بوابة الشروق
عماد الدين حسين
الحج أونلاين.. ولميس الحديدي والكتائب الإلكترونية
الحج أونلاين.. ولميس الحديدي والكتائب الإلكترونية

هل من المعقول أنه فى ظل انتشار وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية والإلكترونية أن غالبية الناس فى مجتمع معين يمكن أن تصدق شائعة ساذجة ولا تتحقق منها، رغم السهولة الشديدة للتحقق؟!
أطرح هذا السؤال بعد الجدل الهائل الذى انتشر فى الأسبوع الماضى، وفحواه إشاعة ضخمة انتشرت كالنار فى الهشيم بأن الإعلامية لميس الحديدى تدعو إلى إلغاء فريضة الحج بشكلها الحالى واستبدالها بالحج عبر الميتافيرس «الفيسبوك سابقا» أو الزوم!!!.
تفاصيل القضية لمن لم يعرفها أن الحديدى استضافت يوم ٢٤ يونيو الماضى فى برنامجها «كلمة أخيرة» على قناة «ON E» الشيخ أسامة رسلان، مشرف وحدة اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر للحديث حول مناسك الحج وما هى أفضل الطريق لتأديتها. ومن بين الأسئلة كان السؤال التالى:
«لو أحد الأطفال سأل والده أو والدته عن أحد مناسك الحج وأخبره الوالدان بضرورة عدم مناقشة المناسك وتفاصيلها وقالا له: إنت بتناقش فى كلام ربنا، إعمل الحاجات زى ما ربنا قالها وخلاص. وهذا الرد قد لا يعجب الطفل، الذى سيسأل أيضا: لماذا لا نؤدى فريضة الحج «أونلاين» أو بتقنية الميتافيرس، ولماذا نذهب ونلف حول الكعبة ٧ مرات؟ تضيف الحديدى فى سؤالها: هذه هى أسئلة يطرحها الجيل الجديد، ولا أطرحها أنا فكيف يجب أن يكون رد والديه؟».
الجزء الأهم فى السؤال الذى تجاهله كثيرون هو، هذا ليس رأيى أنا، بل أطرح أسئلة لبيان بعض التفسيرات المهمة لفلسفة الحج عند صغار السن.
الذى حدث أن مواقع مشبوهة ومغرضة ومتربصة وغير مهنية وساذجة وبعد أن تجاهلت الحلقة لمدة خمسة أيام كاملة، فجأة وجدنا حملة منسقة بالتزامن مع الحج اختزلت كل هذه الحلقة الطويلة فى عبارة قصيرة تقول، لميس الحديدى تسأل: لماذا لا نحج أونلاين بالميتافيرس أو الزوم؟! وهؤلاء نسوا جميعا العبارة الإضافة المهمة وهو أن السؤال لا يعبر عن رأيها بل عن تفكير بعض الأجيال الجديدة من الشباب.
وبالطبع وبعد تناقل الخبر المشوه بصورة صخمة كان منطقيا أن تخرج لميس الحديدى وتكتب على صفحتها على «تويتر» وتقول: «لمن يريد أن يعرف الحقيقة حول هوجة الحج بالميتافيرس.. هذا هو الفيديو الحقيقى والكامل.. مش القص واللزق اللى الإخوان طلعوه». أما اللى عاوزين يزيطوا بقى ويصدقوا أى حاجة دون تيقن فنتركهم لجهلهم».
ما سبق هو القصة وهو أمر يتكرر فى موضوعات كثيرة فى بعض البلدان العربية، التى ينتفض فيها قطاع كبير من الرأى العام على قضايا لم يدقق فيها أو يتحقق منها.
غالبية المتابعين للقصة لم يكلفوا أنفسهم أن يسمعوا سؤال المذيعة كاملا، أو أن يتأكدوا من طبيعة السؤال..
لكن ولأن المذيعة قامت بالرد والتوضيح أكثر من مرة بفضل نشاطها على تويتر فإن كثيرين من المتربصين والمتطرفين والمحرضين والمفبركين اضطروا للاعتذار لها وهو أمر نادر الحدوث.
السؤال الجوهرى مرة أخرى وهو: كيف يعقل أن يكون قطاع كبير من الرأى العام بهذه السطحية وتصديق أى إشاعة يسمعها مهما كانت غريبة وشاذة؟!
والأخطر هو: أليس من الوارد أن يتم تضليل هؤلاء فى موضوعات أكثر خطورة وتعقيدا وتشابكا فى المستقبل، خصوصا فى ظل الكتائب الإلكترونية التى تتربص بالجميع؟!
ما حدث فى قضية «الحج أونلاين» شديد الخطورة لأنه ينبهنا جميعا إلى قضية فى غاية الأهمية وهى أن تستغل بعض الدول والتنظيمات والأجهزة إمكانية العبث والتأثير فى توجهات المواطنين المصريين العرب فى قضايا مختلفة خصوصا الشباب.
نسمع ونقرأ ونشاهد كل يوم سيلا من الأخبار المزيفة والمشوهة والمبتورة والمبتسرة، وسيلا من الإشاعات عن قضايا تافهة أو شديدة الحيوية ورغم زيادة جرعة المعلومات فى المنصات المختلفة التقليدية منها والإلكترونية، الرسمية منها والخاصة، فإن قدرة عدد كبير من المواطنين فى عدد كبير من دول العالم على إمكانية التفريق والفرز بين الأخبار الصحيحة والمزيفة ضعيفة جدا.
صرنا نرى الآن خبرا واحدا مفبركا قادرا على إثارة البلبلة والإحباط بين شعوب كثيرة، بل وقادر على نشر العنف والفوضى. وبالتالى فقد صار لزاما علينا جميعا البحث فى صيغ عملية لتحصين شعوبنا قدر المستطاع ضد هذه النوعية من الأخبار التى صار من السهل جدا ترويجها للعبث بأمن واستقرار بعض الدول العربية.
كل عام وأنتم جميعا بألف خير.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف