احمد الشامى
أقول لكم «أوامرترامب التنفيذية..أستعراض للقوة أم تسوية حسابات؟»
«أوامرترامب التنفيذية..أستعراض للقوة أم تسوية حسابات؟»
في حفل «أسطوري» أدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليمين الدستورية وسط ترقب من العالم ليبدأ ولايته الثانية رئيساً للبلاد، وبمجرد انتهاء المراسم وقع سلسلة من القرارات والأوامرالتنفيذية لإلغاء وتجميد قوانين اتخذتها الإدارة التي سبقته، بينما تعهد في ثلاثة خطابات ألقاها في يوم تنصيبه باتخاذ جملة من القرارات الخارجية والمحلية التي وصفها بأنها «ستعيد العصر الذهبي لأمريكا»، وأثارت هذه الأوامرالتنفيذية والتوجيهات الرئاسية الجدل في وسائل الإعلام وعبروسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة أسبابها وشرح أبعادها وما إذا كان الهدف منها تسوية الحسابات مع إدارة بايدن التي رحلت غير مأسوف عليها أم استعراض للقوة حتى يفرض ترامب سيطرته سريعاً على إدارته الجديدة، وتنوعت هذه الأوامرمن الانساحب من اتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية إلى العفو الجنائي والهجرة والعفوعن 1500 شخص من مثيري الشغب في 6 يناير، فضلاً عن إعلان حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وتزامن ذلك مع دخول هدنة غزة حيز التنفيذ وإختراقها من جانب إسرائيل بقرارمن رئيس الوزراء نتنياهو بالهجوم على مخيم جنين بالضغة الغربية وسط ضبابية اليوم التالي في غزة ومن سيحكم القطاع في حال تنفيذ الهدنة بالكامل، خصوصاً أن المرحلة الثانية من الصفقة تتضمن مناقشة مستقبل الحكم في القطاع ورغبة السلطة الفلسطينية في مزاولة حقها الدستوري في إدارته بدعم من مصرودول عربية، واقتراحات أمريكية وأوروبية بأن يديرالقطاع الاتحاد الأوروبي مؤقتاً ورغبة إسرائيل في تشكيل لجنة إسناد تدير القطاع إلى حين التوصل إلى حلول نهائية.
شاهد حفل تنصيب ترامب ما يقدربنحو 24.6 مليون مشاهد تليفزيوني، واتسم بالفخامة بسبب مشاركة العديد من رجال الأعمال، إذ تفاوتت نسبة مشاهدة حفل التنصيب على نطاق واسع على مدى نصف القرن الماضي، وبلغت أعلى نسبة مشاهدة 41.8 مليون عندما تولى رونالد ريجان منصبه في عام 1981 إلى أدنى نسبة مشاهدة بلغت 15.5 مليون في بداية الولاية الثانية لجورج دبليو بوش عام 2004، لكن ما ميز هذا الحفل حضور عدد كبير من «الأوليغارشية الأمريكية» أصحاب الثراء الفاحش الذين يعملون في صناعة تكنولوجيا المعلومات أو فروعها وعلى رأسهم إيلون ماسك والذين قدموا الدعم المالي لترامب أثناء حملته الانتخابية وهو ما يعني أن أقلية ثرية ستحكم الأغلبية وهو ما يفسره البعض بنهاية الحلم الأمريكي في الديمقراطية والحرية نتيجة تمركز الثروة في الولايات المتحدة بين أيدي أوليغارشية صغيرة، والتي نمت ثروتها خلال جائحة كورونا، إذ تكشف الأرقام عن تمركز للثروة هائل بين أيدي أوليغارشية صغيرة وقد ازداد عدد أصحاب المليارات من 614 إلى 737 خلال السنوات الأربع الماضية، وتضاعفت ثرواتهم مجتمعة تقريباً بزيادة 88% خلال السنوات الأربع الماضية من 2.947 تريليون دولار إلى 5.529 تريليون دولار، من بينهم 8 من بين أكبر 10 من فاحشي الثراء من بينهم أغنى 4 أشخاص في العالم وهم، جيف بيزوس وتقدر ثروته بـ 192.8 مليار دولار، إيلون ماسك 188.5 مليار دولار، مارك زوكربيرغ 169 مليار دولار ولاري إليسون 154.6 مليار دولار، إضافة إلى وارن بافيت المستثمر في صناعات قديمة مثل السكك الحديد، ومايكل بلومبيرغ الملياردير الإعلامي، ونمت ثروات هؤلاء ومنهم إيلون ماسك بنسبة 600 % خلال 4 سنوات فقط، في حين أن مارك زوكربيرغ صاحب فيسبوك، ولاري إليسون المدير التنفيذي لشركة أوراكل للاستثمار ضاعفوا ثرواتهم 3 مرات تقريباً وزادت أصول ستيف بالمر المدير التنفيذي لـ "مايكروسوفت"، ولاري بيج وسيرغي برين من "جوجل" بأكثر من الضعف، كذلك، استعاد جيف بيزوس صاحب شركة أمازون مكانته كأغنى رجل في العالم، مع العلم أنه كان سيضاعف ثروته أيضاً لولا تسوية الطلاق بقيمة 40 ملياردولارمع زوجته السابقة ماكنزي سكوت، ما يعني أن الطابع الأوليغارشي للرأسمالية الأميركية يصيب كل مؤسسات الدولة، ويطال المحاكم ووسائل الإعلام، وسط معاناة اجتماعية واسعة النطاق، وصراع طبقي متصاعد ضد فاحشي الثراء الذين يمثلون أهم عناصرالدولة العميقة بالولايات المتحدة.
تنوعت أومرترامب التنفيذية المثيرة للجدل والتي تضمنت انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى أمربوقف مؤقت لقانون حظر منصة تيك توك في البلاد لمدة 75 يوماً على الأقل، فضلاً عن تغيير اسم خليج المكسيك إلى «خليج أمريكا»، ما يعني أن ترامب سيمضى في تنفيذ ما أعلن عنه من ضم كندا وجزيرة جرين لاند الدانمركية وقناة بنما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ينذر باندلاع حروب جديدة في العالم في حال أصر ترامب على مواقفه، كما وقع ترامب على أوامر لوقف الهجرة غير الشرعية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وإعلان حالة طوارئ وطنية إضافة إلى وصف العصابات الإجرامية بمنظمات إرهابية، وإلغاء الجنسية التلقائية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لمهاجرين غير شرعيين، كما ألغى ترامب 78 إجراء تنفيذياً للإدارة السابقة، وهو ما يعني أن هذه الأوامر والقرارات لتسوية حسابات مع إدارة بايدن، وهو ما يعني في الوقت نفسه أستعراض للقوة، كما وقع ترامب أمراً بتأخيرحظر لمدة 75 يوما لتطبيق المقاطع المصورة القصيرة تيك توك الذي كان من المقرر إغلاقه في 19 يناير الجاري، وأصدر أمراً بتجميد التوظيف الحكومي واللوائح الاتحادية الجديدة، إضافة إلى أمر يلزم العاملين الاتحاديين بالعودة التامة إلى العمل بنظام الحضور الشخصي، ما يعني تخلي موظفي الحكومة عن العمل عن بُعد، والانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وألغى أمراً للرئيس السابق بايدن بحظرالتنقيب عن النفط في نحو 16 مليون فدان في القطب الشمالي، وإنشاء وزارة كفاءة الحكومة تهدف إلى تقليص الحكومة الأميركية، على أن يدير المجموعة إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تسلا ولديها أهداف كبرى تتمثل في إلغاء وكالات اتحادية بأكملها وخفض ثلاثة أرباع وظائف الحكومة الاتحادية، وأصدر ترامب عفواً عن نحو 1500 شخص اقتحموا مبنى الكونغرس (الكابيتول) الأميركي في السادس من يناير 2021، في لفتة لدعم الأشخاص الذين اعتدوا على الشرطة في أثناء محاولتهم منع المشرعين من التصديق على هزيمته في انتخابات 2020، كما ألغى ترامب عدداً من الأوامر التنفيذية التي عززت التنوع والمساواة والإدماج وحقوق مجتمع الميم والأقليات العرقية.
ومن اللقطات التي لفتت الانتباه فى حفل التنصيب، قبلة ترامب غير المكتملة لزوجته ميلانيا إذ بدا أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع الوصول إلى وجه زوجته بسبب القبعة الكبيرة التي كانت ترتديها، فيما أدى ترامب اليمين الدستورية، واضعاً يديه على نسختين من الإنجيل، إحداهما منحتها له والدته فى عام 1955 ولم ينس ترامب أن يصدر توجيهات بحماية الطبقات الدنيا من الأمريكيين إذ دعا جميع الإدارات والوكالات التنفيذية بتقديم إغاثة طارئة للشعب الأميركي في ظل إرتفاع الأسعار وبزيادة رخاء العامل الأميركي، وتشمل التدابير خفض اللوائح والسياسات المناخية التي ترفع التكاليف، والإجراءات اللازمة لخفض كلفة الإسكان وتوسيع المعروض من المساكن، كما استهدف ترامب الدولة العميقة بالتوقع على وثيقة «إنهاء تسليح» الحكومة ضد المعارضين السياسيين، إذ وجه الأمروزيرالعدل بالتحقيق في أنشطة الحكومة الاتحادية على مدى السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك في وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات ولجنة التجارة الاتحادية خلال الإدارة السابقة، بأن تحدد وتتخذ الإجراء المناسب لتصحيح التصرفات الخاطئة التي أقدمت عليها الحكومة الاتحادية فيما يتعلق بتسليح مسؤولي إنفاذ القانون وتسليح مجتمع المخابرات، كما اتهم ترامب وحلفاؤه الجمهوريون إدارة الرئيس الديمقراطي السابق بايدن بتشجيع قمع حرية التعبيرعلى المنصات الإلكترونية.
ترامب الذي لم ينتظرعودته للبيت الأبيض حتى ينخرط، في العمل على حل أزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أرسل مبعوثه للسلام في الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف ولعب دوراً رئيساً في مفاوضات الدوحة بين إسرائيل وحماس وانتهت بإعلان هدنة غزة بعد مرور467 يوماً على حرب الإبادة الإسرائيلية في القطاع، وقال ترامب للصحفيين: «لست واثقاً من استمرار الهدنة هذه ليست حربنا، بل حربهم، إدارتي قد تسهم في إعادة إعمار غزة، التي باتت موقع هدم ضخم»، إذ لم يقدم أي خطة حتى الاَن لليوم التالي في غزة، فيما أقرمسؤولون في فريق ترامب الرئاسي بأنّ هناك صعوبات قد تواجههم في المرحلة الثانية التي ستشهد نقاشاً حول اليوم التالي ومن سيحكم غزة مؤقتاً بعد الهدنة تمهيداً للوصول إلى حل نهائي، إذ إنّ الإدارة السابقة برئاسة جو بايدن تركت لهم ما وصفوه بـ «نهاية البداية» فقط، وليس «بداية النهاية».
وأرى أن فلسطين التي ضحت بـ 47 ألفاً و35 شهيداً و111 ألفاً و91 مصاباً منذ 7 أكتوبر 2023 معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وما يزيد على 11 ألف مفقود، جاءت اللحظة التي انتظرها أهالي قطاع غزة بالإعلان عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نتيجة جهود مصروأمريكا وقطر لمنع اتساع الصراع في منطقة الشرق الأوسط، إذ تضمنت بنود الصفقةعدم وجود أي احتلال إسرائيلي لغزة فضلاً عن أن المرحلة الأولى من الاتفاق والتي ستمتد لمدة 42 يوماً تتضمن عودة النازحين والرهائن إلى ديارهم، لتبدأ بعدها المرحلتين الثانية التي يتم خلالها استكمال تبادل الرهائن والأسرى، وبحث خطة اليوم التالي للحرب في غزة لمناقشتها بين حماس وإسرائيل بمساعدة الوسطاء، كما تشمل المرحلة الثانية قضية قد تكون الأصعب على الإطلاق لكنها مرتبطة بشكل أساسي بقضية اليوم التالي للحرب، وهي «وقف إطلاق النار الدائم والشامل»، والبدء بإعمار قطاع غزة، ويعتبر الحل الأقرب تسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية، تمهيداً للتوصل إلى حل نهائي مع طرح حل الدولتين على الطاولة، خصوصاً أن الفلسطينيين يرفضون أن يكونوا شعباً بلا هوية، ودعت واشنطن الإسرائيليين إلى التخلي عن الأسطورة القائلة إنهم قادرون على تنفيذ خطة ضم غزة والضفة بحكم الأمر الواقع، وترفض مصر وجود قوات أجنبية في غزة بعد الحرب مطالبة بتمكين السلطة الفلسطينية وتسليمها مقاليد الحكم لأنها الأكثر قدرة على تسييرالأمورإلى حين الوصول إلى حل نهائي للقضية.
ويواجه المخطط الأميركي الذي سلمه بلينكن وزيرالخارجية السابق لإدارة ترامب بوجود قوات أجنبية لحفظ الأمن في غزة بعد الهدنة رفضاً عربياً ولذا من المحتمل أن يكون نقطة خلاف جديدة خلال مباحثات المرحلة الثانية، في ظل تأكيد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، أن السلطة الفلسطينية لا بد أن تكون السلطة الحاكمة الوحيدة في غزة بعد الحرب، عقب انسحاب إسرائيل، مع أدوارمؤقتة للأمم المتحدة ووجود قوات أمنية مؤقتة ستتشكل من دول شريكة وعناصر فلسطينيين تم التحقق من هوياتهم، لكن من الوارد أن تطرح الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب أفكاراً جديدة، وفي الوقت الذي ترفض إسرائيل إدارة فلسطينية للقطاع تصرمصرعلى عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة، وترفض نشرأي قوات أجنبية في القطاع، ورغم عدم إعلان الرئيس ترامب أي رؤية بشأن مستقبل القطاع، لكنه قد يكون منفتحاً على أي اقتراحات من شأنها تهدئة الأوضاع ليبدوأنه من صنع السلام في الشرق الأوسط خصوصاً أن إطالة الحرب ليست في حساباته حتى يتفرغ لبحث الملفات الداخلية الأمريكية، وعدم رغبته في استمرارالحرب إلى مالا نهاية وقد يفرض حلولاً على نتنياهو كما فعل عند توقيع اتفاق الهدنة، الذي يتضمن ثلاث مراحل سيتم خلال الأولى التي تمتد 42 يوماً إطلاق 33 أسيراً إسرائيلياً على دفعات من النساء، فضلا عن 11 رجلاً تتراوح أعمارهم بين 55 و80،إإضافة إلى جرحى ومصابين، مقابل مجموعة من الأسرى الفلسطينيين، فيما تسمح المرحلة الثانية بالإفراج عن بقية المحتجزين، مقابل عشرات الفلسطينيين أيضاً في السجون الإسرائيلية ومناقشة خطة اليوم التالي، أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فستكون مكرسة لبناء غزة وإعادة رفات أسرى إسرائيليين قضوا خلال احتجازهم في القطاع.
وأقول لكم، إن الوقت حان لينعم الشرق الأوسط بالسلام والاستقرار، ولذا تدعم مصر والدول العربية مقترح حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ويعتمد هذا الحل على أساس إقامة دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان معاً هما دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967إلى جانب إسرائيل، وهو ما أُقِرَّ في قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب 1967 وسيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين التاريخية، ووافق الفلسطينيون على هذا الحل في عام 1974 فيما عارضته بعض الفصائل الفلسطينية وقتها، لكن هذا الحل أصبح فيما بعد مرجعية المفاوضات في اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل التي تتنصل من تنفيذه منذ ذلك الوقت وترغب في احتلال أراضى القطاع والضفة الغربية، ويقيني أن الطريق أصبح ممهداً الاَن لتنفيذه بعد وقف حرب غزة وبدء مرحلة جديدة من العمل والبناء والازدهار في جميع دول الشرق الأوسط.
أحمد الشامي
Aalshamy6610@yahoo.com