احمد الشامى
أقول لكم «مات السنوار وعاشت فلسطين.. فلا نامت أعين الجبناء»
«مات السنوار وعاشت فلسطين.. فلا نامت أعين الجبناء»
«الوطن أوالموت»، ستون عاماً مضت علي هذه العبارة التي اختتم بهما الزعيم اللاتيني، تشي جيفارا خطابه الذي القاه أمام الأمم المتحده بنيويورك في 11 ديسمبرعام 1964، ليؤكد علي حق الشعوب في تقرير مصيرها حتي وأن كلفها ذلك حياتها، نعم لا حياة بدون وطن، وعلى خطى جيفارا سارالمناضل يحيي السنوار، زعيم حركة حماس، من أجل ميلاد دولة فلسطينة مستقلة تنعم بالاستقرار، يحلم شعبها بالمستقبل ويزرع الأمل في ربوع الوطن، لكن تأبي إسرائيل تنفيذ القرارات الدولية التي تمنح الشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس، على حدود الرابع من يونيو 1967 وهي الصيغة التي أقرتها وتتمسك بها حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بإقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين وهو ما طٌرح من جانب بعض المثقفين والجهات والدول بعد حرب عام 1967، وينص الحل على إنشاء دولتين إحداهما إسرائيل والأخرى فلسطين، بناء على قرارات الأمم المتحدة، لكن يرى البعض أن هذا الحل بات صعباً بعد استشهاد السنواربسبب التعنت الإسرائيلي، إذ أصبحت تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قيام دولتين إحداهما إسرائيل تقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين على أراضي حدود الرابع من يونيو 1967 قبل إندلاع الحرب صعبة، وتزامن ذلك مع سرديات كثيرة عن استشهاد السنوار لكنها جمعياً اتفقت على أنه شخصية «بطولية استثنائية»،تتمتع بتأييد كبيرداخل الحركة سياسياً وعسكرياً، وقاد السنوارعناصر حماس في أرض النارما يزيد على عام كامل دون أن يتراجع عن الثوابت الوطنية يتنقل من ميدان إلى اَخرداخل غزة والضغة يلاحقه جنود الجيش الإسرائيلي حتى عثروا عليه بالمصادفة في رفح فخشوا المواجهة واستعانوا بالمدافع والطائرات والدبابات لإغتياله لكنه قاومهم حتى الرمق الأخير، مات السنواروعاشت فلسطين فلا نامت أعين القتلة الجبناء الذين خشوا من التصدي له والاشتباك معه وجهاً لوجه وعادوا إلى بيوتهم فرحين يفتخرون ويرقصون سعادة باغتياله بعد أن قاومهم حتى ارتقت روحه إلى السماء من أجل حلم الوطن.
صاريحيي السنواربطلاً في كل السرديات الإسرائيلية التي رووها عن استشهاده دون قصد منهم، فهو «المقاتل الأول» في حركة المقاومة حماس، الذي قاد الحرب عاماً كاملاً ضد محاولات القضاء على المقاومة الفلسطينية وصعدت روحه في اشتباك مع القوات الإسرائيلية التي عثرت عليه بالمصادفة أثناء تحصنه داخل منزل في رفح جنوب القطاع، لم تنفعهم الأقمارالاصطناعية الأمريكية ولا المخابرات وشبكات مراقبة الاتصالات في تحديد موقعه طوال عام كامل، قاد المقاومة ضد الإسرائليين الذين زودتهم أمريكا بأحدث الأسلحة في العالم ولم يخجلوا من قتل ما يزيد على 41 ألفاً من النساء والأطفال وأصابة أكثر من 100ألف اَخرين، ولذا لم تكن عملية اغتياله نجاحاً مخابراتياً أوعسكرياً بقدرما قادت المصادفة الجيش الإسرائيلي إلى قائد المقاومة، إذ أجمعت السرديات الإسرائلية على أن السنواركان جاهزاً للقتال وليس متخفياً أوهارباً في الانفاق كما كان الإعلام الإسرائيلي يزعم طوال عام كامل، وبذلك سقطت أراجيف المعتدين، لدرجة أن المسئولين الإسرائليين تسابقوا للإعلان عن غتيال السنوار، إذ سارع يوآف غالانت وزير الدفاع إلى إعلان الخبرقبل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء حكومة الحرب، لكن السردية الإسرائيلية نجحت دون قصد في إظهاربطولة السنوارباعتباره قائد عسكري وسياسي يقاتل في الميدان مع جنوده، ونشر الاحتلال صوراً لمتعلقات يحيى السنوارويظهر في الصورة الأولى، مطوية "أذكار نبوية يومية" وكتيب "أذكار نافعة" ومسبحة وساعة يد وحلوى وشريط لاصق إضافة إلى مبلغ مالي يقدر بـ 1600 شيكل إسرائيلي نحو 430 دولاراً أمريكيا، وفي الصورة الثانية يظهر سلاح رشاش من طراز "كلاشنكوف"، إضافة إلى مخزني رصاص وأدوات عسكرية أخرى، فيما تعتبرالمنطقة التي استشهد فيها السنوارأحد أبرزأماكن الاشتباك بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، ما يؤكد أنه ظل يقاتل حتى اَخر نفس في حياته، فأصبح زعيماً ملهماً للفلسطينيين جميعاً خصوصاً المقاومةالتي ستظل ثابته على مبادئها حتى تحقيق النصر.
السؤال الاَن هل يمثل إغتيال إسرائيل للسنوارضربة قاضية للحركة؟، أرى أن غيابه سيترك فراغاً فترة من الوقت لكن حماس قادرة على أن تعبرهذه المرحلة فقد سبق لها أن فقدت الكثيرمن قيادتها ولذا كان من الطبيعي أن تعلن أنها ستواصل الحرب ولن تقبل بصفقة دون تحقيق مطالبها خصوصاً أن جيلاً جديداً من الفلسطينيين قادرعلى مواصلة القتال ضد إسرائيل حتى إقامة دولة فلسطينية ولذا كان من الطبيعي أن ينعي عضومكتبها السياسي خليل الحية في كلمة، قائد الحركة يحيى السنوار، معتبراً أن رحيله سيزيدهم "قوة وصلابة وإصراراً على المضي في درب القادة الشهداء"، واَخرهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران الذي إغتالته إسرائيل في 31 يوليو الماضي، كما استشهدقائد كتائب عز الدين القسام، محمد الضيف، في ضربة جوية في خان يونس بجنوب القطاع في 13 يوليو الماضي، ومع ذلك تواصل حماس القتال، إذ قررت الحركة تنفيذ وصية السنوار بتشكيل مجلس قيادة لها، بدلاً من تعيين رئيس خلفاً ليحيى السنوارإلى حين موعد الانتخابات المقبلة، يتكون من رئيس مجلس الشورى للحركة محمد درويش، إضافة إلى رئيسها في الخارج، خالد مشعل، ونائب رئيس المكتب السياسي، خليل الحية، ورئيس إقليم الضفة الغربية، زاهر جبارين، وأمين سر الحركة، نزار عوض الله، وتم تشكيل المجلس بعد اغتيال إسماعيل هنية وحازعلى مباركة السنوارقبل إغتياله، فيما نعى حزب الله اللبنانى قبل ساعات رئيس المجلس التنفيذى هاشم صفى الدين،المرشح لخلافة زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي اغتيل في غارة إسرائيلية منذ أسابيع.
على صعيد متصل، وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل قبل ساعات، وفي لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حثه على العمل نحو وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وطلب بلينكن السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى الفلسطينيين، نتيجة تزايد المخاوف بشأن عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين بسبب القتال في شمال القطاع الذي يصعب الوصول إليه، فضلاً عن تأمين إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء الصراع في غزة، بطريقة توفرالأمن الدائم للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وضرورة أن تتخذ إسرائيل خطوات إضافية، لزيادة واستدامة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان وصول المساعدات إلى المدنيين في جميع أنحاء القطاع، فيما ناقش مسئوولون إسرائيليون رفيعو المستوى،«أفكاراً جديدة» بشأن صفقة لتحريرالمحتجَزين في غزة، إذ إن إسرائيل كانت تبحث عن فرصة لإنهاء الحرب في غزة، من خلال صفقة تبادل أسرى بعد مقتل زعيم «حماس» يحيى السنوار، ووصف مسؤول إسرائيلي جثة السنواربأنها «ورقة تفاوضية أخرى» في المفاوضات، فيما قال اَخربمكتب نتانياهو: «لن نُنهي الحرب حتى نحقق جميع أهدافنا نواصل الضغط على حماس عسكرياً، يمكنك رؤية ذلك في جباليا، ونسعى لإحداث انهيار نفسي» في صفوفهم، وناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي رد إسرائيل على إيران، والهجوم بالطائرات المُسيرة على منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والحرب في لبنان وغزة، وفرص الوصول لصفقة تبادل المحتجزين بعد زيارة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار إلى القاهرة.
الحرب الأمريكية على الشرق الأوسط التي تقودها إسرائيل بالوكالة حالياً في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران تزعم واشنطن أن الهدف منها حماية الأمن القومي الأمريكي، من المليشيات المسلحة، ونسيت واشنطن أن الإرهاب في الشرق الأوسط والذي تمدد في العالم كله صناعة أمريكية، وكانت البداية مع طلبها سفرمسلحين متشددين إلى أفغانستان نهاية الثمانينات بزعم محاربة الاتحاد السوفيتي الذي كان يحتل أفغانستان في ذلك الوقت، إذ إن هؤلاء المتطرفين أعلنوا إنشاء تنظيم القاعدة وهو تنظيم إرهابي مُسلح متعدود الجنسيات في معظم دول العالم، أُسِّس التنظيم بقيادة أسامة بن لادن خلال الحرب الأفغانية في الفترة من أغسطس 1988وأوائل 1990، وقد سُمي بهذا الأسم لأنه إتخذ من قاعدة بيانات أسماء الإرهابيين في أفغانستان وجنسياتهم والتدريبات التي تلقوها سبيلاً لتشكيله، ويدعو التنظيم إلى الجهاد الدولي ضد المصالح الأمريكية، وحتى الاّن توجد عناصره في اليمن وأفغانستان وسوريا والصومال ودول أفريقية أخرى، وهي التي هاجمت أهدافًا عسكرية ومدنية في مختلف الدول، أبرزها هجمات 11 سبتمبر 2001، وتبع هذه الهجمات قيام الحكومة الأمريكية بشن حربٍ على الإرهاب، وقد أنتقد العديد من علماء الدين الإسلامي تصرفات التنظيم بسبب هجماته علي المدنيين، وتشوية صورة الإسلام عالمياً وربطه بالإرهاب، وتسببه في الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ومن عناصرهذا التنظيم نشأ تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا بصناعة أمريكية أيضاً بين عامي 2014 و2017 ويتَّبع التنظيم فكروعقيدة جماعات سلفية جهادية، تأسس في العراق على يد أبي مصعب الزرقاوي، بعد أن قضى في أفغانستان 3 سنوات من 1999 إلى أواخر2001، وتعرض لإصابة استوجبت نقله إلى كردستان العراق لإجراء عملية جراحية على ساقه، حيث انضم إلى جماعة أنصار الإسلام، وأسَّس سنة 2003 جماعة التوحيد والجهاد التي كانت النواة الأولى لتنظيم داعش الحالي، ويزعم أعضاؤه أن الهدف من التنظيم هو إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة وينتشرنفوذه بشكل رئيس في العراق، وتعتنق هذه التنظيمات فكرجماعة الإخوان الإرهابية التي ولدت من رحمها كل الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط والعالم كله، انتشرصيت التنظيم لأول مرة عالمياً يوم 17 أكتوبر2004، عندما أعلن أبو مصعب الزرقاوي، بيعته ومع من معه في لأسامة بن لادن زعيم القاعدة آنذاك على السمع والطاعة.
إن إدعاء أمريكا وإسرائيل بأنهما ترغبان في إقامة شرق أوسط جديد خالي من الميلشيات المسلحة، لا يتفق مع خرائط نتانياهو التي إعتاد عرضها في كل مكان يذهب إليه وفي مؤتمراته الصحفية والتي تظهررغبته في توسيع حدود إسرائيل والاستيلاء على غزة والضفة وجنوب لبنان وأجزاء من دول عربية، إذ لا يمكن القضاء على الإرهاب في العالم من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة على حدود الرابع من يونيو 1967، فالعنف سيقابل بالعنف، ولن يكون هناك مجال للقضاء على هذه الميلشيات كما يحلو لواشنطن أن تسميها إلا بعد تنفيذ حل الدولتين، أما الحديث عن انتصارإسرائيلي كامل على حماس وحزب الله والحوثيين وإيران فلا مكان له على أرض المعركة، إذ كشفت صواريخ حزب الله أنه يمكن للمقاومة الوصول إلى نتانياهو في حجرة نومه في ظل الإنحيازالأمريكي لإسرائيل، حتى بات ما يحدث الاًن حرباً أمريكية علنية على الشرق الأوسط بعد أن فقدت الإدارة الأمريكية العدالة بسبب منافع ضيقة والسعى للفوز في الانتخابات الأمريكية من أجل الاستيلاء على ثرواته، ولابد أن تعلم أمريكا وإسرائيل أنهما لا يحاربان هذه الجماعات المسلحة فقط بل يحاربان 2 مليارمسلم من أندونيسيا والهند شرقاً حتى الولايات المتحدة غرباً في حال رفضهما إقامة دولة فلسطينية، أمام الانتصارات الوهمية فسرعان ما ستنسى وتعود الكلمة لأصحاب الحق الذين يحلمون بإقامة وطن لهم ويعيشون في سلام ووقتها ستختفي هذه التنظيمات دون حروب ودماء.
وأقول لكم، إن التاريخ يسجل أن 24 إمبراطورية كبرى حاولت الاستيلاء على المنطقة العربية ونهب ثرواتها لكنهم هُزموا جميعاً واختفوا من على وجه الأرض وصاروا سطوراً في كتب التاريخ من بينها الإمبراطوريات الفارسية والرومانية والبيزنطية والمغولية التترية وجويتا الهندية والنمساوية المجرية و الصربية والروسية القيصرية والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية والبرتغالية والإمبراطورية الهولندية الأورانجية وتحالف ممالك الصليبيين والفايكنج، والدولة الصفوية وإيطاليا الفاشية والاتحاد السوفييتي، حتى وصلنا الاًن إلى معركة وجود مع الإمبراطورية الأمريكية وحلفاؤها الذين يرغبون في إعادة الاستعمارمن خلال إحتلال دول عربية والاستيلاء على ثرواتها، بسبب الفراغ الموجود حالياً في المنطقة نتيجة الصراعات في كثير من الدول بتدخل من الغرب، ولذا فالعالم العربي بحالته الراهنة تعاني بعض دوله بصراعات وحروب أهلية وتزايد تدخل القوى الخارجية، أصبح في حاجة ماسة إلى إعادة تفعيل وتدعيم التلاحم العربي، لمواجهة كل هذه التحديات والتهديدات، بعد أن أصبح حتمياً وضرورياً لأسباب عديدة منها أن حجم الأزمات والمشكلات التي تواجه العالم العربي تفرض على الدول العربية التكاتف باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة تلك التحديات، لأنه لا يمكن لدولة عربية بمفردها أن تواجه كل تلك التهديدات، لأن استمرارغياب التلاحم العربي يزيد ويفاقم من المشكلات والأزمات العربية وينشأ فراغات عديدة تسعى قوى غيرعربية لملئها بما يهدد المصالح العربية العامة ووجودها.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yah00.com