الجمهورية
احمد الشامى
أقول لكم «هل نضجت صفقة وقف اطلاق النار في غزة ؟»
«هل نضجت صفقة وقف اطلاق النار في غزة ؟»

«صفقة التبادل نضجت»، بهذه العبارة روج مسئولون إسرائيليون لما وصفوه بالتوصل إلى التفاصيل الكاملة لصفقة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس برعاية الوسطاء وتم الاتفاق عليها وأصبحت جاهزة للتوقيع وأنّ إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهوعن بدء تنفيذها بات وشيكاً، إذ يعتمد فقط على التوقيت السياسي المناسب له، وجاءت هذه التصريحات رغم عدم إعلان حماس والوسطاء مصروقطروأمريكا التوصل إلى اتفاق، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت أكد أن «الظروف نضجت لاتمام صفقة تبادل الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة من خلال المفاوضات الجارية عبر الوسطاء»، وهو ما حاول نتانياهو ترويجه منذ وصوله إلى أمريكا لتخفيف الضغوط عليه وسط توقعات إنّ الوزيرين إيتمار بن غفيروبتسلئيل سموتريش لن يتعجّلا الانسحاب من الحكومة لحلها في حال إبرامها، كما أن عطلة الكنيست التي تقترب مع بدء شهرأغسطس المقبل قد تساعد نتنياهو على الإعلان عن الصفقة في حال تمت، وبالتالي لا يوجد سبب يدعو بن غفير أوسموتريش إلى مغادرة الحكومة ويأمل نتنياهوالذي يزورأمريكا حالياً لوصول ترامب إلى البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبرالمقبل، إذ يعتبرأحد الأهداف التي يرغب في تحقيقها، أثتاء زيارته إلى الولايات المتحدة،هوالتصالح مع ترامب ودعمه خصوصاً أنه يتصدّر السباق الرئاسي، وظني أنه عندما يدخل الكنيست في عطلة مع بداية شهرأغسطس المقبل، سيكون من المستحيل إسقاط الحكومة، وتصبح معارضة أحزاب اليمين المتطرفة في الائتلاف للصفقة، مثل القوة اليهودية بزعامة بن غفير، والصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش، أقل أهمية لأنهما لن يتمكنا من الانسحاب من الحكومة في غياب الكنيست، مع وعود من زعيم المعارضة الإسرائيلية يائيرلابيد بأن حزبه سيدعم الصفقة في حال انسحاب بن غفيروسموتريش من الائتلاف الحاكم بزعامة نتانياهو، فهل نضجت الصفقة بالفعل أم أنها مجرد دعاية لنتاياهو أثناء وجوده بالولايات المتحدة، خصوصاً أنه أجل سفر وفد التفاوض الإسرائيلي إلى الدوحة من اليوم إلى موعد اَخر.
في الكونجرس وقف نتانياهو يلقى خطاباً قاطعة 50 عضواً في الحزب الديمقراطي، لمطالبة الولايات المتحدة باستمرارالدعم المالي والعسكري والاقتصادي، وهي المرة الرابعة التي يلقي فيها خطاباً أمام الكونجرس، وقال نتنياهو في كلمته التي تفاعل معها الحاضرون بالتصفيق الذي لم يتوقف:«القتال في غزة مستمر حتى تحقيق النصر الشامل»، وكأنه ينسف مفاوضات التهدئة التي استمرت تسعة أشهر، ويبدو أن الحديث عن أن الصفقة نضجت محاولة لتخفيف الضغوط عليه أثناء زيارته للولايات المتحدة، مضيفاً «يمكن وقف الحرب الاَن إذا استسلمت حماس وسلمت الرهائن»، والسؤال هل تستلم المقاومة بعد تسعة أشهر من القتال وسقوط 40 ألف شهيد من الأطفال والنساء دون مقابل؟، وواصل نتانياهو حديثه أمام الكونجرس: «نحن أمام مفترق طرق تاريخي، الشرق الأوسط يغلي، محورالشر بقيادة إيران في مواجهة أمريكا وإسرائيل وأصدقائنا العرب، هذا ليس صراع حضارات، هذا صراع بين البربرية والحضارة، ومن أجل أن تنتصر قوى الحضارة، يجب أن تقف أمريكا وإسرائيل معاً»، وأرى أنه يطالب الادارة الأمريكية الحالية والمقبلة بعد الانتخابات بمزيد من الدعم، زاعماً أنه يدافع عن أمريكا وهو بذلك يخاطب المواطنين الأمريكيين الذين لا يعرفون شيئاً عن تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط لحثهم للضغط على الإدارة الحالية والمقبلة بعد الانتخابات بأن لا يتوقف توريد السلاح لبلاده، كما دعا نتنياهو إلى غزة «منزوعة السلاح وخالية من المتطرفين» بعد انتهاء الحرب، قائلاً: «بعد انتصارنا، بمساعدة شركائنا الإقليميين، فإن غزة منزوعة السلاح وخالية من المتطرفين يمكن أيضاً أن تفضي إلى مستقبل من الأمن والازدهار والسلام، تلك هي رؤيتي حيال غزة، وأن بلاده لن تقبل بأقل من النصر الكامل في حربها في قطاع غزة»، وأرى أنهم يحتفلون بنصرزائف على أطفال ونساء غزة الذين دفعوا ثمن الدعم الأمريكي غيرالمسبوق 40 ألف شهيد وعشرات الاًلاف من المصابين.
الغريب أن نتانياهو أكد أنه يجب أن تكون هناك إدارة مدنية فلسطينية في غزة لا تسعى إلى تدمير إسرائيل»، وأبدى ثقته بأن الجهود التي تبذل من أجل الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة «حماس» مستمرة، مضيفاً: «أنا واثق بأن هذه الجهود يمكن أن تنجح، بعضها يبذل الآن»، ويبدو أن نتانياهو نسى وهو يلقي خطابه الدعائي حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في أرضه وحقه في إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 حتى تصل إسرائيل إلى سلام دائم، إذ ليس من المنطق أن يطالب حماس بالاستسلام وإلقاء السلاح ليحتفل بالنصرالمطلق دون أن يحقق الشعب الفلسطيني الصامد على أي مكاسب من هذه الحرب التي استمرت تسعة أشهراستشهد خلالها 40 ألف طفل وإمرأة، كما أن حديثه عن إدارة فلسطينية لغزة تابعة لإسرائيل بعد الحرب ينسف جهود المصالحة الفلسطينية بين جميع الفصائل وموافقتها على حكومة وفاق وطني وهو أمرلا يمكن قبوله، الغريب أن نتانياهو خاطب الكونجرس قائلاً "خلال الحرب العالمية الثانية، قال تشرشل للولايات المتحدة: "أعطونا الأدوات، وسوف نقوم بالمهمة، وأنا أقول، أعطونا الأدوات وسننهي المهمة ( الحرب) بشكل أسرع بكثير"، إنها رغبة في استمرارالحرب في غزة وإلقاء الكرة في الملعب الأمريكي فهل تستجيب له وتوافقه على استمرارنزيف الدم أم تضغط عليه وتطالبه بوقف الحرب غيرالمتكافئة.
في مفاجأة زلزلت العالم منذ أيام وقبل أقل من أربعة أشهرعلى الاستحقاق الرئاسي الأمريكي، قررالرئيس جو بايدن الانسحاب من الانتخابات الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبرالمقبل، بعد أن فقد أقرانه الديمقراطيون الثقة في قدرته البدنية والعقلية على التغلب على المرشح الجمهوري دونالد ترامب وأكد بايدن دعمه لنائبته كامالا هاريس لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الاَن هل أجبرت «الدولة العميقة الأمريكية» بايدن على الانسحاب من السباق الرئاسي؟ الظاهر من الأخبار والتحليلات في الإعلام العالمي خصوصاً الأمريكي يؤكد أنه إتخذ القرار بإرادته، وأرى أن ذلك غيرصحيح لأن حالة بايدن الصحية كما كانت قبل أربع سنوات عندما لقى دعماً كبيراً للترشح والفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن ما حدث أن سياسية بايدن داخلياً وخارجياً طوال فترة حكمه التي قاربت الأربع سنوات أنهكت أمريكا والعالم كله، فقد كان سبباً جوهرياً في اندلاع حرب أوكرانيا التي تهدد أمن أوروبا ولم يسعى منذ تفجرها في 24 فبراير 2022 إلى تحقيق السلام بين الدولتين بل قدم دعماً مالياً وعسكرياً لأوكرانيا أنهك الاقتصاد الأمريكي كما طالب دول أوروبا خصوصاً أعضاء حلف الناتوبدعم عسكري ومالي لكييف ما أرهق الاقتصاد الأمريكي والأوروبي وهدد باندلاع حرب نووية، كما قدم بايدن دعماً غير مسبوق لإسرائيل في حربها لقتل نساء وأطفال غزة ولم يكن جاداً في وقف نزيف دماء الحرب التي توسعت إلى لبنان واليمن، وهو ما يمكن قراءته في منشور انسحاب بايدن على منصة إكس الذي قال فيه «هذا من أجل مصلحة حزبي وبلدي، أن أتنحى وأركز فقط على الوفاء بواجباتي كرئيس خلال الفترة المتبقية من ولايتي».
يظهرمن قراءة المشهد في بدايته أن بايدن استسلم للضغوط من داخل حزبه مع تزايد عدد المشرعين " المندوبين" والمانحين الذين طالبوه بالتنحي على مدار الأيام القليلة الماضية، لكن أرى أن قرارالانسحاب ليس لأسباب صحية بل أنه جاء نتيجة ضغوط من «الولايات الأمريكية العميقة جداً»، التي ترى أن فترة رئاسة بايدن التي تقترب من الأربع سنوات شهدت حروباً وصراعات وتوترات دولية لم تحدث في العالم منذ سنوات عديدة ما أدى إلى تضررغالبية دول العالم خصوصاً الاقتصادات الناشئة، وكان ذلك بسبب تدخل الولايات المتحدة غير المدروس في هذه الصراعات التي بدأت بالحرب الروسية الأوكرانية، إذ قدم بايدن دعماً عسكرياً ومالياً كبيراً لأوكرانيا وصل إلى حد التهديد بتدخل حلف الأطلنطي في الصراع واستخدام أسلحة نووية ضد روسيا، وبعدها تأجيج التوتربين الصين وتايوان وتحويل الحرب بين واشنطن وبكين من اقتصادية إلى سياسية وعسكرية، فضلاً عن الدعم المتناهي لإسرائيل في حربها على نساء وأطفال فلسطين ما أدى لاستشهاد عشرات الاَلاف من الأبرياء ورفض نتانياهولكافة محاولات التهدئة وتبادل الأسرى دون تدخل من بايدن الذي فقد مصداقيته ووضع بلاده في موقف حرج أمام العالم، إذ تطالب الجميع باحترام حقوق الإنسان فيما هي تشجع على قتل الأبرياء في فلسطين، كما أدت حرب غزة لإندلاع الصراع في البحر الأحمر واليمن وتوقف الملاحة في باب المندب وتضرر قناة السويس بعد تدخل الحوثيين على خط الأزمة، كما زاد التوترفي جنوب لبنان بما ينذربتوسيع القتال إلى حرب إقليمية وقد تتحول إلى حرب عالمية.
كل هذه الأسباب وغيرها خصوصاً التوترات الاقتصادية التي زادت في العالم بسبب رفع البنك الفيدرالي الأمريكي الفائدة على الدولارإلى مستويات قياسية جعلت العديد من دول العالم تعاني من أزمات اقتصادية عصفت باستقراربعضها ولم تقف في وجه العواصف الأمريكية سوى الاقتصادات الكبرى التي كان تأثرها أقل بالقرارات السياسية والاقتصادية لبايدن الذي فقد دعم ما لا يقل عن 30 عضواً في مجلس النواب، وثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وعدد من كبار المتبرعين للحزب الديمقراطي، ومن بينهم الممثل جورج كلوني، ولذا طالبوه بالإعلان عن عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة، في الوقت الذي أشارت عدة استطلاعات الرأي منذ المناظرة، إلى أن ترامب ربما يتقدم في ولايات رئيسية، وحتى الواحد والعشرين من يوليو كان بايدن يواصل إصراره على بقائه في السباق الرئاسي، كما استغل ظهوره في عدد من الفعاليات الانتخابية ومؤتمرصحفي لمدة ساعة في حلف شمال الأطلسي بأمريكا للتأكيد على قدرته الذهنية والصحية على الترشح، إلا أن كل ذلك لم يشفع له بالاستمرارفي السباق للأسباب التي ذكرتها رغم حصول بايدن على دعم جميع غالبية النواب الديمقراطيين للترشح قبل أن تفاقم الأحداث العالمية وعدم قدرة بايدن على إيقاف نزيف الحرب في غزة ووقف اًلة الحرب التي تقتل الأطفال والنساء ما أفقد الولايات المتحدة قدرتها على التأثيرعلى حلفائها، الاَن سارالطريق مفتوحاً أمام كامالا هاريس نائبة بايدن للترشح في مؤتمر الحزب المقبل في السابع من أغسطس المقبل لفوز بأغلبية الأصوات فضلاً عن دعم مئات النواب في التصويت لإحداث تغيير في العملية الانتخابية، إذ لم يحدث انسحاب رئيس أمريكي من السباق الانتخابي خلال النصف القرن الماضي من الانتخابات التمهيدية التنافسية وهو ما يؤشر إلى أن بايدن أجبر على عدم الترشح ولم يكن ذلك لأسباب صحية أوالخوف من قدرات بايدن الإنتخابية.
وتعد هاريس، خياراً واضحاً وتحظى بشعبية متزايدة داخل الحزب لتحل محل بايدن، وباعتبارها نائبة له، أصبحت وجه حملة الإدارة، بعد أن أثبتت أنها حليف مخلص للرئيس بايدن ودافعت بشدة عن أدائه في المناظرة مع ترامب وبعدها، أقرت بأن الرئيس كان لديه "بداية بطيئة" لكنها قالت إنه استمر في تقديم إجابات أكثر موضوعية من ترامب قبل أن يعلن بايدن انسحابه، وتحظى هاريس بشهرة واسعة بسبب كونها نائبة الرئيس، لكنها تعاني من نسب توافق منخفضة تجاهها طوال فترة عملها، وبحسب 51% من الأمريكيين فإنهم لا يؤيدون هاريس، بينما 37% يؤيدونها، وفقاً لمعدلات الاستطلاع التي يتبعها الموقع الإلكتروني الأمريكي FiveThirtyEight، المختص بتحليل البيانات والتقارير الإحصائية، فيما أشاد باراك أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق، بقرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي وقال أوباما، إن الخطوة تشكل دليلاً على حب البلاد، لكنه حذر من آفاق مجهولة في المسار نحو استحقاق الخامس من نوفمبر، وبعد اتصالات مكثفة من هاريس أكدت أنها استطاعت الحصول على العدد الكافي من تأييد المندوبين لنيل ترشح الحزب الديمقراطي في الإنتخابات المقبلة.
وأقول لكم، إن إعلان حركتي «فتح»، و«حماس» و12 فصيلاً فلسطينياً، في العاصمة الصينية بكين قبل أيام، جاء ليؤكد اتفاق على المصالحة يقضي بتحقيق «الوحدة الوطنية» في إطار «منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل «حكومة موحدة» بعد الحرب وفق وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بعد توقيع الاتفاق، الذي أكد أن أهم بند هي الاتفاق على تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة تعمل في ملف ما بعد الحرب، وأرى أن هذا الاتفاق يرسخ شرعية السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ورغبة حماس في البقاء بالصورة بعد أن تضع حرب غزة أوزارها في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل عزل محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية واستبداله بقيادة جديدة، فيما تسعى حماس إلى البقاء سياسياً من خلال المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية بعد أن أصبح استمرارها في حكم القطاع بعد الحرب مستحيلاً، ولذا وافقت على الانضمام لحكومة وحدة وطنية إلى حين إجراء إنتخابات، وباتت حكومة الوحدة الوطنية حلاً لكل الأطراف للخروج على الأقل من مأزق الحرب على أن يتم ترتيب الأوضاع لاحقاً في حال التوصل إلى هدنة تتضمن إنسحاب إسرائيل من القطاع وبدء الإعماروعودة النازحين إلى مساكنهم في كافة مناطق القطاع خصوصاً في الشمال.

أحمد الشامي
Aalshamy6610@yah00.com
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف