الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم «مصافحة السيسي ـ أردوغان»: مسارات جديدة لتطويرالعلاقات الثنائية
«مصافحة السيسي ـ أردوغان»: مسارات جديدة لتطويرالعلاقات الثنائية
لم تكن المصافحة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أدروغان، على هامش افتتاح بطولة كأس العالم التي تستضيفها قطر، قبل أيام مصادفة كما يعتقد البعض، بل كانت نتيجة لمباحثات دامت سنوات بين الدولتين شاركت فيها وزارتا خارجية البلدين وأجهزة سيادية أخري، فضلاً عن سعى قطر إلى إزالة التوتر بين القاهرة وأنقرة، وهو ما مهد الطريق لفتح مسارات جديدة لتطوير العلاقات بين الدولتين، التي شابها الإضطراب بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي من الحكم عقب ثورة 30 يونيو 2013، إذ استقبلت أنقرة مئات الهاربين من الجماعة الإرهابية بعضهم صادر ضده أحكام في قضايا إغتيالات رجال شرطة ومواطنين، لكن يبدو أن تركيا إكتشفت أخيراً أن الإخوان جماعة مارقة لا يمكن أن تكون حليفاً لها وأنها خسرت كثيراً بتفديم الدعم لهم، ولذا أتوقع أن يفتح اللقاء بين الرئيسين السيسي وأردوغان صفحة جديدة في العلاقات، إذ سيعقب هذه المصافحة خطوات دبلوماسية وسياسية على مستوى كبار المسؤولين قريباً للتباحث بشكل أكثرعمقاً حول ملفات عالقة في العلاقات بين البلدين، وهو ما أكدت عليه الرئاسة المصرية التي أعلنت أن هذه المصافحة أكدت على عمق الروابط بين الجانبين، خصوصاً أنه تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطويرالعلاقات الثنائية بين الطرفين، وأرى أن هذا التطوير سيشمل مجالات عدة يأتي الاقتصاد في مقدمتها إضافة لتحسين العلاقات سياسياً وثقافياً بعد الوصول إلى صيغة إتفاق بين الدولتين في هذه الملفات العالقة، خصوصا أن الرئيس أردوغان أعتبر أن تلك المصافحة خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين، وأن تحركات أخرى ستليها.
على متن الطائرة التركية الرئاسية العائدة من الدوحة إلى أنقرة قال الرئيس أردوغان، أن طلب بلاده الوحيد من مصر هو "تغيير منهجها تجاه الوضع التركي في البحر المتوسط"، ويقصد الرئيس أردوغان من هذا الحديث تدخل مصر لدى دول شرق المتوسط لأن تكون أنقرة شريكاً في ترسيم الحدود بين دول شرق المتوسط في البحث عن الغاز، ويقيني أن مصر لن ترفض هذا الطلب إذ إنها لا تمانع في ترسيم الحدود بينها وأنقره، لكن إنهاء الخلافات بين تركيا من ناحية واليونان وقبرص من ناحية أخرى في هذا الملف لن يكون قراراً مصرياً خصوصاً أن الخلاف بين تركيا واليونان قديمة، وظني أن مصر من الممكن أن يكون لها دوراً في الوساطة بين الدول الثلاث وغيرها في الحوض لتحصل كل دولة على حقوقها كاملة، لكنها ليست مستعدة لاستبدال علاقتها بأثينا مقابل صداقة مع أنقرة، في المقابل فأن القيادة المصرية حريصة على إذابة جبال الجليد مع أنقرة لكن هذا يتوقف على تحقيق مطالب القاهرة من تركيا ويأتي في مقدمتها تسليم عناصر جماعة الإخوان الإرهابية الهاربين لديها، فضلاً عن إغلاق المنصات الإعلامية التي تستخدم لبث سمومها بين طوائف الشعب المصري، وسحب المرتزقة من ليبيا، والتوصل إلى حلول للمشكلات على الحدود بين تركيا والعراق وسوريا، ويعتبرملف إيواء أنقرة لعناصرالإخوان الهاربة الأهم على الإطلاق، فلا يعقل أن يكون من بين الهاربين في تركيا محمود حسين الذي نصب نفسه مرشداً للجماعة ورفض قرارات القائم بأعمال المرشد إبراهيم منيرالمقيم في لندن قبل أن يرحل ويحل محله الإرهابي محيي الدين الزايط الذي أعلن عن نفسه كخليفة لإبراهيم منير على رأس الإخوان.
يعتبرإقامة المئات من الإخوان غالبتهم متورطين في أعمال عنف بمصر أحد أهم الملفات التي ستبحث لتطبيع العلاقات المصرية التركية، إذ إن وجود هذا العدد الكبير من عناصر الإخوان الهاربين في مقدمتهم الإرهابي محمود حسين، فضلاً العناصر التي أعلنت عن تشكيل جبهة ثالثة أخيراً أطلقت على نفسها " التغيير" بقيادة الإرهابي محمود الجمال، وهو أحد القيادات القطبية المتشددة داخل التنظيم، ويعتبرأحد الخلايا في تنظيم محمد كمال المسلح، الذي نظم عمليات إرهابية واسعة في مصرفي أعقاب فض اعتصام رابعة في 2013، إذ أعلن " الجمال" من أنقرة أخيراً بداية موجة جديدة من إرهاب الإخوان، وأطلق على الجبهة الجديدة " الكماليون"، معتبراً أنه الجناح المسلح لتنظيم الإخوان وليس منفصلاً عنه، وهو ما يؤكد زيف الشعارات التي كان يُصدرها القائم بعمل مرشد الإخوان، إبراهيم منير، من ادعاء بأن الجماعة "لا تمارس العنف وإنما تمثل وسطية الدين وأنها لن تدخل في صراع مع السلطة، كما يأتي في مقدمة الهاربين في تركيا أيمن نور" المزور" والذي يطلق على نفسه زعيم حزب غد الثورة، والغريب أنه لا يوجد في مصر حزب بهذا الاسم، ويعتبر نور سفيرالشياطين الإخوان والمتحدث الرسمي بأسمائهم في أوروبا إذ يزعم أنه صاحب قناة الشرق التي لا تكف عن بث الشائعات والأباطيل عن مصر ومؤسسات الدولة، فضلاً عن أن أبواب البرلمان الأوروبي ومؤسسات دولية أخرى مفتوحة أمامه لتشويه مصرمدعياً أنه مرشح رئاسي سابق، دون أن يعلم الاًخرون أن شارك في الانتخابات بتوكيلات مزورة وقضى في السجن عقوبة هذه الاتهامات، إذ يستخدم هذه القناة إضافة لقنوات ومنصات إعلامية أخرى أدوات لمحاولة إسقاط الدولة المصرية، وأدى التقارب المصري التركي إلى إصابة الفئران الإخوانية بالذعر، إذ سارعت إلى تغيير أسماء الكيانات والروابط والشركات التابعة للتنظيم في تركيا خشية تعرضها للتجميد أو الإلغاء، مثل رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج، والكيان الخاص بالجالية المصرية الذي يسيطر عليه القيادي الإخواني الهارب عادل راشد ومحمد نصر الدين الغزلاني المتهم في قضية كرداسة، كما حرصوا على تغييرأسماء الجمعيات التي تحمل أسماء إخوانية مثل جمعية "رابعة" والكيانات التي كانت تندد بسقوط حكم الإخوان في مصر، فيما خاطب مسئولون تركيون قادة الإخوان لديهم قائلين " مصالحنا مع مصرأهم من تنظيم فاشل فقد مكانته بسبب الانقسامات والاختراقات"، مطالبين إياهم بعدم استخدام شعاررابعة وحل الجمعيات المناهضة للقاهرة ووقف نشر الشائعات في وسائل الإعلام الخاصة بهم.
حرص الرئيس أردوغان على الحديث عن مصافحة الرئيس السيسي، بعد عودته لأنقره بفخر وإعتزاز مشيداً بالعلاقات التاريخية بين البلدين، إذ وصفها بـ " خطوة نحو تطبيع العلاقات نريد إرساء السلام في المنطقة، كانت خطوة أولى نحو مزيد من تطبيع العلاقات بين البلدين، وتحركات أخرى ستلي تلك الخطوة الأولى من أجل المزيد من تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، أريد أن تكون الاجتماعات مع مصرعلى أعلى مستوى، إذ إن الروابط القائمة في الماضي بين الشعبين التركي والمصري مهمة جداً بالنسبة لنا، ما الذي يمنع من أن تكون كذلك مجدداً"، وأرى أن الفرصة سانحة الاًن أكثر من أي وقت مضى لبدء مرحلة جديدة من الحوار بين قادة الدولتين للوصول إلى حلول للمشكلات العالقة بين الدولتين بعد أن أطلقتا إشارات تؤسس لبدء مرحلة جديدة، وجاء هذا اللقاء بين الرئيسين بالدوحة بعد ساعات من إنتهاء مؤتمر المناخ وإعلان نجاح مصر في تنظيمه بشهادة جميع الدول والجهات المشاركة، إذ وقعت مصرإتفاقيات شراكة في قطاعات "الماء والغذاء والطاقة" لدعم تنفيذ مشروعات مناخية باستثمارات تصل إلى 15 مليار دولار، فضلاً عن توقيع مصر والسعودية مذكرة تفاهم على هامش إجتماعات قمة "كوب 27" في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، وتعهد القادة الأوروبيين بمواصلة التحرك لحماية المناخ وتعهد مجموعة التنسيق العربية بتقديم تمويل مشترك بمبلغ تراكمي يبلغ 24 مليار دولار بحلول العام 2030 للتصدي لأزمة المناخ العالمية، كما قر ممثلو الوفود المشاركة في مؤتمر المناخ "كوب 27" إنشاء صندوق لتعويض "الخسائر والأضرار" التي تتكبدها الدول النامية جراء التغير المناخي، لتعويض الدول الأكثر عرضة للخطر في العالم. علمني وطني أن تضحيات الشهداء تصون الأرض والعرض،المنتصرون يكتبون التاريخ وسحقاً للضعفاء ولا نامت أعين الجبناء، لا تطوي قصص الأبطال أبداً بل تظل شُعلات من نور تضئ لنا الطريق إلى البناء، فالمجد للشهداء وذكرياتهم العطرة لا تنساهم الجمهورية الجديدة بل تتخذ من عبقهم طريقاً إلى النصر والتنمية، ولذا وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بحصر أعداد الشهداء فى الحروب السابقة بداية من عام 1948 لضمهم إلى المستفيدين من صندوق تكريم الشهداء، لتتجلى أبهى صورالوفاء والإخلاص لمن ضحوا بأرواحهم فداء لشعب يستحق الحياة فهنيئاً للشهداء، وأرى أن هذا القراريسهم فى تخفيف الأعباء المعيشية عن أسرهم الذين صبروا ورابطوا واحتسبوا عند الله أبنائهم،إنه تقديرراق للمخلصين الذين لم يهابوا الموت وترسيخاً لقيم الوفاء لعائلاتهم، كما وجه الرئيس بصرف صندوق حافز مالي استثنائي لصالح الأسروالأفراد المستفيدة من الصندوق، فضلاً عن تعزيز الخدمات المقدمة لتشمل المزيد من المجالات الإضافية، كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، لقد خاضت مصرعلى مر التاريخ العديد من الحروب والمعارك منذ العصر الفرعوني ومروراً بالعصر الإسلامي ووصولاً لعهد الدولة المصرية الحديثة لعدة أسباب يأتي في مقدمتها الدفاع عن حضارتها وعراقتها وشعبها من الفناء بعد أن إختارت الخلود، في الوقت الذي إندثرت فيه الكثير من الإمبراطوريات التي ظهرت على الأرض، ولم يبق سوى وطننا الذي ناضل وصد هجمات الغزاة والمعتدين والكارهين.
تعد القوات المسلحة المصرية منذ نشأتها الحديثة أهم الجيوش العربية، وأظهرت تقاريرإحصائية وتحليلية لموقع «جلوبال فاير باور» المتخصص في الشؤون العسكرية، تصدُّر الجيش المصري المرتبة الأولى في ترتيب أقوى الجيوش في الشرق الأوسط من حيث القوة العسكرية، حيث حل في المرتبة 12، وتركيا في المرتبة 13، فيما جاءت إيران بالمرتبة 14، وإسرائيل في المرتبة الـ18 وفق تقرير العام الجاري 2022، وحلت قطرفي المرتبة 77، وبعدها سلطنة عمان في المرتبة 78، فيما وضعت اليمن في المرتبة 80، وجاء لبنان في المرتبة 114، وهو ما جعل القوات المسلحة المصرية تشكل الركيزة الأساسية للأمن القومي العربي، لذا فقد شاركت بالنصيب الأوفر في الدفاع عن فلسطين والقومية العربية منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948 وحتى عام 1973، إّذ خاضت خمسة حروب ضد إسرائيل في أعوام 1948 و1956 و1967، وحرب الاستنزاف من 1967 إلى 1973، التي مهدت لحرب أكتوبر السادس من أكتوبر 1973، كما شاركت القوات المصرية في حرب اليمن الأهلية 1967، وكان للقوات المسلحة المصرية مشاركة تاريخية في عاصفة الصحراء وتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في عام 1991، إذ شكل الجيش المصري ثاني أكبر قوة من قوات التحالف، ليؤكد أنه حامي عرين الأمة العربية وحصنها الأمين على مر السنين، وكان في طليعة الجيوش العربية التي صدت الحملات التي تتابعت على الأرض العربية وأهمها على الاطلاق الحروب الصليبية، وهوما تؤكد عليه القيادة السياسية المصرية دائماً أن أمن الأمة العربية خصوصاً الخليج خط أحمر لا تسمح بتجاوزه من أى قوة في العالم، إنه قدر مصر ودورها الريادي الذي لا يمكن التخلي عنه مهما كانت الأسباب.
إن رؤية الرئيس السيسي، في الحكم تستهدف تحسين مستوى معيشة المواطنين، وجاء حرصه على أسر الشهداء الذين فقدواعوائلهم في الحروب ليحصلوا على حقوقهم من المجتمع تحقيقاً لمبدأ العدالة، في الوقت الذي أطلق مبادرة " حياة كريمة" في الثاني من ينايرعام 2019 لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثراحتياجاً على مستوى الدولة، كما تسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين وبخاصة في القرى، وتتضمن العديد من مبادرات الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية والعمليات الجراحية، وصرف أجهزة تعويضية، وهوما أدى إلى نجاح مصر في القضاء على فيروس سي، والتعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد، وتنمية القرى الأكثراحتياجاً وفقاً لخريطة الفقرفي المحافظات، وتوفير فرص عمل للمواطنين خصوصاً الشباب بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في القرى والمناطق الأكثراحتياجاً، وتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج، وهوما يؤكد أن استراتيجية الدولة قائمة على المساواة بين جميع المواطنين خصوصاً أسر الشهداء الذين يستحقون التكريم عرفاناً لمن ضحوا بأرواحهم من أجل حماية الوطن وصون مقدراته، حتى لا يشعر أحد بمرارة الأزمة المالية العالمية.
وأقول لكم، إن فلسفة الجمهورية الجديدة التي أطلقها الرئيس السيسي، في عام 2021 أعادت الحياة إلى مصر وكرمت شهدائها منذ عام 1948 الذين يستحقون المجد، ولذا تسعى الدولة إلى التخفيف عن كاهل جميع المواطنين في الريف والمناطق العشوائية في الحضر بهدف وضع خريطة جديدة لمصرتنفيذاً لمبادئ ثورة 30 يونيو التي تستهدف النهوض بالدولة في جميع المجالات من خلال استصلاح مساحات جديدة من الأراضي والزراعة وإقامة قلاع صناعية لتوفير فرص عمل لجميع فئات المجتمع خصوصاً الشباب، فضلاً عن الاستمرار في تطويرالجيش وتزويده بأحدث الأسلحة ليكون جاهزاً لصون الحدود بما يضمن بقاء مصر قوية، ويتزامن ذلك مع الحرص على زيادة وعي المواطنين بالتحديات التي تواجه مصر، خصوصاً بعد أن حققت الجمهورية الجديدة إنجازات غير مسبوقة في العديد من المجالات ما جعلها تقف على قدمين ثابتتين رغم استمرارالأزمة الاقتصادية العالمية، بعد أن أنقذت الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع الدولة من المخاطرالتي تفجرت نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
أحمد الشامي
Aalshamy610@yahoo.com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف