجانى خيال لا حقيقة.
وهنا ظهرت آراء على مواقع التواصل الاجتماعى تعترض على أى انتقادات وجهت إلى محاولات الوزارة السابقة إصلاح التعليم بشكل مبتكر وجديد. وكان فحوى هذه الانتقادات هو أن رفض هذه السياسات التطويرية جاء بنا إلى سياسات تقنين واقع التعليم غير الرسمى، وهو ما يعنى، ضمنيًّا، نسيان فكرة إصلاح التعليم الرسمى ولو لفترة.

والحقيقة هى أن المسافة شاسعة بين إصلاحات وهمية من جهة، وبين القبول بالأمر الواقع بلا تعديلات من جهة أخرى. فالمسافة كبيرة بين الإصرار على أفكار تطويرية جميلة لكن غير مناسبة للواقع من ناحية، والاكتفاء بالرضا بما هو واقع بالفعل من ناحية أخرى. أما الطامة الكبرى فهى أن الطريقتين تشتركان بامتياز فى إهدار فرص إصلاح التعليم الحقيقية لأنهما لا تقدران على علاج جذور مشكلاته العميقة.
ففى الطريقة الأولى، فقدنا أموالًا وموارد أهدرت على أولويات واهية. فموارد طائلة تم إنفاقها على تصورات إصلاحية وتطويرية لن تغير فى أحوال التعليم كثيرًا (التابلت مثالًا) لأن المشاكل الهيكلية للتعليم لم تمس أبدًا. وفى الطريقة الثانية، نفقد مرة أخرى أى فرصة لإصلاح التعليم لأن قبول الأمر الواقع حل محل الولوج إلى عمق أزمات التعليم لعلاجها.

فما نحتاجه ببساطة هو جرأة التعامل مع أزمات التعليم الجوهرية مع الإقرار أنها لن تحل دفعة واحدة؛ ولكنها تحتاج إلى خطة زمنية طويلة المدى. وأهم هذه المشكلات قلة عدد المدارس بالذات فى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل القاهرة، بما يجعل كثافة الطلاب عالية جدًّا فى الفصل، وهو أمر يؤثر على جودة العملية التعليمية بطبيعة الحال. بناء مدارس جديدة، وإعادة رونق القديمة أولوية ملحة.

هذا بالإضافة إلى ضعف أعداد المعلمين وضعف تدريبهم. فجوهر العملية التعليمية هو المعلم. إن وفرت له راتبًا كريمًا يضمن كرامته، وتدريبًا يعيد له كفاءته وهيبته تكون قد بدأت فى معالجة مشكلات التعليم الهيكلية ومنها الدروس الخصوصية. وهى كلها أمور تتطلب رؤية تنفذ إلى عمق أزمات التعليم؛ بالإضافة إلى ميزانية أكبر للتعليم تعتبر الاستثمار فى رأس المال البشرى أولوية تنموية أولى. فهل من يسمع؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف