الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم «القوة الناعمة»:«سلاح مصرفي الحرب على الإرهاب»
«القوة الناعمة»:«سلاح مصرفي الحرب على الإرهاب»

تسعى كل الدول خصوصاً الكبرى منها لفرض نفوذها على العالم لتحقيق مصالحها العسكرية والاقتصادية بأقل تكلفة ودون الدخول في حروب مباشرة تكلفها خسائربشرية ومالية كبيرة، ولذا تلجأ لأساليب غير تقليدية لتحقيق هذه الأهداف، وكشف جوزيف ناي مساعد وزيرالدفاع الأمريكي في حكومة بيل كلينتون ورئيس مجلس المخابرات الوطني، في كتابه الصادرعام 1990 بعنوان «مُقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية»، أن القوة الناعمة تعني القدرة على الجذب والضم دون الإكراة أواستخدام القوة كوسيلة للإقناع، كما طورالمفهوم في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان «القوة الناعمة .. وسائل النجاح في السياسة الدولية»، والذي يعتبرأول من استخدم مصطلح القوة الناعمة، حتى صار يستخدم على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل المحللين والسياسيين حالياً، أنها تعمل جنباً إلى جنب مع القوة الصلبة «العسكرية» لتقوية مصالح الولايات المتحدة في كل أرجاء العالم، وعرف ناي القوة الناعمة بأنها«سلاح مؤثريحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال»، وأن موارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إضافة إلى السياسة الخارجية، وأرى أن استخدام واشنطن سياسة ملء الفراغ أوسد الفراغ والتي جاءت بعد انسحاب القوى الاستعمارية التقليدية خصوصاً إنجلترا وفرنسا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهورالحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، تهدف إلى بسط السيطرة الأمريكية على المناطق التي زال منها الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وأسيا والشرق الأوسط، بهدف حماية المصالح الاقتصادية للدول الرأسمالية لملء الفراغ السياسي المتروك من الدول الأوروبية، قابلها الاتحاد السوفيتي بدعمه للحركات التحررية وتجسدت في فينتام.
في عام 1957 أعلن الرئيس الأمريكي ايزونهاورعن مشروع ملء الفراغ خلال فترة حكمه للولايات المتحدة بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصرقناة السويس وانسحاب بريطانيا، منها ويقوم هذا المشروع على أربع ركائز، أولها إحلال النفوذ الأمريكي محل البريطاني والفرنسي، وحماية منابع النفط خصوصاً في الشرق الأوسط، فضلاًعن ضمان أمن إسرائيل ووقف تمدد الاتحاد السوفيتي، ورغم إنسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والعراق وسوريا ومناطق أخرى في العالم خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها عادت لتستخدم هذه السياسية من خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً غيرمسبوق ممثلاً في أسلحة متطورة ومبالغ مالية كبيرة، وقال بايدن أثناء زيارته التضامنية لإسرائيل عقب 7 أكتوبر الماضي، «إذا لم تكن إسرائيل موجودة .. لكان علينا إنشاؤها من جديد»، إنها سياسية ملء الفراغ التي تبنتها الولايات المتحدة وكان أحد ركائزها حماية أمن إسرائيل ظالمة أومظلومة وتصل إلى حد حمايتها في الأمم المتحدة باستخدام حق النقض أو الفيتو (بالإنجليزية: Veto)‏ وهي كلمة لاتينية تعني «أنا أمنع»، وهو حق تستخدمه أمريكا من أجل إيقاف عمل إتخاذ قرارات إدانة ضد إسرائيل.
نعود إلى جوزيف ناي، الذي أكد في كتابه أن القوة الناعمة لا يمكن اختزالها في الثقافة فقط، ويضرب مجموعة من الأمثلة على ذلك منها أن الكوكاكولا وشطائرماكدونالد الكبيرة لن تجتذب بالضرورة الناس في العالم الإسلامي حتى يحبوا أمريكا، والأجبان والمشروبات الفرنسية الممتازة لا تضمن الانجذاب إلى فرنسا، ولا تضمن ألعاب البوكيمون لليابان النتائج السياسية التي تتمناها، كما أكد الكاتب أن مصدر القوة ليس هو الجيش فقط وإنما مجموعة من الدواعم لهذه القوة فعلى سبيل المثال تعتبرأمريكا أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، رغم أن بوليوود الهندية تنتج أفلاماً أكثر منها في كل عام، خصوصاً بعد أن أصبح حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها أصبح أمراً من الماضي خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقا كلما حاولت الولايات المتحدة شن حرب جديدة، ويدعو إلى اعتماد إستراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء في العالم كله، وظني أن ذلك يعني أن القوة الناعمة انتصرت على سياسية ملء الفراغ التي كلفت الولايات المتحدة استخدام القوة الصلبة العسكرية وتالياً فقد مليارات الدولارات واًلاف القتلي من جيشها ومواطنيها منذ عام 1957 حتى الاًن، وفي حال أجبرت واشنطن إسرائيل على اللجوء إلى السلام لما وصلت الأمورإلى هذه الحد وتحملت الدولتان خسائر كبيرة.
والسؤال الاَن هل استخدمت مصرالقوة الناعمة في دعم مواقفها السياسية في الشرق الأوسط، بعد أن بدأ مصطلح الفن النظيف يعود وينتشرعلى منصات الحواروالمناقشة وينتقل من السينما إلى بقية الفنون الأخرى خصوصاً الأعمال الدرامية التليفزيونية؟، يبدو أننا على موعد لمراجعة هذه الإشكالية القديمة الجديدة بعد الأعمال الفنية التي عرضت على شاشات السينما والتليفزيون خلال الأشهر الأخيرة خصوصاً في رمضان وعيدي الفطر والأضحى، بعد أن صارتحقيق الربح الغاية من تقديم هذه الأعمال للكثير من المنتجين شركات أو أفراد بغض النظرعن المحتوى، إذ عرف كثير من الخبراء «الفن النظيف أو المحترم أو الراقي أو الهادف أو البناء بأنه مصطلح تستعمله بعض الأطياف المحافظة في المجتمعات المختلفة، حيث يكون الصراع على القيم الثقافية قائماً»، ولذا يمكن القول أن الجدل حول أهمية الفن النظيف يرتبط بقدرته على عدم تدميرقيم المجتمع، رغم رفض كثيرين لهذا المصطلح معتبرين أنه قد يحد من القدرة على الإبداع وتقديم أفكارغيرتقليدية قد تفيد في تطويرالمجتمع مع مرورالوقت، وقد ظهرت بدايات هذا الجدل في خمسينات القرن الماضي بعد صدوركتاب «ما الأدب» للمؤلف الفرنسي جان بول سارتر والذي يعتبر من أعلام الأدب والفلسفة في القرن العشرين.
لا أقصد هنا منع المؤلفين من مناقشة قضايا شائكة أو وضع خطوط حمراء أمامهم لتحديد ماهية الموضوعات المتاحة للحوار، فكل شئ مجتمعي قابل للترجمة إلى عمل فني لمن يشاهده أو يسمعه، بطرق إبداعية جذابة، وهذه هي المعادلة الصعبة التي نجحت فيها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وصارت نموذجاً يحتذى به فالفن ليس بوقاً لتقديم المواعظ في إطار من الحرية المسئولة، والدليل على ذلك ما قدمته المتحدة خلال الأشهر الأخيرة، إذ إن مسلسل الحشاشين في رمضان الذي نال إعجاب المشاهدين في مصر والدول التي عرض فيها، ونال فيلم السرب الذي عرض أخيراً إعجاباً فاق الوصف، وهو ما عودتنا عليه الشركة نفسها منذ الإعلان عن نشأتها إذ باتت تحمل عبء تنقية الفن المصري من الشوائب وتقديمه في قالب وطني هادف ولذا انتصرت في معركة الوعي على الكارهين لمصروالمتربصين بها في وقت لجأت شركات وأشخاص إلى البحث عن الربح بغض النظرعن المحتوى وما إذا كان هادفاً من عدمه.
وأرى أن مصطلح الفن النظيف بات في حاجة إلى تعريف جديد في ظل ما تواجهه مصر من تحديات لتحديد بوصلة الفن المصري خلال الفترة المقبلة لتحديد غاياته وأهدافه بحيث لا يبقى عرضة للاجتهادات المختلفة، خصوصاً من جانب المشككين الذين يصفون بعض الأعمال بـ «الفن القذر» لمجرد أنها تدعم الوطن، وبحيث يكون المبدع هو الرقيب على إبداعه ولا ينتظرأي جهات رقابية أخرى لإعادة قراءته وتقييمه، وهذا لن يحدث إلا عندما يضع مصلحة المجتمع نصب عينيه لا البحث عن المال ويعرف الفرق بين الحرية والفوضى ويدرك قيمة رسالته وتأثيره في الرأي العام الذي يتوق لأعمال فنية قيمة تسمح للأسرة بأكملها كبيرها وصغيرها بالمشاهدة سواء في المنزل أو السينما لا تخشى ألفاظاً غيرراقية أو محتوى عرى وعنف في مجتمع ينشد الهدوء والسلام الاجتماعي، لأن الفن الحقيقي نظيف بالضرورة بما يتضمنه من أفكاروليس بالخروج عن عادات وتقاليد المجتمع .
وأقول لكم، إن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية قدمت خلال السنوات الماضية أعمالاً توثق حروب الجيش المصري ووزارة الداخلية ضد الإرهاب، ونالت إعجاب المشاهدين الذين استمتعوا بفن نظيف أسهم في انتصار الوطن في معركة الوعي من خلال تقديم هذه الأعمال الوطنية إذ تعتبرالقوة الناعمة سلاح مصر في الحرب على الإرهاب و التي نجحت في تعريف الأجيال الحالية والمقبلة ببطولات القوات المسلحة والشرطة بعد أن عرضت تضحيات الشهداء من الجنود والضباط، في قالب درامي من خلال السياقات التي إلتزمت بمصطلح الفن النظيف وتجسيد الواقع الإنساني وكفاح الشعب المصري ضد الإرهاب في أحداثه الحقيقية وعبر قصص نماذج بشرية من الأبطال الذي ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الوطن وكذلك الفن الذي يجسد هذا الواقع ولا يسعى إلى تقديمه معلباً وخالياً من الحقيقة.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yah00.com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف