الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم «القوة الناعمة» :«من الحشاشين..إلى تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط»
«القوة الناعمة» :«من الحشاشين..إلى تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط»


تعتبرالقوة الناعمة « Soft power»‏،إحدى اًليات الدول الكبرى لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، والتأثيرعلى الرأي الاجتماعي والعام داخل الدولة وخارجها سواء في محيطها الإقليمي أوالدولى وتغييره من خلال قنوات سياسية أو اقتصادية أوفنية والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية، لتغييرالصورة الذهنية « image» التي تعكس الواقع وفقاً لرغبات إدارات هذه الدول لجعلها أكثر قبولاً لدى الاَخرين، وهي التي تحمل المعلومات عنها إلى العقل الإنساني، الذي لا يواجه الواقع مباشرة، وإنما يواجهه بطريق غير مباشروهو ما يقوم بجزء كبيرمنه القوة التاعمة بأشكالها المختلفة من خلال التـقديم غيرالمباشر للواقع، إذ قال جوزيف ناي الدكتوربجامعة هارفارد، وأول من صاغ هذا المصطلح في كتابه الصادرعام 1990 بعنوان «مُقدرة للقيادة.. الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية» أنه مع القوة الناعمة «أفضل الدعايات وفي عصرالمعلومات، تعد المصداقية أندر الموارد»، كما فسرهذا المفهوم في كتابه الصادرعام2004 بعنوان «القوة الناعمة..وسائل النجاح في السياسة الدولية»، ما جعل هذا المصطلح يستخدم حالياً على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل المحللين والسياسيين، وصارقادة العالم يطالبون حكوماتهم بزيادة قوتهم الناعمة في العالم، إذ أكد الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني هو جينتاو عام 2007 أن الصين بحاجة إلى زيادة قوتها الناعمة، وتحدث وزيرالدفاع الأميركي روبرت غيتس عن الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق «زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومي بالدبلوماسية، والاتصالات الاستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية»، وهو ما استشعرت مصرأهميته خلال السنوات الماضية، ولذا سعت إلى زيادة قوتها الناعمة في المجالات كافة خصوصاً السياسية والعسكرية والاجتماعية والرياضية والفنية.

نجحت مصر خلال السنوات الماضية في دعم قوتها الناعمة من خلال جهودها الإصلاحية المتواصلة في جميع المجالات من أجل تحقيق التنمية وإقامة جمهورية جديدة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والدولية فزادت من تسليح الجيش وتطويره وزيادة مساحة الأرض الزراعية وإطلاق عشرات المبادرات الثقافية والاجتماعية لخدمة الفئات الأكثر إحتياجاً ما أدى لزيادة ثقلها السياسيى والدبلوماسي على المستوى الإقليمي، إذ تعدالقوة الناعمة بمثابة قاطرة تعزيز دورمصرومكانتها وهو ما أدى إلى قدرتها على محاولة وقف إطلاق النار في غزة وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة التي تشهد صراعات لا تتوقف خلال الفترة الأخيرة ما أثر سلبياً على الوضع الاقتصادي لجميع دول المنطقة بما فيها مصر، الأمر الذي إنعكس إيجاباً على وضع مصرعلى خريطة الاستثماروالسياحة العالمية وباتت مقصداً مهماً لرؤوس الأموال من غالبية دول العالم، بعد أن استخدمت قوتها الناعمة للتأثيرفي محيطيها الإقليمي والعالمي، باعتبارها نموذجاً متميزاً في القوة الناعمة، كما قدمت مصر خلال شهر رمضان الماضي العديد من الأعمال الدرامية التي أنتجتها الشركة المتحدة، وتابعها الملايين داخل مصر وخارجها ومن بينها مسلسل الحشاشين
الذي يعتبربحق عملاً فنياً ناجحاً نال إستحسان المشاهدين داخل مصر وخارجها ما زاد من قوتها الناعمة داخلياً وعربياً وعالمياً بعد أن تبين إذاعة المسلسل عبرقنوات أجنبية.
وتجلت محاولات فرض القوة الناعمة أخيراً في الصراع الدائر بين إيران وإسرئيل، إذ تسعى كل منهما لفرض نفوذها في المنطقة، بعد إعتداء إسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريا ورد طهران الذي وصفه البعض بـ «التمثيلية»، ورغم اعتراف وسائل إعلام إسرائيلية على أنّ«إيران تغيّر قواعد اللعبة كلياً تجاه إسرائيل»، بعد اغتيال قائد قوة القدس في سوريا ولبنان في حرس الثورة، محمد رضا زاهدي، والعميد في الحرس، حاجي رحيمي، في استهداف القنصلية الإيرانية بسوريا، بعد أن أثبت الهجوم الإيراني على إسرائيل إن ثمة تغيراً إستراتيجياً في سياسية إيران قلب الطاولة على إسرائيل ومن يدعمونها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية التي لاتزال تقدم دعماً غيرمسبوق لتل أبيب في حربها على النساء والأطفال بغزة، ولذا حان الوقت لأن تعلم الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية أن «هناك» في الشرق الأوسط من يمتلك اَليات الرد والردع وأن يتوقفا عن قتل الأطفال والنساء في غزة، والسؤال الاًن هل ترتدع إسرائيل بعد الهجوم الإيراني عليها وتوافق على مبادرات وقف إطلاق النار التي يقدمها الوسطاء بقيادة مصر لوقف القتال في غزة بعد أن تبين أن طهران إكتسبت ما يكفي من الثقة بقدراتها للرد على أي عدوان محتمل ضدها في المستقبل وباتت طرفاً فاعلاً في المعادلة ؟، وهو ما دفع إسرائيل إلى التأكيد على رد جديد على إيران بزعم الحفظ على قوة الردع في المنطقة على إعتبار أن الهجوم الإيراني الأول من نوعه الذي تتعرض له إسرائيل.
إن ما يحدث في الشرق الأوسط الاًن صارمأزقاً استراتيجياً وقعت إسرائيل فيه وحلفاؤها الغربيين، وقد يتحول الصراع من محاولة فرض القوة الناعمة عسكرياً إلى حرب حقيقية لا يعرف أحد كيف تنتهي، ولذا حان الوقت إسرائيل بأن تنظر بعقلانية لحربها في غزة بما يسمح لها بتفكيك المعركة الدائرة مع حماس خصوصاً أنها تعلم أن هذه الحرب ليس مع جيش نظامي يمتلك القدرات القتالية الكاملة للدخول في معركة متكافئة وأن انتصار إسرائيل لو حدث لن يكون سوى انتصاراً إعلامياً مؤقتاً إعلامياً ومحدود، كما سيفقدها القدرة مستقبلاً على دخول أي حرب حقيقية سواء مع إيران أوغيرها فضلاً عن أنها ستواجه عزلة عالمية خصوصاً مع الدول العربية التي كانت قد بدأت في تطويرعلاقتها بإسرائيل وصولاً إلى حل الدولتين، لكن الهجوم الإيراني خلق واقعاً جديداً في قواعد الاشتباك ستترتّب عليه تداعيات دولية مهمة في ظل قدرة إيران على الرد مجدداً في حال تعرضها لعدوان جديد ما سيزيد من تبعية إسرائيل للغرب خصوصاً إلى الولايات المتحدة التي تعتبر إسرائيل الابن المدلل لها لها، كما أن استمرار أمد الحرب في غزة سيجعل من إيران طرفاً محتملاً في الصراع خصوصاً في حال توسعه في الشرق الأوسط وعدم استجابتها لمبادرات وقف إطلاق النارما يزيد من تصاعد الدافع الإستراتيجي للحرب، خصوصاً من الجبهتين الشمالية حيث يوجد حزب الله والشرقية مع سوريا والحرس الثوري الإيراني.
يأتي ذلك في الوقت الذي تبذل مصرجهوداً كبيرة للوصول إلى إتفاق بين حماس وإسرائيل يقضي بوقف إطلاق النارفي غزة خلال الأيام المقبلة، إذ شهدت جولة المفاوضات الجديدة بين الجانبين والتي عُقدت بالقاهرة، ماوصفه مراقبون بـ «أجواءً إيجابية» ما أدى لتحقيق تقدم ملحوظ في تقريب وجهات النظر بشأن التوصل إلى هدنة في قطاع غزة بعد مفاوضات مكوكية خصوصاً بعد توسيع الحكومة الإسرائيلية صلاحيات الوفد المكلف بالمشاركة في المفاوضات بشأن الموافقةعلى مسودة اتفاق جديدة تتضمن هدنة وصفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين وسط ضغوط من الوسطاء الذين تقودهم مصربالاضافة إلى قطروالولايات المتحدة الأمريكية لإبرام صفقة وقف إطلاق النار حقناً لدماء الفلسطينيين، فيما قالت حماس إنها تسلمت خلال جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة المقترح الإسرائيلي للهدنة،بعد جهود الوسطاء في مصر وقطروأميركا، مضيفة أنها تقدرالجهود الكبيرة التي بذلها الوسطاء، وحرص الحركة على التوصل لاتفاق يضع حداً للعدوان الإسرائيلي على غزة، وأعلنت حماس، تسلميها الوسطاء في مصر وقطر، رد الحركة على المقترح الذي تسلمته قبل أيام من الجانب الإسرائيلي، وأكدت تمسكها بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم وأماكن سكنهم، وتكثيف دخول الإغاثة والمساعدات والبدء بالإعمار، واستعدادها لإبرام "صفقة تبادل جادة وحقيقية للأسرى بين الطرفين.
وأقول لكم، إن المقترح الذي عرضه الوسطاء في جولة المفاوضات الأخيرة بالقاهرة لوقف إطلاق النارفي قطاع غزة والذي ردت عليه حماس،تضمن ثلاثة مراحل يضمن الأول عودة النازحين المدنيين غير المسلحين إلى شمال القطاع دون تحديد أعدادهم، كما تضمن قبول إسرائيل فتح شارعي الرشيد وصلاح الدين وتمركز قواتها على بعد 500 مترمنهما، كما تضمن هذه المرحلة إدخال 500 شاحنة مساعدات يومياً إلى قطاع غزة، بما في ذلك الشمال، وتفرج إسرائيل عن 900 أسيرفلسطيني، بينهم 100 من ذوي أحكام المؤبد مقابل الإفراج عن 40 أسيراً إسرائيليا حياً من كل الفئات، أما المرحلة الثانية فتتضمن إطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين والانتهاء من مفاوضات العودة للهدوء المستدام وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، وتتضمن المرحلة الثالثة الإفراج عن جثث الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، ويبدو أن المقترح قابل للبناء عليه للوصول إلى صيغة اتفاق نهائية تضمن الإعلان عن هدنة تنتهي بوقف دائم لإطلاق الرصاص في غزة وصولاً إلى مفاوضات حل الدولتين لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود الرابع من يونيو 1967 تعيش في سلام مع جيرانها لبدء مرحلة جديدة من البناء والتنمية، فهل ترتدع إسرائيل بعد الهجوم عليها من قبل إيران وتوافق على وقف إطلاق النار؟

أحمد الشامي

Aalshamt6110 @yahoo. com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف