احمد الشامى
أقول لكم -- «رسائل السيسي وبلينكن»: «مصرالمكان والمكانة.. صاحبة الكلمة العليا»
«رسائل السيسي وبلينكن»: «مصرالمكان والمكانة.. صاحبة الكلمة العليا»
تثبت الأيام أن مصررمانة الميزان وصاحبة الكلمة العليا في الشرق الأوسط «المضطرب»، لا يمكن إغفال دورها الداعم للاستقراربفضل ما تتمتع به من قوة سياسية واقتصادية وجيوستراتيجية وعسكرية للتفاعل مع قضايا المنطقة، لا حرب أوسلام أوتحالفات من دون حضور قائدها ومشاركتها فى حلحلة الصراعات وإحلال السلام بين جميع دول المنطقة، وليعلم القاصي والداني أن سياستها الخارجية ترتكزعلى الحلول السلمية للنزاعات في جميع الملفات التي تواجه المنطقة من منطلق عدم حرصها على عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وتجنب اللجوء إلى الحروب، ولذا جاء لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام، ليؤكد على محورية الدورالمصري في المنطقة ورؤيتها لإعادة إحياء عملية السلام لتحقيق هدف حل الدولتين، وجهود حل الأزمات الليبية واليمنية والسودانية والإيرانية وسد النهضة فضلاً عن مكافحة الإرهاب، وتطويرالشراكة الإستراتيجية بين مصروأمريكا، خصوصاً أن واشنطن تعول على التنسيق مع القيادة المصرية لاستعادة الاستقراروتحقيق التهدئة وإحتواء الوضع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولذا أكد الرئيس خلال اللقاء على عمق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن وضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وفق المرجعيات الدولية، وبما يفتح آفاق السلام والاستقراروالتعاون والبناء بين دول المنطقة بعد ما يزيد على 70 عاماً من الصراع، كما بحث الرئيس مع بلينكن ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة ويحفظ الحقوق المائية والتنموية لجميع الأطراف، ما يؤشر على أهمية الدورالأمريكي للاضطلاع بدورمؤثرلحلحلة تلك الأزمة منعاً لإندلاع صراع في منطقة القرن الأفريقي ستكون اَثاره مدمرة للمنطقة بأكملها.
إن الرسائل التي أسفر عنها لقاء الرئيس السيسي ووزير الخارجية الأمريكي تؤكد أن مصر المكان والمكانة رمانة الميزان في الشرق الأوسط صاحبة الكلمة العليا في جميع ملفات المنطقة، لا حرب أو سلام دون استئذانها إذ إنها تتمتع بموقع جغرافي لا مثيل له في العالم تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب وتمتلك أهم ممرمائي في العالم وهو قناة السويس، ما يجعلها تضطلع بدورمهم في صياغة السياسات الإقليمية والدولية فى زمن الحرب والسلام، ولذا فأن علاقتها بالولايات المتحدة تصل إلى حد الشراكة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية منذ عقود وهو ما برهنت عليه زيارة وزيرالخارجية الأمريكي للقاهرة والتي التقي خلالها بالرئيس عبدالفتاح السيسي، ما يؤشر على أن مصرقلب العالم شاء من شاء وأبى من أبى،«هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» الذين لا يكفون عن نشر الشائعات عنها لمحاولة التقليل من شأنها والبحث عن أدوار لهم في عالم جديد لا يعترف سوى بالأقوياء، فالأموال لا تصنع دولاً أو زعماء أو قيادات، الباحثون عن أدوار لهم في المنطقة عليهم أن يعلموا أن سجلات التاريخ تؤكد أن مصر مركز قارات الأرض القديمة والحديثة على السواء أفريقيا وأسيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا، كما تطل على البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وخليجي السويس والعقبة فضلاً عن قناة السويس ونهر النيل شريان الحياة لشعبها،فصارت حضارتها منذ اَلاف السنين مصدراً لإلهام العلماء، فقال عنها المؤرخ "هيرودوت" أبو التاريخ" مصرهبة النيل، فيما يمثل كتاب الدكتور جمال حمدان شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان، أيقونة ما سجله التاريخ عن أهمية مصر، إذ تحدث فيه عن موقعها ومكانتها ما جعلها تتبوأ المكان والمكانة الإقليمية والدولية المميزة على مدار التاريخ، وهو ما تتفهمه الولايات المتحدة الأمريكية وتعلم أهمية الدور المؤثر لمصر في استقرار المنطقة، التي لم تتخلى يوماً عن دعم القضايا العربية في يوم من الأيام وخاضت الحروب من أجل دعم القضية الفلسطينية منذ بدايتها وتحرص حتى الاَن على حلها سلمياً لبدء مرحلة من التعاون والتنمية بين جميع دول المنطقة، رغم محاولات التقليل من إنجازات الدولة خلال السنوات الثماني الماضية وإطلاق شائعات وأكاذيب وراءها جماعة الإخوان الإرهابية التي تسعى إلى نشر الشائعات والأخبار الكاذبة للتأثيرسلبياً على الشعب وذلك في إطار الحرب النفسية المنظمة التي تدعمها دول كارهة لمصر، لكنها لن تحقق الهدف المنشود منها بفضل وعي الشعب القابض على حلمه لبناء الجمهورية الجديدة رغم التحديات والتهديدات التي لا تتوقف منذ اَلاف السنين، فلا مكان سوى للأقوياء في عالم متعدد الأقطاب.
تتحرك السياسة المصرية من الجمهورية الجديدة في كافة الاتجاهات في ظل عالم تسيطرعليه التكتلات الدبلوماسية والتغيرات الاقتصادية الكبرى، التي بدأت عقب الحرب الروسية الأوكرانية في عصر لم يعد يعترف بمقولة بعيداًعن السياسة بعد أن صارت كل القضايا التي يواجهها العالم سياسية، ولذا إختارت القاهرة أن تتحرك في دوائرجديدة من خلال جولة رئاسية شملت الهند وأذربيجان وأرمينيا لتحول نظريات التنمية الاقتصادية إلى شراكات إستراتيجية في عالم تسيطرعليه الاضطرابات، ولذا حظيت الجولة باهتمام محلي وعالمي غير مسبوق، إذ نجحت في إعادة رسم علاقات مصر مع الدول الثلاث بما يحقق أهداف السياسية الوطنية خصوصاً « الدبلوماسية الاقتصادية» التي تستهدف استغلال مصرلمقدراتها الاقتصادية في التعاون مع هذه الدول ما يخدم مصلحتها، وصولاً إلى التنمية الشاملة، في وقت يتعرض العالم لأزمات متراكمة أدت تداعياتها الاقتصادية التي تراكمت نتيجة ثلاثية كورونا وتغير المناخ والحرب على أوكرانيا إلى تضررالأمن الغذائي العالمي، خصوصاً أن الدولتين من أكبر الكيانات المصدرة للقمح أهم سلعة غذائية في جميع دول العالم، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى القول «إن العالم يواجه أزمة جوع على نطاق غير مسبوق، وارتفاعاً في الأسعار لم يُشهد له مثيل من قبل»، ولذا بدأ زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي زيارته الأولى إلى الهند تأكيداً على رفع شعلة حركة عدم الانحياز في عالم متعدد الأقطاب التي تعتبر بمثابة قاعدة لتأسيس شراكات استراتيجية في ظل حرب اقتصادية أمريكية صينية روسية لقيادة النظام العالمي الجديد.
أكدت الجولة الأولى للرئيس السيسي إلى الهند أن مصر الكبيرة لا تهتم بمحيطها فقط بل تتجه السياسة الخارجية إلى أبعد من ذلك في عالم متشابك المصالح بحثاً عن فرص الاستثمار، إذ وقعت مصر والهند العديد من الاتفاقات التي تهدف إلى تسريع وتيرة التعاون في العديد من المجالات التكنولوجية ومشروعات الطاقة والبني التحتية والصناعات الدفاعية، ما يؤكد اهتمام مصربقارة اًسيا خصوصاً بعد عقد الرئيس السيسي لقاءات مع قادة مجتمع الأعمال الهندي، إذ استقبل بمقرإقامته في العاصمة الهندية نيودلهي، المليادير ورجال الأعمال جوتام أداني، رئيس مجموعة «أداني» الهندية العالمية العملاقة، رابع أغنى رجل في العالم، والتي تمتلك منظومة شركات تعمل في قطاعات متنوعة خاصة البنى التحتية، والذي أكد أنه يتطلع للتنمية في مصرمن خلال دراسة فرص الاستثمارالجاذبة في مصروعقد شراكات بين مجموعته وصندوق مصر السيادي، نظراً للنشاط المتعدد للصندوق والمرونة التي يتمتع بها، خصوصاً أن الهند دولة صاعدة وتشغل مقعد الرئيس الحالي لمجموعة العشرين.
بعد انتهاء زيارة الرئيس للهند ظن كثيرون أنه في طريقه للقاهرة لكن جاءت المحطة الثانية في أذربيجان، إذ تركزت مباحثات الرئيس السيسي مع نظيره الأذري إلهام علييف بقصر"زوجلوب" الرئاسي بالعاصمة الأذربيجانية باكو،على أهمية تعزيزالتبادل التجاري، وتوطيد الشراكات الاقتصادية بين القطاع الخاص في البلدين وتشكيل مجلس مشترك لرجال الأعمال لدعم التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة أوالغازالطبيعي تزامناً مع سعي مصر للتحول الى مركز إقليمي للطاقة إضافة إلى التعاون في مجالات أخرى مثل الإنشاءات والبنية التحتية، والنقل، والصناعات الدوائية، والسياحة والثقافة ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف خصوصاً أن تلك الظاهرة تمثل تهديداً حقيقي على مساعي تحقيق التنمية، إذ أكد السيسي ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي لحصار تلك المشكلة على جميع المستويات، كما عملت الجولة على استعراض المقاربة الشاملة التي اتبعتها مصر في الحرب على الإرهاب من خلال علاج جذور المشكلة عبر دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفكر المتطرف، ودعا السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأذري إلهام علييف،إلى تأكيد أهمية الحوار والتفاوض وتغليب صوت العقل والحكمة، لأن القوة العسكرية وحدها لم تكن أبداً كافية لتحقيق السلام الدائم والشامل والعادل، ولذا لا بد من التفاوض لاستكمال مسار السلام، وتحقيق واقع أفضل وحياة كريمة للشعوب لاسيما في المرحلة الراهنة التي تتكبد فيها الشعوب معاناة مضاعفة على الصعيد الاقتصادي، إذ إنه لم يكد العالم يستفيق من أزمة جائحة كورونا، حتى خيمت الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تبعها من تداعيات اقتصادية،على مختلف القطاعات الحيوية في العالم، سواء الأمن الغذائي، والطاقة.
إن مصر المتطلعة إلى المستقبل صارت قارة آسيا تعد عمقاً مهماً للأمن القومي لها وليس القارة السوداء فقط لأن حدود الأمن القومي لأية دولة لا تتوقف عند حدودها الجغرافية، في ظل تنامي الأزمات الاقتصادية والتحديات الأمنية وفي مقدمتها قضايا الإرهاب والتطرف والحروب السبرانية ولذا صارت الدول الآسيوية والأفريقية بعداً إقليمياً لمصر، ولذا جاءت المحطة الثالثة للرئيس في أرمينيا تأكيداً لاهتمام السياسة المصرية بتطويرعلاقاتها بدول آسيا الوسطى، خصوصاً أذربيجان وأرمينيا، على أقليم"ناغورنو قره باغ" وهو نزاع مسلح بين أذربيجان بدعم من تركيا، وجمهورية أرتساخ المدعومة من أرمينيا، والتي أعلنت القاهرة حيادها تجاهها مثل الصراع الهندي الباكستاني على أقليم كشمير، خصوصاً في ظل علاقات الدول المتصارعة بمصر التي تسعى لتعظيم المصالح المشتركة مع الدول التي شملتها الجولة الآسيوية للرئيس، بغض النظرعن وجود مشكلات بينية بين دولتين أوأكثرإذ تقف القاهرة على مسافة واحدة من الجميع، وتتعامل مع كل الدول وفق المصالح المشتركة ولا تنحاز لأي طرف في أي نزاع إقليمي وهذا عهدها منذ عشرات السنين، إن دلالات «جولة الرئيس الاَسيوية» استهدفت تحويل «التنمية الاقتصادية من النظريات إلى الإستراتيجيات» ولذا فأن جولة الرئيس السيسي للدول الثلاث ناجحة بكل المقاييس وتؤشرإلى أن مصرحريصة على تحقيق شراكات مع غالبية دول العالم، إذ حملت بعداً أمنياً لمكافحة الإرهاب وهو ما ظهر في زيارة الرئيس إلى مدينة ييريفان عاصمة أرمينيا والتي تعتبرالأولى من نوعها لرئيس مصر منذ الاستقلال الثاني لأرمينيا عام 1991 إذ كان الأول في 28 مايو 1918 وأدى إلى تشكيل جمهورية أرمينيا الأولى، وهوما يؤكد رغبة الرئيس في تعزيزعلاقات مصر بالقوى الكبرى والمتوسطة والصغيرة ما أسهم في عبور مصر للأزمة الاقتصادية العالمية.
وأقول لكم، إن مجلس الوزراء، برئاسة الدكتورمصطفى مدبولي، وصف النتائج التي تحققت من الزيارة الخارجية للرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى كل من الهند وأذربيجان وأرمينيا بالإيجابية، إذ عملت على استثمارفرص التنمية والتعاون الاقتصادي بين مصر وهذه الدول بما يحقق المصالح المشتركة، وهو ما يؤكد أن النسخة السابعة من مؤتمر «سي آي كابيتال للاستثمار» في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حققت الهدف المنشود منها، إذ أسفرت عن رسائل مهمة لاقت اهتمام ممثلي القطاع الخاص والمستثمرين ومؤسسات وبنوك الاستثمار العالمية، وعدد كبير من المستثمرين المحليين، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، وتحقيق خطوات سريعة في ملفي «تمكين القطاع الخاص» وجذب الاستثمار الأجنبي، فضلاً عن دعم القطاعات الإنتاجية بمبادرات فاعلة لاسيما في قطاعي الصناعة والزراعة، إذ إن الإجراءات التي نفذتها الدولة أخيراً أدت إلى النجاح في الإفراج عن كافة البضائع ومستلزمات الإنتاج في الموانئ، وتالياً العودة إلى المعدلات المستقرة قبل الأزمة الأخيرة، وستسهم هذه الخطوة بأثر ايجابي في تحقيق توازن الأسعار في الأسواق، موجهاً الوزراء المعنيين بمتابعة إجراءات ضبط الأسواق والتنسيق المستمر مع الغرف التجارية ومع الأجهزة الرقابية في هذا الإطاربما يسهم فى توفير السلع بالأسواق بأسعار مناسبة.
أحمد الشامي
Aalshamy610@yah00. com