الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم -«سرقة تاريخ مصر»:« من تخاريف الأفروسينتريك إلى التراث السينمائي»
«سرقة تاريخ مصر»:« من تخاريف الأفروسينتريك إلى التراث السينمائي»

تمتلك مصر تاريخاً وتراثاً حضارياً وثقافياً وفنياً ليس له مثيل في العالم، والذي يمتد لما يزيد على 7000عام بإعتبارها أقدم دولة في العالم، ولذا تتكالب الكثيرمن الدول والحركات ووسائل الإعلام لسرقة هذا التاريخ ونسبه إلى نفسها لمحاولة تجريد مصرمن حضارتها و قوتها الناعمة، إذ وصف علماء اَثارمصريون إدعاءات «الأفروسينتريك أوالمركزية الأفريقية»، بأن الحضارة المصرية شيدها الأفارقة ذوي البشرة السمراء وليس أبناء مصر، بأنها «تخاريف لا تستحق الرد»، وذلك بعد الجدل الذي أثير بسبب زيارة مجموعة منهم للمتحف المصري بالقاهرة قبل أيام، والتي أعادت إلى الأذهان نشأة هذه الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، بزعم أنها رد فعل على العنصرية ضد السود في أمريكا والاستهانة بثقافتهم وحضارتهم، إذ وجدوا ضالتهم المنشودة في تاريخ مصر للإدعاء بأنه نتاج إسهاماتهم في الحضارة العالمية، ودللوا على ذلك بمحاولة نسب ثقافات قديمة لهم خصوصاً الحضارة المصرية وإعادة تقديم شخصيات تاريخية مصرية بممثلين سود، كما حدث في فيلم كليوباترا، ولذا تسعى الحركة العنصرية لنشرفكرها المنحرف من الدول الغربية خصوصاً أمريكا وبعض الدول الأوروبية التي تتاَمرعلى حضارة مصر، التي طورت حضارتها وظهرت على أرضها أول «حكومة مركزية» عام 3200 ق.م. حيث قام الملك مينا بتوحيد مملكتي الشمال والجنوب المصريتين وشهد عصرهذه الدولة نهضة شاملة في شتى نواحي الحياة، وتوصـل المصريـون إلى الكتابة الهيروغليفية.
حرص المصريون القدماء على تدوين وتسجيل تاريخهم والأحداث التي صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة الحضارية انتقلت مصرمن عصورما قبل التاريخ وأصبحت أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب، ولها نظم وقوانين مدونة، ولذا تقدم الدول الغربية الدعم الدعائي لنشرهذه الأفكارالشيطانية التي تسعى لنسب حضارة مصرالقديمة لها على إعتبارأنها أعظم حضارة على الأرض، إذ بدأ النقد يوجه إلى هذه الحركة بعد عرض منصة أمريكية شهيرة قبل فترة مسلسل وثائقي حول «الملكة كليوبترا» أظهرتها سمراء البشرة وزعمت من خلال الفيلم أنها أفريقية وتالياً الحضارة المصرية شيدتها شعوب أفريقية من ذوات البشرة السمراء، فيما زعم الفنان كيفن هارت، وهو من أصول إفريقية أن أجداده "بنوا الأهرامات" في مصر، ولذا فأن الفيلم الذي أذاعته المنصة فضلاً عن التصريحات المنسوبة للمثل لا تعدو أن تكون مجرد محاولة تزييف للتاريخ وخطف الحضارة المصرية ونسبها إلى شعوب أفريقية سمراء لتزوير التاريخ برعاية مسئولي المركزية الإفريقية والتي يطلق عليها الأفروسنتريك، التي تأسست على يد الناشط الأميركي الإفريقي الأصل موليفي أسانتي في فترة الثمانينيات، من أجل تنمية الوعي حول الثقافة الإفريقية عبر التاريخ، وتسليط الضوء حول تلك الهوية وأهميتها لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا، أما أكثر نظرياتها المثيرة للجدل، فزعمها أن التاريخ والثقافة الإفريقية انطلقت من مصر القديمة، التي شكلت مهد الحضارة العالمية.
ويبدوأن اَداء ممثلة سمراء اللون لدورالملكة الفرعونية في الفيلم، دفع العديد من المصريين إلى التساؤل حول السبب خصوصاً أن الفيلم وثائقي، وتالياً من الطبيعي أن يستند إلى وقائع علمية تاريخية صحيحة وليس أكاذيب ولذا فأن ما حدث محاولة لتزييف التاريخ المصري ونسبه لأفارقه من أصحاب البشرة السمراء، وهو ما أكد علماء الاَثار المصريين أنه مغالطة تاريخية في فيلم يفترض أن يكون وثائقي، ولذا يمكن إعتبار أن (المركزية الأفريقية أوالأفروسينتريك ( وتكتب بالإنجليزية (Afrocentrism) نموذج فكري يسعى إلى تشويه تاريخ بعض الدول الأفريقية للثقافات الأفريقية خصوصاً المصرية التي تعتبر أقدم وأهم حضارة على مر التاريخ، وهو ما دفع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية للإعلان عن إنتاج فيلم وثائقى عن «الملكة كليوباترا على قناة الوثائقية فى ظل اهتمام الدولة بتاريخ مصروالحضارة الفرعونية، وحمايته من محاولات من محاولات السطووالسرقة المتعمدة من قبل دول وجهات تسعى لنسب كفاح الشعب المصري لها.
إن زيارة مجموعة من «الأفروسينتريك» للمتحف المصري بالقاهرة قبل أيام زاد من الجدل بشأن أفكار هذه الحركة التي تدعي أن أصول الحضارة المصرية القديمة أفريقية، وتتعصب للعرق من ذوي البشرة السوداء، وأدى نشرصورالزيارة عبر وسائل الإعلام إلى اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي ورفضها لهذه الزيارة التي تكرس لأفكار هذه الحركة التي تروج لأفكارهم التي تسعى إلى نسب الحضارة المصرية للأفارقة ذوي البشرة السوداء، فيما أكد آثاريون أن إدعاءات ومزاعم «الأفروسينتريك»غير صحيحة واعتبروها «مجرد تخاريف»، فيما طالب مستخدمون لـ«السوشيال ميديا» بضرورة تكثيف الرقابة على المواقع الأثرية ومنع هذه المجموعة ومن يتبنون أفكارها من استغلال تلك المواقع بشكل سيئ، خصوصاً أن هذه الحركة تدعي تفوق العرق الأسود، ويستعينون بعدد من المفكرين والأكاديميين في الولايات المتحدة وأوروبا من أصول أفريقية يخططون لربط الحضارة المصرية القديمة بالعرق الأسود الأفريقي، وهو ما اَثار الغضب بين علماء الاَثاروالمواطنين خصوصاً من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والجهات الشعبية والرسمية في مصر، وأصدرعالم الآثار الدكتور زاهي حواس بياناً قال فيه إن أفكار هذه المجموعة حول الأصول الأفريقية السوداء للحضارة المصرية «مجرد تخاريف»، مؤيداً ذلك بالأدلة والبراهين التاريخية.
محاولات سرقة تاريخ مصرلا تتوقف على الاَثارالمصرية بل إمتدت إلى سرقة لوحات فنية من المتاحف فضلاً عن سرقة الإنتاج الفني خصوصاً الأفلام المصرية من خلال قنوات تبث من دول أخرى، ما أسهم في تراجع صناعة السينما المصرية التي تعتبرالقوة الناعمة لمصر، والتي باتت تعاني من سرقة الأفلام منذ فترة من خلال القرصنة التي تعتبر انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية للمبدعين المصريين فضلاً عن عرضها على المواقع الإلكترونية المختلفة منذ اليوم الأول لعرضها، ويقيني أن السينما المصرية تعيش في أزمة كبيرة إذ لا تمتلك حالياً سوى 300 فيلم من أصل نحو 5000 فيلم تم إنتاجها طوال تاريخها الفني، إذ عمد أصحاب شركات وأشخاص مصريين إلى الاستيلاء على الإنتاج الفني خصوصاً السينمائي وبيعه إلى دول وشركات خارج مصر ووصل الأمر إلى بيع عدد من هذه الأفلام إلى شركات إسرائيلية دون أن تتدخل الدولة للحفاظ على القوة الناعمة وتاريخ مصرالفني الذي لا يقل أهمية عن الاَثار المصرية.
والسؤال الاًن من باع تراث مصرالسينمائي لقنوات عربية لتحتكر هذه الأفلام وتعرضها دون أن تمتلك مصر نيجاتيف لهذه الأفلام أونسخاً لعرضها في القنوات المصرية؟، إذ تعرض قنوات عربية مئات الأفلام خصوصاً «الأبيض والأسود» المهمة فى تاريخ السينما المصرية التي تم تهريبها من مصر،ما يضطرالجمهورلمشاهدة هذه القنوات لعدم عرضها على القنوات المصرية، رغم أن كل هذه الأفلام من إنتاج السينما المصرية وقنواتنا أحق من غيرها بعرضها، لكن تراث السينما المصرية ذهب في ظروف «ليست غامضة» لهذه القنوات التي تحقق نسبة مشاهدات عالية فضلاً عن تحقيق أرباح هائلة من عائد الإعلانات التي تكون مصرية أيضاً دون أن تسفيد القنوات المصرية من إذاعة هذه الأفلام التي تعتبر ملكاً لها دون غيرها أوالإعلانات التي تدر عائداً مالياً كبيراً، ولا ننسى أن فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، أعلن منذ سنوات عن تأسيس أرشيف للسينما المصرية يليق بصناعة السينما التى يتجاوز عمرها المائة عام، من خلال التعاون المصرى الفرنسى فى هذا المجال وكيفية الاستفادة منه فى المشروع، الذى يتم تنفيذه فى إطار اتفاقية التعاون السينمائى بين الجانبين المصرى ممثلاً فى المركز القومى للسينما والفرنسى ممثلا فى المركز الوطنى للسينما الفرنسى، عام 2010 لكن هذا المشروع وما تبعه من محاولات خجولة لم تتم رغم أهميتها القصوى للحفاظ على قوة مصرالناعمة، وطبعاً الإجابة عن السؤال معروفة للجميع، إذ إن شركات للإنتاج الفني يمتلكها أشخاص مشهورين بعضهم يعمل في قنوات مصرية حتى الاَن باع تراث مصرالفني لشركات خارجية من أجل المال وحرم مصرمن إبداعها الذي يرسم صورة فنية لتاريخها وكفاح شعبها على مدى مائة عام من العمل والكفاح ومقاومة الاستعمار والتضحيات من أجل بناءمصر الحديثة.
وأقول لكم، إن نحو 85% من الإنتاج السينمائي المصري تم بيعه إلى قنوات غير مصرية، في ظل غياب مشروع للحفاظ على تراث مصرالفني وقوتها الناعمة، وتالياً فأن الأجيال المقبلة لن تشاهد هذه الأعمال التي تسجل كفاح الاَباء والأجداد من خلال أعمال فنية بعد أن فقد باعة التاريخ ضمائرهم حتى نيجاتيف هذه الأفلام للقنوات الفضائية الخارجية التي دفعت لهم بسخاء لحرمان مصر من تاريخها، وظني أنه قد اًن الاًوان لتهتم الدولة بتراثها الفني من خلال إحياء مشروع أرشيف السينما المصرية، وهذا يستلزم استرداد أصول النيجاتيف الخاصة بالأعمال الفنية التى تم بيعها بطريقة غير قانونية لأن هذه الأفلام والنيجاتيف الخاص بها ملك للدولة المصرية وليس لشركات أو أشخاص لأن القانون لا يسمح ببيع النيجاتيف مدى الحياة إذ تمتلك مصر حالياً 300 فيلم فقط من تراثها السينمائي الذي يضم نحو 500 فيلم، ولذا حان الوقت لإحياء مشروع أرشفة السينما المصرية بأشراف وزارة الاستثمار، بعد أن توقف ما يزيد على 20عاماً من خلال الاتفاقية التى عقدت مع فرنسا عام 2010 تحت اسم «سينماتيك» لإعادة هيكلة التاريخ القومى للسينما، وتأسيس أرشيف قومى يجمع كل الأفلام التي أنتجتها السينما طوال مائة عام بما فيها الأفلام المسروقة والتي تؤرخ لكفاح الشعب المصري طوال هذه السنوات وتعتبر ذاكرة للأمة وشبابها لتنقل له كيف ناضل هذا الشعب كل هذه السنوات ليحصل على حريته ويبني وطنه على أسس حديثه.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yah00.com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف