الوطن
أمينة خيرى
قرارات 2023 الجريئة
قرارات 2023 الجريئة

كل من بلغ من السن أرذله مثلي أنا يعلم أن جوانب حياتنا غير قابلة للفصل. بمعنى آخر، كل تفصيلة اقتصاد أو ثقافة أو سياسة أو فن أو اجتماع أو جغرافيا أو تاريخ في حياتنا تؤثر وتتأثر بغيرها. لا يمكن القول مثلاً بأن هذا رجل متطرف في مواقفه الدينية، ولكنه موظف حكومة صالح وإن كان يتشدد بعض الشيء مع المواطنات لا سيما غير المحجبات وييسر أمور المنتقبات و"يعصلج" حبتين مع المواطن الذي يرتدي دبلة ذهب أو يعرف من بطاقته إنه ينتمي إلى الدين الآخر.كما لا يمكن التغاضي عن سياسة درج مفتوح يتبعها موظف في مصلحة ما لأسباب تتعلق بشظف العيش وذلك لأنه أب حنون أو زوج عطوف أو صديق خلوق.ولا يمكن القول بإن الأزمة الاقتصادية في مكان ما يمكن أن تمر بسلام وتعود البلاد إلى سابق انتعاشها والمواطنون إلى ما كانوا عليه من يسر الحياة وبحبوحة الإنفاق بينما الاستثمار متعثر والإنتاج متعرقل والتصدير مأزوم. السلسلة متصلة وليست منفصلة.انفصال تفاصيل حياتنا عن بعضها البعض أمر غير ممكن، حتى وإن بدا كذلك. والإصرار على فصلها يدفع بنا إلى دوائر مفرغة نلف فيها حول بعضنا البعض، إذ يهيأ لنا أن الآخر مسؤول عم نعانيه. كما أن هذه الدوائر المظلمة تجعلنا نلف حول مشاكلنا ولا نخرج منها. يهيأ لنا أنه في الإمكان مثلاً حل مشكلة مستوى الطالب دون أن نرفع مستوى المعلم، أو حل مشكلة انعدام ضمير الموظف دون تطبيق رقابة صارمة وقانون عادل على المخطئ، أو حل معضلة السير العكسي دون عقوبة آنية منصوص عليها في القانون.ولأن اللف في دوائر مغلقة عملية مجهدة ومنهكة، يهيأ لنا إن هذا التعب يعني إننا نعمل ونكد ونجتهد من أجل حل المشكلة، وهذا ليس صحيحاً. يمكن أن نطلق عليه اسم "المجهود الفارغ" تماماً مثل السعرات الحرارية الفارغة التي نكتسبها عبر تناول أكلات عامرة بالسعرات عارية من الفوائد.ولعل 2023 وما تحمله معها من أوضاع اقتصادية عالمية مزرية، ونحن جزء من العالم، تدفعنا لمراجعة طريقتنا في حل المشكلات ومواجهتها. العلاجات الجذرية مطلوبة، وترشيد المسكنات موصى به، والخروج من الأزمات بعلاج الأسباب لا بتضميد الجراح والالتهابات الناجمة عنها حان وقته.خذ عندك مثلاً، حكاية إن البعض من أهالينا يصر على مواجهة الفقر بضخ عدد متزايد من العيال حتى يعمل هذا على توك توك ويصبح ذاك عامل دليفري والثالث بائع متجول وهلك جرا، حيث لا تعليم ولا تنشئة ولا يحزنون هو إمعان في تجذير الفقر وتقوية أواصره وتوريثه من جيل إلى جيل. ومع كل الاحترام والحب على كل من يعمل هذه الأعمال المهمة والتي تقدم خدمات جليلة نحتاجها جميعاً، إلا أنه ليس من المنطق أن تعمل جيوش جرارة قوامها ملايين في أعمال بلا مستقبل وبلا عائد حقيقي على الوطن. ومن غير المنطقي أن تأخذ قاعدة الضمان الاجتماعي والاقتصادي والسكني والصحي والتعليمي والتمويني والخدمي في التمدد على حساب الطبقة المتوسطة التي تحسبها بالورقة والقلم أن تضخ عيلاً إضافياً.وقبل أن يتشدق أحدهم بأن الصين ذات ال1،4 مليار نسمة قوة بشرية وصناعية وتجارية هائلة، علينا أن نعمل على بناء وصناعة الجانب التعليمي والصناعي والتجاري والاستثماري أولاً، وليس الاكتفاء بضح العيال فقط. بمعنى آخر، الطاقة الاستيعابية للعمل على ال"تكاتك" و"الدليفري" و"التمناية" وغيرها لها حد أقصى.وعلى سيرة الطاقة، يجب الإشارة إلى أن طاقة مصر الاستثمارية القادرة على استيعاب مشروعات كبرى ومتوسطة وصغرى يقوم بها مستثمرون مصريون وعرب وأجانب. لكن يبدو أن "فرامل اليد" مرفوعة أو معطوبة لسبب ما.الاقتصادي والقانوني المحنك الدكتور زياد بهاء الدين كتب قبل أيام عن حاجتنا الماسة عن مواجهة الفجوة بين حديثنا عن تشجيع الاستثمار وتوفير البيئة المحفزة له من جهة، والسلوك البيروقراطي المعطل والمثبط والطارد للاستثمار. الرئيس السيسي بح صوته وتحدث بدل المرة عشرات وأصدر توجيهات عديدة لتيسير بيئة الاستثمار. فالاستثمار المبني على قواعد سليمة ومستدامة وحده القادر على توفير فرص عمل وتحويل حلم الإنتاج إلى حقيقة وزيادة العوائد الضريبية وفتح أسواق تصدير جديدة وتحقيق التنمية الحقيقية لنا.ما الذي يعطل الاستثمار إذن؟ أعتقد أن الإجابة معروفة ومحفوظة والمعنى في بطن خطوات "دوخيني يا ليمونة" ومع كل دوخة رسوم وغرامات وجبايات وأدراج تأبى إلا أن تظل مفتوحة.فتح باب المواجهة مع حلقات حياتنا المتصلة ببعضها البعض والتي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وحتمية علاج الأسباب بديلاً عن تقليم الأفرع، والتوقف الفوري عن ضخ العيال الذين يتحولون إلى ضحايا جديرة بأن تكون قرارات جريئة نتبناها في العام الجديد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف