الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم «قمة المصالحة المصرية ـ التركية»:«القضايا المطروحة والحلول المتاحة»
«قمة المصالحة المصرية ـ التركية»:«القضايا المطروحة والحلول المتاحة»

على وقع الحرب في غزة تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصرفي وقت بالغ الحساسية، إذ تشهد المنطقة صراعات إقليمية تستلزم تنسيق المواقف بين الدولتين اللتين ترتبطان بعلاقات تاريخية إستراتيجية لبحث الرؤى السياسية والاقتصادية من أجل إيجاد الحلول المتاحة للأزمات المتصاعدة، إذ تصل الحرب في غزة إلى ذروتها فيما ترفض مصرتهجيرالفلسطينيين خاج القطاع، يصل أردوغان إلى مصر لأول مرة منذ 12 عاماً حيث كانت أَخر زيارة له للقاهرة عام 2012 عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، ولذا ستسهم قمة المصالحة المصرية التركية في إزالة التوتر بين الدولتين والذي بدأ عقب سقوط حكم الإخوان الإرهابي، إذ شهدت المباحثات بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي وأردوغان مناقشة نحوست قضايا ساخنة يأتي في مقدمتها تطورات حرب غزة، ورفض مصر تهجيرسكان القطاع، فضلاً عن الجهود التي تبذلها لفرض هدنة طويلة لمدة ست أسابيع وعقد صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية وصولاً إلى وقف الحرب بين الطرفين وبدء مفاوضات سياسية بين الجانين تستهدف إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية، ولذا يمكن القول إن هذه الزيارة أسفرت عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، إذ كان الاستقبال حافلاً من جانب القيادة المصريه بالرئيس التركي وقرينته بمطارالقاهرة الدولي، ووقع الزعيمان عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، كما وقعا على إعلان مشترك لإعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وخلال مؤتمر صحافي أعقب المحادثات، قال الرئيس السيسي «أرحب بالرئيس التركي لنفتح صفحة جديدة بين البلدين»، مضيفاً «سنسعى مع تركيا إلى رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال سنوات قليلة»، مضيفاً أنه قبل دعوة الرئيس أردوغان لزيارة تركيا في أبريل المقبل.
أما الملف الثاني الذي ناقشه الزعيمان فهو تطويرالعلاقات الاقتصادية بين البلدين إذ إرتفع حجم التبادل الاقتصادي بين القاهرة وأنقرة إلى 7.7 مليار دولار خلال عام 2022، مقابل 6.7 ملياردولار خلال 2021، بزيادة قدرها 14%، ويتوقع زيادة هذا التبادل في ضوء سعي مصرزيادة التصديرإلى الخارج إلى 15 مليار دولار لتوفير العملات الأجنبية اللازمة لسد الفجوة الدولارية في السوق المصري، أما الملف الثالث الذي ناقشه الرئيسان فهوخاص بزيادة التعاون بين البلدين في المجال العسكري والتصنيع المشترك في مجالات عدة، فضلاً عن سعي تركيا للاستفادة من خبرات التصنيع المصري، وجاء ملف الوضع في ليبيا على رأس اهتمامات الزعيمين إذ يسعيان إلى التنسيق المشترك لإعادة الهدوء إليها بعد أن ضربتها الفوضى منذ عام 2011، فضلاً عن استكمال الاستحقاقات الدستورية وأهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات البرلمانية وصولاً لإجراء انتخابات رئاسية تنهي الصراع وتعيد الاستقرار للشعب الليبي ليبدأ مرحلة التنمية بعد سنوات من الصراع بين الفصائل المختلفة، وحل ملف ترسيم الحدود البحرية رابعاً على مائدة مفاوضات الزعيمين إذ تسعى تركيا لأن تحصل على حقوقها البحرية بهدف التنقيب عن الغاز في شرق المتوسّط، ما يستلزم تقريب وجهات النظربين القاهرة وأنقرة من ناحية،إضافة إلى توسط مصر من أجل التنسيق بين تركيا واليونان وقبرص اليونانية من ناحية أخرى بحيث تحصل كل دولة على حقوقها من الغازدون صراع بحري قد يصل إلى مالا يحمد عقباه، إذ إن تركيا تستورد أكثرمن 90% من احتياجاتها من الطاقة.
وظني أن الزعيمين يحرصان على تطوير العلاقات السياسية بين البلدين بسبب التوترفي الكثير من دول المنطقة نتيجة الحرب في غزة ما أدى إلى توسع الصراع إلى جنوب لبنان واليمن بسبب محاولات الحوثيين إغلاق باب المندب رداً على رفض إسرائيل وقف الحرب في غزة ونفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إذ إن الوصول إلى تفاهم في هذا الملف من الممكن أن يكون مقدمة لإنضمام المزيد من الدول العربية نحو بناء قاعدة واسعة من التعاون في الكثيرمن المجالات، ويقيني أن بحث هذا الملف سيؤدي إلى تطابق الرؤى ومن الممكن أن يقود في النهاية إلى نتائج جيدة يستفيد منها الكثيرمن دول المنطقة، خصوصاً أن زيارة أردوغان لمصر تعتبر في حد ذاتها مؤشّراً على تطور العلاقات التي شهدت توتراً منذ 2013 حتى الاًن رغم محاولات تحسينها على مدى السنوات الماضية لأنها جاءت في وقت حسّاس للغاية، ولذا فأن التقارب في وجهات النظربين الزعيمين سيُسهم في حل الكثير من أزمات في المنطقة بدءاً من التهدئة في غزة وتحقيق الاستقرار في ليبيا إلى عودة الهدوء إلى السودان والصومال الذي يواجه طمعاً إثيوبياً في أرضه خصوصاً أن إثيوبيا تسعى لإنشاء قاعدة عسكرية وتأجير ميناء بربرة مع ما يُعرف بجمهورية أرض الصومال الانفصالية.
إن التقارب بين مصر وتركيا لم يكن وليد المصادفة فقد بدأت المساعي لإعادة العلاقات عام 2021 وجاءت مصافحة الرئيس السيسي، وأردغان في نوفمبر 2022 خلال افتتاح مونديال كرة القدم بقطر لتنهي سنوات طويلة من قطع العلاقات السياسية وبدء مرحلة جديدة من التفاهم بين الدولتين إذ زارسامح شكري وزير الخارجية المصري، أنقرة في فبراير 2023 لأول مرة منذ 2013 لتقديم الدعم لها بعد أن ضربها زلزال 6 فبراير، ورد وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، الزيارة في مارس من العام نفسه، وبعدها اتفق الزعيمان السيسي وأردوغان خلال اتصال هاتفي في مايو 2023، على ترفيع العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، وتم ذلك في يوليو من العام نفسه، لتنتهي هذه الجهود الدبلوماسية بزيارة الرئيس أردوغان لمصر ما فتح الباب لتطويرالتعاون الثنائي، خصوصاً في المجال الدفاعي والعسكري من خلال صفقات أسلحة متبادلة وإقامة مشروعات للإنتاج العسكري المشترك، إذ أعلنت تركيا قبل أيام أنها ستزود مصر بطائرات مسيرة قتالية، كما إن هذه الزيارة تمثل ضربة قوية لجماعة الإخوان الإرهابية وعنصرها في تركيا التي سعت لإفساد العلاقات بين الدولتين طوال السنوات الماضية عقب سقوط حكم المرشد ومهاجمتها للقيادة المصرية من خلال أبواقها الإعلامية المأجورة، لكن انتصرت رؤية المصالحة بين البلدين وخسرت الجماعة رهانها على استمرارالتوتر وحلم المنتمين لها في العودة إلى مصر، الذين أصيبوا بالفزع بمجرد الإعلان عن موعد الزيارة، وهو ما يؤكد إن علاقة النظام التركي بالإخوان أصبحت من الماضي، إذ تحرص تركيا إلى الحد من نشاط جماعة الإخوان الإرهابية داخلها بعد عودة العلاقات البلدين خصوصاً أن هناك اتفاقية قضائية بين القاهرة وأنقرة لتسليم المجرمين تسعى الدولتان إلى تفعيلها ما دفع بعض قيادات الإخوان الهاربة من أحكام قضائية تصل بعضها للإعدام في قضايا عنف وإرهاب إلى الهروب لدول أخرى.
وأقول لكم، إن مصر الكبيرة حريصة على إنهاء الحرب في غزة ولذا تدخلت بشأن بطلب من إسرائيل من أجل الوساطة مع حماس بمساعدة قطر والولايات المتحدة لإبرام صفقة تبادل أسرى في إطار هدنة إنسانية جديدة في ظل الحديث عن تخطيط إسرائيل لإجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر والذي قد يؤدي إلى حدوث مذبحة، إذ يوجد على الحدود المصرية الفلسطينية ما يزيد على مليون شخص، وتاتي هذه الصفقة تنفيذاً لمخرجات اجتماع باريس والتفاق الإطاري الذي يتضمن وقفاً تدريجياً لإطلاق النار في غزة وإيصال المساعدات لسكان القطاع وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، إذ من المتوقع أن تكون على ثلاث مراحل وتنفذ على مدارستة أسابيع لإنهاء الحرب وبدء مفاوضات سياسية وصولاً إلى حل الدولتين، إذ زادت إدارة الرئيس جو بايدن الضغط على إسرائيل و«حماس» من خلال وسطاء لاستئناف المفاوضات لإنهاء القتال ووقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وكذا التصعيد في جنوب لبنان إذ يقود المفاوضات اللواء عباس كامل، وزيرالمخابرات المصرية، إلى جانب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات الإسرائيلية ديفيد بارنياع والأميركية ويليام بيرنز، وتسعى إلى سد الفجوات بين الطرفين تمهيداً للإعلان عن اتفاق وتجنيب المنطقة من خطرإجتياح مدينة رفح ومحاولات تهجير الفلسطينيين.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@ yahoo.com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف