احمد الشامى
أقول لكم «إستراتيجية عربية لمواجهة الطموحات التوسعية الإسرائيلية»
«إستراتيجية عربية لمواجهة الطموحات التوسعية الإسرائيلية»
يخطئ من يتصورأن الحرب الدائرة حالياً في غزة وجنوب لبنان مجرد معركة عابرة ستنتهي قريباً لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، فالمتابع للأحداث منذ بدايتها في السابع من أكتوبرالعام الماضي يتأكد أن إسرائيل تخوضها بالوكالة عن الولايات المتحدة، تحت غطاء ما يُعرف بـ «حماية الأمن القومي الأمريكي»، ولذا يمكن القول إن واشنطن مستفيدة من استمرارها، وهي التي تقودها عسكرياً واستخبارتياً برؤية إسرائيلية على كافة الجبهات في غزة وجنوب لبنان واليمن وإيران، لإحياء مشروع «الشرق الأوسط الجديد» بطموحات إسرائيلية توسعية جديدة، ولا يخفى على أحد أن واشنطن لم تعد تديرالصراع من خلف الستار كما كان يحدث سابقاً بل أصبحت تفاخربالدعم الذي تقدمه لإسرائيل لمواصلة الحرب، ما يؤكد أنها طرفاً فيها لتحقيق أهداف إسرائيل في إبادة سكان غزة، والتهجيرالقسري لهم بعيداً عن موطنهم الأصلي، نتيجة العنف والتطهيرالعرقي والاضطهاد وتدميرالبنى التحتية، ومعنى ذلك أن واشنطن تخلت عن دورها وسيط السلام الذي تبنته سنوات طويلة عندما كانت الدول العربية متكاتفة وتقف أمام محاولات الهيمنة الأمريكية، بزعم أنها غيرقادرة على مطالبة إسرائيل بوقف الحرب، ما يؤكد أنها لم تعد وسيطاً محايداً يهدف إلى إقامة السلام في المنطقة لأن ذلك يعني المزيد من التنمية لدولها وفقدان واشنطن مواردها المالية من تصدير السلاح لدول الشرق الأوسط، وتالياً صارت شريكاً إستراتيجياً لإسرائيل دون النظرلرؤية حلفائها العرب بالمنطقة الذين يدعمون حل الدولتين وإنهاء الصراع في المنطقة التي تعاني من ويلات الحروب واَلامها منذ عام 1948 حتى الاَن، في ظل تهديد إسرائيلي بضرب إيران ما يمهد لدخول المنطقة في حرب واسعة النطاق، ولذا أرى أن الوقت حان للإعلان عن إستراتيجية عربية لمواجهة المخططات والطموحات التوسعية الإسرائيلية الجديدة في ظل حكومة يمنية متطرفة هدفها إقامة إسرائيل الكبرى.
من يصدق أن الإدارة الأمريكية غيرقادرة على إنهاء الحرب في غزة ولبنان بعد عام على هجمات 7 أكتوبرالعام الماضي ؟، لقد أًصبح الشرق الأوسط على حافة الهاوية نتيجة تصعيد الحرب المستمرمن جانب إسرائيل على غزة ولبنان وسوريا وإيران مروراً بالعراق واليمن، من دون أي بوادرحلحلة تلوح في الأفق الذي بات مظلماً لهذا الوضع الذي ينذربتوسعة المعركة وسط تهديدات إسرائيلية بضربة لإيران، في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيراً، أن القوات الأمريكية ستبقى في الشرق الأوسط لحماية مصالحها من الهجمات التي تقودها إيران، مضيفاً في رسالة بعثها إلى الكونجرس، أنه وجه بنشرنظام بطارية نظام الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية «ثاد» بعد وصولها إلى إسرائيل، موجهاً بتعزيزموقف أمريكا العسكري في الشرق الأوسط بناء على مسئولياته كقائد أعلى ووفق صلاحياته، ما يعني أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، ترفضان التأثيرعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لوقف التصعيد، إذ وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن هجوم إيران الصاروخي الأخيرعلى إسرائيل كان «أكثر عدوانية وقوة لكنه غير دقيق»، مشدداً على أن ردنا على إيران بسبب الهجوم الصاروخي الأسبوع الماضي سيكون «قاتلاً ودقيقاً ومفاجئاً»، ما يجعلنا نطرح السؤال الأهم هل أمريكا جادة في الخروج من الشرق الأوسط كما قال بايدن منذ توليه السلطة قبل أربع سنوات كما حدث في أفغانستان، أما أنها مصرة على تنفيذ سياستي ملء الفراغ والشرق الأوسط الجديد؟
الجواب جاء على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه وواضح أن الإستراتيجية التي كان بايدن ينتوي إتباعها تغيرت منذ 7 أكتوبر 2023 جذرياً، وأن ما زعمته الإدارة الإدارة عند إنسحابها من أفغانستان لم يكن سوى ذراً للرماد في العيون لأن من يحكم أمريكا هي «الدولة العميقة»، Deep state)) وتعني الدولة المتجذرة أو دولة داخل الدولة ويستخدم هذا التعبير لوصف أجهزة حكم غيرمنتخبة تتحكم بمصير الدولة كالجيش أوالمؤسسات البيروقراطية المدنية أوالأمنية أوالأحزاب الحاكمة، وتهدف إلى الحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم، يفترض بأن للدولة العميقة عناصر موجودة في مؤسسات ومفاصل الدولة المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، وتسنطيع هذه العناصرالتي تعمل صوب أهداف مشتركة من التأثير وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية وقراراتها السياسية، والدولة العميقة في الولايات المتحدة يتحكم فيها الجيش ووكالة الأمن المركزي واللوبيات وكباررجال الأعمال، لكن إدارة أمريكا لمنطقة الشرق الأوسط وإنحيازها لإسرائيل جعلها تفقد مصداقيتها لدى حلفائها الإستراتيجيين خصوصاً الدول العربية، إذ ترغب أمريكا في تنصيب إسرائيل زعيمة على المنطقة، لكن جاءت هجمات 7 أكتوبرلتغيرالمعادلة وتجد الولايات المتحدة نفسها أمام أزمة حقيقية لم تكن مستعدة لها، إذ كانت تعتقد أن إسرائيل قادرة على تحقيق المصالح الأمريكية بمفردها، ونسيت أن دولاً بالشرق الأوسط باتت مستعدة أكثر من أي وقت مضى للتعامل معها عسكرياً بعد أن بات السلاح متاحاً للجميع، وأن أكذوبة أن الجيش الإسرائيلي لا يقهرتحطمت على يد الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 وأن جماعات مقاومة صغيرة تضرب إسرائيل بالصواريخ مثلما يحدث حالياً من غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق وتسبب لها خسائر فادحة، ولذا فقدت واشنطن الرؤية لإحلال السلام في المنطقة من خلال ممارسة نفوذها على حلفائها الإقليميين خصوصاً إسرائيل رغم قدرتها على إنهاء الحرب الدائرة حالياً لكنها ترفض ذلك، وهنا يطرح سؤال عميق نفسه هل لازالت أمريكا تتمسك بسياستي ملء الفراغ، والشرق الأوسط الجديد؟
طرح الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد أيزنهاورالذي شغل المنصب من عام ( 1953 حتى 1961 ) مشروع ملء الفراغ عام 1957 خلال فترة حكمه للولايات المتحدة بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس وانسحاب بريطانيا منها ويقوم هذا المشروع على أربع ركائز، أولها إحلال النفوذ الأمريكي محل البريطاني والفرنسي، وحماية منابع النفط، ووقف الاتحاد السوفيتي وتمدد النفوذ الشيوعي في الشرق الأسط، وضمان أمن إسرائيل، وتعتبرسياسة ملء الفراغ أوسد الفراغ استعمارية وتبنتها الولايات المتحدة الأمريكية، ووظفتها بعد انسحاب القوى الاستعمارية التقليدية، وظهرت أثناء الحرب الباردة، وتهدف إلى بسط السيطرة الأمريكية على المناطق التي زال منها الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وأسيا والشرق الأوسط، بهدف حماية المصالح الاقتصادية للدول الرأسمالية أمام الزحف الشيوعي الذي يطالب بالمساواة، بعد ضعف وانسحاب القوى الاستعمارية التقليدية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا لملء الفراغ السياسي المتروك، قابلها الاتحاد السوفيتي بدعمه للحركات التحررية وتجسدت في فيتنام، ويبدو أن خبرة أيزنهاور العسكرية مكنته من تنفيذ هذه السياسية سنوات طويلة، إذ شغل منصب قائدعام في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية، وقائداً أعلى لقوات الحلفاء في أوروبا ومسؤولاً عن التخطيط والإشراف على غزو شمال أفريقيا في عملية أطلق عليها الشعلة في عامي 1942- 1943 وغزوالحلفاء الناجح لفرنسا وألمانيا في الجبهة الغربية عامي 1944-1945، وفي عام 1951، أصبح أول قائد أعلى لحلف الناتو، ويقيني أن ما جاء في خطاب بايدن الذي أرسله إلى الكونجرس أخيراً وأكد فيه عدم مغادرة الشرق الأوسط بزعم حماية المصالح الأمريكية يتفق مع هذه السياسية التي تنفذها أمريكا برؤية إسرائيلية من خلال محاولتها السيطرة على دول الشرق الأوسط بدعم أمريكي.
دعونا نتسأءل ما الذي تغيربعد حرب غزة جعل إسرائيل تقدم كل هذه التضحيات وترفض وقف إطلاق النار وتسعى لتوسعة المعركة بحيث تصل لدول كثيرة عربية وغير عربية؟ كان من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قررتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية في إقامة شرق أوسط جديد لتكون برؤية إسرائيلية، إذ صاريردد عبارة «رسم شرق أوسط جديد»، في كل خطاباته معتقداً أنه قادرعلى تنفيذ هذه الأوهام نتيجة الصراعات والتفكك الذي تعاني منه الكثير من دول الشرق الأوسط، واعتقاد بعضها أنها بعيدة عن شرر الحرب الدائرة، إذ يرى نتانياهوأن حلم إسرائيل في إعادة ترتيب موازين القوى ورسم خريطة سياسية مختلفة للمنطقة بات أقرب للتطبيق من أي وقت مضى، بعد أن ظن أنه حقق انتصارات على محورالمقاومة منذ هجوم 7 أكتوبر العام الماضي وبات مشهد عرض مسؤولين إسرائيليين خرائط لإسرائيل في محافل دولية، في إحداها ضمت الأردن، واللافت أن جميعها تخلومن أي إشارة لدولة أو أراضٍ فلسطينية، وخلال كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي حاملاً خريطتين شملت الأولى مناطق تكتسي باللون الأخضر للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وضمت مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن، فيما تتضمن الخريطة الثانية مناطق صبغت باللون الأسود، وسماها نتنياهو «الملعونة»، وضمت إيران وحلفاءها في المنطقة سوريا والعراق واليمن وكذلك لبنان، فيما تسعى أصوات متطرفة داخل الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، مخاوف مما يسميه البعض «التطلعات والطموحات التوسعية نحو ما يُعرف بإسرائيل الكبرى»، فيما حذرالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أخيراً في كلمة له مما أسماه «الطموحات التوسعية الإسرائيلية»، مضيفاً «سيطمعون في أراضي وطننا بين دجلة والفرات ويعلنون صراحة من خلال خرائط يلتقطون الصورأمامها أنهم لن يكتفوا بغزة»، فيما أعلنت السعودية رسمياً على لسان وزير خارجيتها في مقال نشره في جريدة فيانانشيال تايمزالبريطانية إن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
وأقول لكم، هل تظل الدول العربية مكتوفة الأيدى أمام الصراع الإيراني الإسرائيلي على قيادة الشرق الأوسط بما يضم من الدول العربية، في ظل طموحات الدولتين في التوسع وإقامة إمبراطورية كبرى، إذ أصبح لإيران أصابع تحرك قوى وجماعات في العديد من الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، فيما كشفت إسرائيل عن نواياها التوسعية علناً بعد الحرب على غزة، ولذا تحول الصراع بينهما إلى صدام مباشربعد أن كان بالوكالة، وفي عام 2024، تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل إلى وأصبح مباشراً بين الدولتين في الأول من أبريل الماضي عندما قصفت إسرائيل السفارة الإيرانية في دمشق عاصمة سوريا، ما أسفر عن مقتل عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين، ورداً على ذلك، شنت إيران ووكلاؤها ضربات داخل إسرائيل في 13 أبريل، وكان أول هجوم مباشر لإيران على إسرائيل بعد أن كان الصراع بالوكالة، والأكبرمن نوعه ثم ردت إسرائيل ونفذت ضربات انتقامية على إيران في 19أبريل، وبعدها بدأت متتالية الرد بين البلدين لفرض الزعامة على دول المنطقة في ظل سعى إسرائيل لعدم إمتلاك إيران لسلاح نووي ورغبة طهران في الهيمنة على دول المنطقة، ولذا أرى أن الوقت حان لتكاتف الدول العربية والإعلان عن إستراتيجية عربية لمواجهة طموحات التوسع الإسرائيلية حفاظاً على هويتنا قبل الإندثار.
أحمد الشامي
https://2u.pw/peE6eDH