الوطن
اسامة الازهرى
إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة
إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة

من أرض الكنانة مصر تفجّرت ينابيع القرآن عبر التاريخ ولن تنضب.. وسطعت أنواره وتدفّقت علوم الشريعة وستظل.. وصدعت أصوات العبقرية والحناجر الذهبية وستبقى تورق وتشرق.. وما قام بلد فى الدنيا بخدمة القرآن كما قامت مصر، والتاريخ لا ينكر.. والواقع لا يجحد، فمصر نهضت بخدمة القرآن الكريم ولا تُحصى صور خدمتها للقرآن، وأكبر دليل على ذلك شموس دولة التلاوة التي سطعت، شيوخ الإقراء والقراءات، وأئمة وعباقرة التلاوة.

والمدرسة المصرية فى التلاوة والإقراء مدرسة أصيلة.. وتاريخها عريق.. وحاضرها مشرّف.. ومستقبلها مشرق وواعد.

وإننا نرى صورة من صور تألق المدرسة المصرية فى خدمة القرآن تتمثل فى تدشين وزارة الأوقاف مبادرة «إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة»، التي انطلقت فى قرى مصر لتُقدم نموذجاً وطنيّاً يُحتذى به فى التعاون بين المؤسسات الدينية والمجتمعية، والخطوة التي بدأت بانطلاق تلك المبادرة تعقبها خطوات.. ولن تقف.. فهى بداية خير، وقد شهدنا تجاوباً من عدة محافظات مع هذه المبادرة لتلحق بهذه التجربة الناجحة، وندعو جميع قرى ومدن مصر إلى تبنى هذه المبادرة والانخراط فيها ومحاكاتها.

إن تدشين مبادرة «إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة» يأتي ترجمة حقيقية على أرض الواقع للمبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، التي تتبنّاها الدولة المصرية لإحياء التراث وبناء الإنسان وللتنمية البشرية، والتي جاءت تنفيذاً لتوجيهات فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية (حفظه الله)، برعاية وإكرام كل إنسان على أرض مصر، خاصة أهل القرآن الكريم وعلماءه وحفظته، فخالص التحية والتقدير والاحترام لفخامة السيد رئيس الجمهورية لرعايته الكريمة والسامية للإنسان ولأهل القرآن وإكرامهم.

إن انطلاق مبادرة «إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة» ليس مجرد حدث عادى، بل هو استشراف للمستقبل، ويمثل البداية لانتشار الكتاتيب وتعميمها فى مختلف ربوع مصر؛ ليصبح واقعاً حاضراً فى كل قرية، وعلى كل الجهات المعنية دعم المبادرة لتحقيق أهدافها المنشودة، وإن «إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة» تعتمد على تقنيات تعليمية متطورة، مما يجعلها تجمع بين الأصالة والمعاصرة فى آن واحد؛ مسايرة وتلبية لاحتياجات العصر، والمستهدف هو عمل خطة بالتنسيق مع مؤسسات الدولة لإحياء الكتاتيب خلال وقت زمنى معين، حتى يكون فى كل قرية كُتَّاب، والوزارة ستفتح بعض ملحقات المساجد لتكون مقرّاً للكتاتيب التي تساعد وتعاون وتكمل عمل وزارة التربية والتعليم.

وتهدف مبادرة «إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة» إلى استعادة الدور التربوي للكتاتيب فى تعزيز قيم القرآن الكريم ومبادئ الإسلام السمحة، ولتكون صروحاً تعليمية وتربوية، ومنارات للوسطية؛ بهدف تعزيز الوعى الديني لدى النشء، كما تهدف إلى بناء الشخصية المصرية على أُسس من الأخلاق الرفيعة، وتعميق معانى الدين والانتماء للوطن، وحفظ الهوية، وغرس معانى البذل والعطاء، والإسهام فى زراعة القيم النبيلة، وبناء الأجيال القادمة بصورة صحيحة، لأن الكتاتيب صروح تعليمية وتربوية تقوم بدور محوري فى مواجهة الأفكار المتطرفة والتحديات الفكرية التي تُهدّد الهوية الوطنية، كما تسعى الكتاتيب لإحياء اللغة العربية فى نفوس الأجيال الجديدة؛ كونها لغة القرآن الكريم وأساس الهوية القومية، وتعليم الأطفال تلك المبادئ لتكون ميثاقاً لكل الكتاتيب فى مصر.

هدفنا من «إحياء الكتاتيب بمنهجية حديثة» فى أرض الكنانة مصر حفظ القرآن، مع إعادة تحريك الهمم لإحياء المدرسة المصرية الأصيلة، ومفتاح ذلك هو حشد الطاقات لاكتشاف المواهب الصوتية العذبة الجديدة فى تلاوة القرآن الكريم؛ حتى تعود المصانع العبقرية التي صنعت المواهب السابقة لصناعة مواهب جديدة تُخَرِّج أجيالاً قادمة، تأكيداً لريادة مصر فى خدمة القرآن الكريم، وحتى لا ينضب ذلك المعين الطاهر.

إن حفظ القرآن الكريم هو باب الخير الذى يفتح لنا تعليم الأجيال القادمة معنى حب الوطن والوفاء له، إضافة إلى تعليمهم المبادئ الأولية للقراءة والكتابة والحساب، حتى تكون الكتاتيب منارة للعلم، ومساعداً ومعاوناً ومكمّلاً لدور وزارة التربية والتعليم، لأن الكتاتيب ليست مجرد أماكن لتحفيظ القرآن الكريم فحسب -وكفى به عملاً صالحاً- بل هي صروح تعليمية وتربوية تحفظ الهوية، وتبنى الإنسان المصري على الفهم العميق لمعاني الدين، والانتماء الصادق للوطن، وإحياء اللغة العربية السليمة فى نفوس الأجيال الجديدة؛ باعتبارها لغة القرآن الكريم، بما يحمى الأجيال القادمة من الإرهاب والإلحاد معاً.

وأوصى كل حافظ للقرآن الكريم، وكل طفل وإنسان على أرض الكنانة، بل وفى الدنيا بأكملها بخمسة مبادئ أساسية، مع قيام جميع محفظى القرآن الكريم فى الكتاتيب بغرسها فى وجدان الأطفال، وهى: (احترام الأكوان وكل ما يحيط بالإنسان، وإكرام الإنسان واحترامه وعدم إيذائه على اختلاف جنسه ولونه وعرقه ودينه، واحترام الأوطان والسعي لرفعتها وافتدائها، وازدياد العمران بالبناء والعطاء والإبداع، وزيادة الإيمان).

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف