احمد الشامى
أقول لكم «معركة الخطأ البشري في السكك الحديد..وحرب البيجرفي التعليم»
«معركة الخطأ البشري في السكك الحديد..وحرب البيجرفي التعليم»
كنا نظن أن حوادث القطارات في مصر وصلت إلى محطتها الأخيرة بعد إنفاق عشرات المليارات من الجنيهات على تطويرمنظومة السكك الحديد، لكن يبدو أن هناك حلقة غيرقابلة للتحديث في هذه المنظومة والتي تتسبب في هذه الكوارث منذ عشرات السنين وهي العنصرالبشري والتي تتكون من عمال التحويلة والسائقين وموظفي برج المراقبة والموظفين غير القادرين على استيعاب التطوير الذي تشهده منظومة القطارات، نتيجة تدني مستوي تعليمهم لأن بعضعم لا يعرف القراءة أو الكتابة، واَخرون حاصلين على الإبتدائية أوالأعدادية ودبلوم فني على أقصى تقدير، إذ كشفت تحقيقات نيابة الزقازيق في حادث تصادم قطاري الشرقية السبت الماضي تورط 6 متهمين، ما أسفر عن وفاة 4 أشخاص، وإصابة نحو 50 آخرين، وهم 5 من عمال في «برج المراقبة»، إضافة إلى عامل التحويلة، وأصدرت النيابة قراراً بحبسهم على ذمة التحقيق، كما أحالت جميع الموظفين للطب الشرعي لإجراء التحاليل الطبية اللازمة لبيان مدى تعاطيهم مواد مخدرة من عدمه، ما يؤكد أن ما حدث من تطويركان في الاَلات وبعض العاملين خارج مسارالسكك الحديدعن طريق استيراد قطارات جديدة فضلاً عن تطويرمنظومة الإشارات، لكن يظل العنصرالبشري المكلف بإدارة خطوط القطارات غيرقابل للتطوير بسبب تدني مستواه العلمي حتى صار الـ «الخطأ البشري»، عنواناً لجميع حوادث القطارات خلال عشرات السنين دون تفكير في تغييرهذا العنصر واستبداله بعناصر أكثر علماً وكفاءة إذ وصلنا إلى مرحلة التغيير قبل التطوير أي استبدال العناصرالبشرية الحالية من عمال تحويلة وسائقين وبرج مراقبة وموظفين بأخرى أكثر كفاءة وقدرة على استيعاب التحديث لكن كيف يتم ذلك؟
لم يعد أمام الحكومة ومسئولي وزارة النقل سوى تنفيذ إستراتيجية تغييرالعنصرالبشري وتأهيله بعد أن أصبح أولوية ولذا فقد وصلنا إلى معركة الخطأ البشري في السكك الحديد وهي مرحلة نكون أو لا نكون، ويكون ذلك من خلال استبدال هؤلاء العمال والسائقين والموظفين الذين يتسمون بقلة الكفاءة والخبرة وعدم القدرة على التطور، بخريجي كليات الهندسة من الأقسام المتخصصة في هذا المجال مثل الميكانيكا والقوى الكهربائية، على أن يعمل هؤلاء الخريجين فورتخرجهم وقبولهم للعمل بالهيئة في هذه المهن بعد تغييرالمسمى الوظيفي لها إلى «مهندس تحويلة بدلاً من عامل تحويلة، ومهند س قطار بدلاً من سائق قطار، فضلاً عن مهندس برج مراقبة»، على أن يحصل هؤلاء المهندسين على رواتب عادلة والدرجات الوظيفية نفسها التي يحصل عليها المهندسين في قطاعات أخري بالهيئة أو خارجها ولا تزيد فترة عملهم في هذه القطاعات الثلاثة عن 15 عاماً أي 5 سنوات في كل مجال، وبعدها ينتقل للعمل في قطاعات أخرى حسب إحتياجات وتكليفات الهيئة ويصبح الطريق مفتوحاً أمامهم للوصول إلى أعلى الدرجات الوظيفية ومن بينها مقعد رئيس الهيئة مثل أقرانهم ممن لا يعملون في هذه المجالات الثلاثة، ويقيني أن خريجي كليات الهندسة لن يرفضوا العمل في هذه المجالات بل ستزيدهم خبرة وكفاءة وقدرة على التعامل مع كل هذه المشكلات ويصبحون أكثر تميزاً من غيرهم الذين لم يعملوا في هذه المسارات، كما يستلزم ذلك إنشاء قسم حديث في كليات الهندسة تحت مسمى «قسم هندسة المواصلات والإلكترونيات»، على غرار قسم هندسة الاتصالات، بعد أن توسعت مصر في إنشاء خطوط القطارات والمترو بطول اًلاف الكيلو مترات تربط بين غالبية محافظات مصرتنفق عليها مليارات الدولات وأصبح لزاماً على الدولة عدم ترك مساحة للخطأ سواء من العنصر البشري أوغيره، لتجنب حدوث مثل هذه الكوارث التي تكلف الدولة خسائرمالية بالملايين فضلاً عن الخسائر البشرية التي تترك ألماً وحسرة في نفوس المصريين رغم عملية التطويرالتي تشهدها منظومة السكك الحديد، التي قللت الحوادث ولم تنجح حتى الاَن في منعها وفق بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» الصادرة في مارس الماضي، التي ذكرت أن حوادث القطارات شهدت خلال 2023 انخفاضاً بنسبة 78.2 في المائة، مع تسجيل نحو 181 حادثاً، في مقابل 831 حادثاً عام 2022.
تحرص وزارة النقل على تنفيذ خطة تطويرالسكك الحديد التي تتمثل في تطوير الإشارات والقطارات، وتحسن الانضباط في مواعيد القطارات، إضافة لتحسين الخدمة المقدمة للمواطنين، لكن يظل الخطأ البشري الذي يقع من العمال والسائقين والموظفين حائلاً دون توقف هذه الحوادث أو وصولها إلى المعدل العالمي بسبب عدم التزامهم بتفاصيل عملهم لتدني مستوى تعليمهم، وتستهدف استراتيجيات إدارة التغييرالتغلب على مقاومة التغيير، إذ توجد أربعة أسباب لمقاومة التغييرهي التعود على الجُمود، وعدم الرغبة في بذل الجهد، والعاطفة البشرية، والحرية النابعة من الشعور بالاستقلالية، لكن لم يعد أمام وزارة النقل سوى فرض إرادة التغييربالهيئة للاستعانة بشباب متعلم من خريجي كليات الهندسة قادرعلى التطور وقبول التحديث الذي تسعى الهيئة ليكون عنواناً لها خلال السنوات المقبلة، إذ إن تقديم نظام برمجي جديد عبر الهيئة لابد أن يتضمن تنفيذ إستراتيجية التغيير، وإعداد موظفين جدد دارسين للتحول وتقديم برامج حديثة للتدريب فضلاً عن تقديم الدعم الكافي أثناء الفترة الانتقالية لتقليل الأزمات لتكون عملية الانتقال سلسة.
عام دراسي جديد ينطلق يوم السبت المقبل وسط تحديات إقليمية خارجية، وقرارات جديدة أصدرها وزيرالتربية والتعليم محمد عبداللطيف،أصابت مسئولي بعض المدارس بالارتباك على اعتبارأن الوقت لم يكن كافياً لتنفيذها قبل بدء العالم الدراسى، ما جعل البعض يردد المثل الشعبي المصري«الغربال الجديد له شدة»، معتقداً أن هذه القرارات قد يتم إلغاؤهاً مع مرورالوقت ويعود الوضع إلى ما كان عليه قبل صدورها، وإذا حاولنا قراءة هذه القرارات لمعرفة مضمونها وكيفية تنفيذها ونتائجها، نجد أن البعض يتساءل هل هذه القرارات «غربالية أي انفعالية» لأنها صدرت من الوزيربعد توليه المسئولية بفترة وجيزة وفق العواطف فقط وبعيدة عن المنطق نتيجة الضغوط التي تعرض لها، أم إصلاحية تستهدف صالح العملية التعليمية وهناك ضرورة لها؟، أرى أن كل أوعلى الأقل غالبية هذه القرارات تستهدف إصلاح التعليم وجاءت في الوقت المناسب من وزيرلدية رؤية شخصية تدعمها الخبرة وإستراتيجية وطنية ستستمرسنوات تسعى إلى الوصول بالتعليم المصري إلى العالمية.
من بين هذه القرارات التي صدرت أخيراً إعلان وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، خروج اللغة الأجنبية الثانية من المجموع الكلي، في الثانوية العامة وتخفيض المواد الدارسية في المرحلة الثانوية الى 5 مواد دراسية مضافة الى المجموع ، ليصبح المجموع الكلي لـ الثانوية العامة 2025 هو 320 درجة بدلاً من 410 درجات، وأرى أن اللغة الأجنبية الثانية مهمة وكان يتعين استمرارإضافتها إلى المجموع الكلي، ويصبح البديل هو خروج اللغة العربية من المجموع في المرحلة الثانوية إذ لم تعد إن وأخواتها والنحو والصرف والبلاغة وغيرهم من عناصر تدريس اللغة العربية مهمة في وقت تسود فيه العالم ثلاث لغات هي الإنجليزية التي صارت لغة العالم المتقدم إضافة إلى الفرنسية والألمانية، وباتت الصناعات التكنولوجية عنواناً للدول المتقدمة في العالم، إذ لا تدرس علوم أورياضيات حديثة باللغة العربية، وشاهدنا كيف أصبحت التكنولوجيا أهم أسلحة المعارك، إذ تمكنت إسرائيل من قتل تسعة أشخاص وإصابة نحو ثلاثة اَلاف شخص في لبنان عن طريق تفجير أجهزة بيجر، وهو جهاز اتصال لاسلكي صغير كان يُستخدم بشكل شائع قبل انتشار الهواتف المحمولة لإرسال واستقبال رسائل نصية قصيرة أو تنبيهات، فيما وصفه البعض بأنه أحد أنواع الحرب الشاملة ولذا بات من الضروري الاهتمام بتعليم اللغات خصوصاً الإنجليزية في جميع مراحل التعليم من الإبتدائي حتى الثانوي حتى نكون قادرين على تجهيز جيل جديد قادرعلى مواجهة هذه التحديات بعد أن أهملت الدولة تعليمها بعد ثورة يوليو ظناً منها أنها تطمس الهوية بينما الدول التي اهتمت بها مثل الصين والهند وكوريا ودول شرق اَسيا وبعض الدول الأفريقية التي اهتمت باللغتين الإنجليزية والفرنسية سارت سريعاً في طريق التنمية، ولذا فقد تسببت حرب البيجر في مطالبة وزارة التربية والتعليم بإعادة النظر في قرارخروج اللغة الأجنبية الثانية من المجموع وإعادتها مقابل خروج اللغة العربية.
تعديل الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2024 - 2025 من بين القرارات التي أصدرها الوزير وتتضمن زيادة الفترة الفعلية للتدريس من 23 أسبوعاً إلى 31 أسبوعاً أثناء العام الدراسي، فضلاً عن زيادة المدة للحصة بمقدار 5 دقائق، ووفق وجهة نظرالوزير فأن هذه القرارات سترفع من قدرة التدريس بنسبة 33%، وتسهم في تنفيذ الخطة الدراسية بما فيها من تعليم نشط، وهوما يجعلنا ندعمها طالما ستعود بالنفع على العملية التعليمية نتيجة زيادة زمن الحصة وأيام الدراسة طوال العام وهو ما يؤدي حتماً إلى زيادة فترة تعليم الطلاب وإعطاء وقت للمناقشة بين المُعلم والطالب، ووفقاً للخريطة الزمنية، التي أعلنها الوزيربدء العام الدراسي الجديد يوم السبت 21 سبتمبر 2024، والانتهاء الخميس 5 يونيو 2025، ما يؤكد أن الوزارة حريصة على وضع خريطة طريق لموعد بدء وانتهاء العام الدراسي باليوم والساعة حتى يكون كل مشارك في العملية التعليمية لديه خطة واضحة بما هو مطلوب منه طوال العام الدراسي، وجاء إصدار الوزيرقراراً بإلزام المدارس التي تدرس مناهج دولية أو أجنبية بضرورة تدريس اللغة العربية والتربية الدينية من الصف الأول حتى الثالث أوما يعادلهما، فضلاً عن تدريس اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والدين من الصفوف الرابع حتى التاسع وفق منهج المدارس الرسمية، مع إضافة 10% نسبة داخل المجموع الكلي للطالب في المادتين الأولى والثانية، ويقيني أن إلزام المدارس التي تدرس المناهج الدولية والأجنبية بتدريس اللغة العربية والدين والدراسات الاجتماعية يعتبرإضافة قوية لتطويرفكرالطلاب حتي يزداد إرتباطاً بالمجتمع والبيئة التي يعيش فيها وهي قرارات تأخرت كثيراً لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.
ومن أهم القرارات التي أصدرها وزير التعليم استبدال مسمى مجموعات الدعم المدرسي إلى مجموعات التقوية والدعم التعليمي، وأن تكون اختيارية في المواد الدراسية لجميع صفوف النقل والشهادتين الإعدادية والثانوية العامة بهدف تحسين المستوى لمن يرغب من الطلاب بتلك المواد، وذلك بمقابل مالي مناسب، على أن تبدأ من أول يوم دراسي، وفي غير مواعيد الدراسة النظامية، على أن تحدد إدارة المدرسة موعد بدء ونهاية مجموعات التقوية والدعم التعليمي لكل فصل دراسي، ولهذا القرارفوائد عدة أولها أنه يسهم في حال تنفيذه في غلق السناترالتعليمية بالقاهرة والمحافظات، بداية من العام الدراسي الجديد بمساعدة مسؤولي المحافظات لها، وتوقيع غرامات مالية وعينية على أي سناتر يتم ضبطها، إذ يعتبر القضاء على الدروس الخصوصية حلم الكثيرمن الأسرالمصرية، وكشف قرارالوزيرعن اتجاه الحكومة لغلق السناترالتعليمية للتخفيف عن الأسر المصرية من ناحية واستفادة الوزارة من عوائد هذه الدروس فضلاً عن ربطها بالعملية التعليمية واستفادة الطلاب منها، في الوقت الذي يطالب أولياء الأمور الحكومة بإتخاذ إجراءات رادعة ضد أصحاب السناتر حتى يتم القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية.
وأقول لكم، إن التعليم في مصريستهدف بناء الإنسان وزيادة الوعي حتى يصبح عنصراً فاعلاً وقادراً على خدمة وطنه والنهوض به بما يُعزّز قيم المواطنة لدى المصريين من خلال شعورهم بالانتماء،بما يسهم في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي المنشود وتعزيز القدرة على التنمية في المجالات كافة خصوصاً الصناعة والزراعة والتصديروتقليل الاستيراد، بما يوفر العملات الأجنبية اللازمة لبناء دولة جديدة قادرة على مواجهة التهديدات والمخاطرالتي تحاك ضدها، في ظل الظروف الصعبة التي يتعرض لها وطننا من جميع الاتجاهات والتي تحتاج إلى شعب يتسلح بالعلم حتي يكون قادراً على عبورهذه الأزمات، إذ يسهم التعليم في تعزيز الوعي والثقافة في المجتمع وتعزيزالتفاهم والتسامح بين أطياف المجتمع المختلفة بما يسهم في تنمية الاقتصاد ويؤدي إلى تحسين مستوى معيشة المصريين.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yah00. com