احمد الشامى
أقول لكم «هدنة تكتيكية وحل حكومة الحرب»..« أين تضع معركة غزة أوزارها؟»
«هدنة تكتيكية وحل حكومة الحرب»..« أين تضع معركة غزة أوزارها؟»
على وقع إعلان الجيش الإسرائيلي، قبل أيام أنه سيطبق «توقفاً محلياً وتكتيكياً للأنشطة العسكرية» في مناطق بقطاع غزة للسماح بتدفق المزيد من المساعدات بعد أن حذرت منظمات الإغاثة الدولية من أزمة إنسانية متزايدة، اشتعل الصراع في إسرائيل وتتسبب في حالة من تبادل الاتهامات بين المستويين السياسي والعسكري، إذ أكد الجيش أن النشاط العسكري سيتوقف بين الساعتين الثامنة صباحاً والسابعة مساء بالتوقيت المحلي على طول الطريق المؤدي من معبر كرم أبو سالم إلى طريق صلاح الدين ثم إلى الشمال، وأضاف أن هذا القرار سيظل سارياً حتى إشعارآخر، ويأتي بعد محادثات إضافية جرت مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية، فيما انتقد وزيرالأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، هدنة رفح التكتيكية التي أعلن عنها الجيش لوقف العمليات العسكرية مؤقتاً جنوبي قطاع غزة، معتبراً أن من قررهذه السياسية لا يجب أن يبقى في منصبه، كما دعا بن غفير إلى الخروج من المفهوم الأمني القديم ووقف النهج الجنوني والوهمي الذي لا يجلب لإسرائيل سوى المزيد من القتل، ما يعني أن القرار الذي أصدره الجيش لم يعرض على المستوى السياسي وجاء تتويجاً لوجه إسرائيل القبيح بعد الإدانات المتكررة من الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى ودول دعت جميعاً إلى وقف الحرب على غزة بعد أن راح ضحيتها عشرات الاَلاف من الفلسطينيين الأبرياء خصوصاً من النساء والأطفال.
سيذكرالتاريخ أن ما ترتكبه إسرائيل من مجازرفي غزة يفوق حد التصور، ولم يحدث في أكثر الحروب دموية عبر التاريخ، وكل ذنب هؤلاء الفلسطينيين أنهم يدافعون عن أرضهم ويرغبون في إقامة وطن لهم يعيشون في سلام مع جيرانهم، ولذا أكدت القيادات الفلسطينية موافقتها على حل الدولتين، ولا تعدو الهدنة التكتيكية التي أعلن عنها الجيش أن تكون ذراً للرماد في عيون العالم الذي يبكي شهداء غزة كل يوم، وكانت المفاجأة أن وزير دفاع الكيان يوآف غالانت لم يعلم مسبقاً «بالهدنة التكتيكية» في رفح جنوب قطاع غزة وعلى هذا الأساس اضطرالجيش لإصدار بيان توضيحي، عن وقف تكتيكي لعملياته القتالية، وشن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هجوماً لاذعاً عليه، قائلاً إن إسرائيل دولة لديها جيش وليس العكس، معتبراً أنها قرارات غير مقبولة اتخذت على المستوى العسكري، لأن إسرائيل في حرب متعددة الجبهات وأهدافنا في جنوب القطاع لم تتغير، ولذا القتال ضد حماس مستمر، كما زعم أن هناك من يطالب بتغيير الأهداف، ملمحاً إلى وزيرين انسحبا، في إشارة إلى بيني غانتس وغادي آيزنكوت، وختم قائلاً: "إنهم يريدون قرارات مغسولة بالهزيمة وإبقاء حماس على حالها، وهذا غير مقبول بالنسبة لي.
أتت تلك التصريحات عقب إعلان الجيش الإسرائيلي بوقت سابق، أنه سيلتزم "بهدنة تكتيكية في الأنشطة العسكرية" يومياً في قسم من جنوب غزة خلال ساعات محددة من النهار للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصروالمدمر والذي تهدده المجاعة بعد 8 أشهر من الحرب، وقال في بيان إن "الهدنة التكتيكية ستطبق من الساعة 8.00 إلى الساعة 19.00 كل يوم وحتى إشعار آخر" انطلاقاً من معبر كرم أبو سالم وحتى طريق صلاح الدين ومن ثم شمالاً، كما أضاف أنه تم اتخاذ هذا القرار في سياق الجهود "لزيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة"، إثر محادثات مع الأمم المتحدة ومنظمات أخرى، فيما تصاعدت الانتقادات الدولية والأممية لإسرائيل، نتيجة حصارها المطبق على القطاع، الذي يعاني سكانه من نقص حاد في الغذاء والدواء، لاسيما أنه خلال الفترة الماضية، ما بين 6 مايو وحتى 6 يونيو، تلقت الأمم المتحدة ما متوسطه 68 شاحنة مساعدات يومياً فقط، حسب الأرقام الصادرة عن مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، المعروف باسم "أوتشا"، ويمثل هذا الرقم انخفاضاً كبيراً مقارنة بأبريل الفائت، حيث دخلت 168 شاحنة يومياً، بينما يحتاج القطاع إلى 500 شاحنة بمعدل يومي لسد أدنى احتياجات سكان غزة.
وتسببت التعديلات التي أدخلتها حماس على خطة بايدن في حدوث حالة من التوتر في إسرائيل والقلق بين الوسطاء ما دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن،إلى القول إن مصر وقطر تعملان على جسرهوة التعديلات والطلبات التي قدمتها حماس بشأن مقترح الهدنة، وأن الرئيس الأمريكي سيوفر كل ما يلزم لضمان أمن إسرائيل وتمكينها من الردع، فيما تواصل قوات الاحتلال شن مئات الغارات والقصف المدفعي وتنفيذ جرائم في مختلف أرجاء قطاع غزة، وارتكاب مجازر دامية ضد المدنيين، وتنفيذ جرائم مروعة في مناطق التوغل، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 90 % من السكان، فيما دمَّرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مربعات سكنية كاملة فى قطاع غزة، ضمن سياسة التدمير الشاملة التي ينتهجها الاحتلال في عدوانه المستمر على قطاع غزة، ولا يزال آلاف الشهداء والجرحى لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض؛ بسبب تواصل القصف وخطورة الأوضاع الميدانية، في ظل حصار خانق للقطاع وقيود مُشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية.
اعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، بأن حركة "حماس" فكرة لا يمكن القضاء عليها، مشدداً على أنه لا يمكن إعادة كل المختطفين بالوسائل العسكرية، كما أشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بقوله "نحن ندفع ثمنا باهظا في الحرب لكننا لا يمكن أن نبقى صامتين"، فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفض الإدارة الأمريكية وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة خلال الشهرين الماضيين بأمرغير معقول، واقتبس نتنياهو من تصريح نظيره البريطاني ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية عبارة قالها لواشنطن: "أعطونا الأسلحة وسنقوم بالمهمة"، وأضاف نتنياهو: "وأنا أيضاً أكرر قوله: أعطونا الأسلحة وسننهي المهمة بشكل أسرع بكثير"، وفي أوائل شهر مايو الماضي، أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن وقف إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل، مشيراً إلى أن الحديث كان عن دفعة واحدة من المساعدات العسكرية، وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قال في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، إنه سيوقف إمداد إسرائيل بالقنابل الجوية وقذائف المدفعية إذا توسعت العملية العسكرية في قطاع غزة إلى مدينة رفح، وعلى حد قوله، لم يحدث هذا بعد.
إن قراررئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،المفاجئ بفض حكومة الحرب المؤلفة من خمسة أعضاء، َثارتساؤلات بشأن التداعيات المنتظرة سياسياً في الداخل الإسرائيلي، وعسكرياً لهذا القرار على مسارالحرب في قطاع غزة، إذ إن نتنياهو أراد التحررمن الضغوط التي مارسها عليه الشركاء المتشددين في ائتلافه، وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش لضمهما إلى المجلس الحربي بعد استقالة الوزير السابق بيني غانتس، حيث قال لهما إن "مجلس الحرب لم يعد موجود" بعد أن تم تشكيله يوم 11 أكتوبرالماضي،على أن يتم نقل بعض القضايا التي ناقشها مجلس وزراء الحرب سابقاً في مجلس الوزراء الأمني، لكن القرارات الحساسة ستتم معالجتها في منتدى تشاوري أصغر، إذ إن الإطارالجديد قد يضع الخطوط العريضة للتحرك السياسي والعسكري لإسرائيل، ثم تعرض قراراته على المجلس الوزاري المصغرالذي يتمتع فيه نتنياهو بأغلبية الأصوات فيه لتمرير القرارات.
وأقول لكم، إن السؤال الذي يطرح نفسه الاًن بعد أن أصبحت الحرب في غزة في أمتارها الأخيرة بغض النظرعن صيغة الاتفاق المنتظر، إذ تزامن قرارالهدنة التكتيكية مع حل مجلس الحرب، فأين ستضع أوزارها ( أثقالها وهمومها النفسية)، إذ إن من اختبرالحرب يعرف أن لها أوزاراً أثقل من الأسلحة والقتال في ميادين الموت، مثل وزرالرحيل عن الوطن ووزرفقدان الأحباء ووزرالألم النفسي المريرالناتج عن ألم التجربة، وأرى أن المجتمع الإسرائيلي المصاب بالصدمة سيصاب بأضرارنفسية لا مثيل لها في كل الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد أن فقد أعداداً كبيرة من الضباط والجنود والمواطنين فضلاً عن 70 ألف معاق في الجيش، وتالياً لن يعود المجتمع الإسرائيلي إلى ما كان عليه قبل الحرب، أما المجتمع الفلسطيني سوف يزداد تماسكاً وكبريائاً وعزة وسيواصل الكفاح من أجل تحقيق هدفه الأسمى وهو إقامته دولته المستقله على حدود الرابع من يونيو عام 1967 بعد أن سار يتلقى دعماً من كيانات دولية كثيرة في مقدمتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فضلاً عن الصين وروسيا ودول أخرى كبيرة.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yahoo. com