جيهان فوزى
ميليشيا المستوطنين.. «التتار الجديد»
ميليشيا المستوطنين.. «التتار الجديد»
مثل النار فى الهشيم، اندلعت المواجهات فى بلدة حوارة شمال مدينة نابلس فى الضفة الغربية، على أثر إرهاب المستوطنين الذين اجتاحوا المدينة كالتتار، وعاثوا فيها فساداً، وهاجموا سكانها وأضرموا النيران فى البيوت والممتلكات والسيارات الخاصة بالمواطنين، رداً على مقتل اثنين منهم فى عملية للمقاومة الفلسطينية، وذلك على مرأى ومسمع وحماية جنود الاحتلال، ومباركة وزير الأمن القومى «إيتمار بن غافير» الذى شجع وأعطى الضوء الأخضر للمستوطنين دون الالتفات إلى أى عواقب أو خطوط حمراء لا يجوز تخطيها.
إن الانتفاضة الفلسطينية الجديدة، التى بدأت ملامحها فى مارس من العام الماضى على شكل اضطرابات عنيفة فى مدن وقرى الضفة الغربية تختلف عن سابقاتها وتتسارع ببطء.
كما أن عوامل الانتفاضة الفلسطينية الجديدة مختلفة فى خصائصها عن الانتفاضتين السابقتين، الأمر الذى يصعب التعرّف عليها، خاصة أنها لم تبدأ بحدث واحد تسبّب فى انفجار باقى الأحداث.
لقد كان أكبر محفّز للانتفاضة الجديدة سياسات وزير الأمن القومى إيتمار بن غافير فى القدس الشرقية، وتعليماته بشأن توسيع عمليات الاعتقال فى المدينة، وتبنيه إرهاب المستوطنين، وهو ما أجّج حالة التوتر الأمنى فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، فالضفة الغربية على خلاف قطاع غزة التى حسم أمر انسحاب جيش الاحتلال منها، تشكل عاملاً جوهرياً فى صياغة التحالفات الحزبية الإسرائيلية، وفى تشكيل وإسقاط الحكومات أيضاً، باعتبار أن الكتلة الرئيسية ذات الثقل فى الانتخابات فى إسرائيل هى المستوطنين، الذين أصبح عددهم فى الضفة الغربية يقارب مليون مستوطن، بالإضافة إلى المتطرفين فى القدس، وبالتالى لم تعد هناك أى إمكانية لاستمرار حكومة إسرائيلية دون إرضاء وتلبية مطالب هؤلاء المستوطنين والمتطرفين.
ورغم تقدير البعض بأن عمليات المقاومة من الفلسطينيين ستلجم هذا التطرف، فإن هذا التطرّف يزداد شراسة وعدوانية، وبدأت معالمه تظهر بحيث أصبح أكثر تنظيماً وتسليحاً، فالمستوطنون فى الضفة الغربية باتوا يدرسون عملياتهم جيداً، ويحاولون تشكيل ميليشيا مسلحة منظمة، لمساعدة الجيش الإسرائيلى، وهى جهود غير دفاعية.
بل تهدف أساساً إلى التضييق على الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم بسلاح الإرهاب، والتى ما زال الجيش الإسرائيلى يعجز عن طردهم منها لأسباب قانونية وسياسية ودولية، وبقدر تزايد وتيرة الصراع حدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن المجتمع الإسرائيلى نفسه يعانى انقساماً حاداً ما بين اليمينية المتطرفة، وأقلية معتدلة ترى أن هذا الجنون السياسى سيعود بهم إلى عزلة كاملة على المستوى الدولى.
وينعكس هذا الانقسام الحاد بوضوح داخل الكنيست، متمثلاً فى المعارك اللفظية والمبارزات القانونية بين من يدعو إلى سن قوانين صارمة ضد الفلسطينيين، سواء بالتهجير بالأوامر العسكرية أو سحب الجنسية أو تمرير قانون بإعدام المتهمين بارتكاب أعمال عسكرية وقتالية ضد المستوطنين أو الجيش الإسرائيلى، وبين الأطراف الأخرى التى لا يمكن وصفها باليسارية بقدر ما يمكن اعتبارها أقل تطرفاً.
وهى تحاول كبح هذا الجموح الذى بدأ يباعد بين إسرائيل وحلفائها التقليديين فى الولايات المتحدة وأوروبا، وقد بدأ البرلمان الأوروبى يصعّد مواقفه ضد إسرائيل ويسبب حرجاً لحكومات الاتحاد الأوروبى بسبب ضغطه المتواصل عليها لاتباع سياسة أكثر حزماً أمام عدوانية إسرائيل، سواء فى القدس أو الضفة الغربية.