خديجة حمودة
الكراسي الموسيقية تحت أصوات القذائف
الكراسي الموسيقية تحت أصوات القذائف
وتتغير قواعد اللعبة الأكثر شهرة فى عالم الصغار (الكراسى الموسيقية) التى يمكن اعتبارها رمزاً واضحاً صريحاً للنزاع والإصرار للحصول على مكان فى الحياة، مكان مميز واضح بارز فى المقدمة يلفت أنظار الجميع وتتغير خلفيتها لنستبدل أصوات الموسيقى بصرخات القذائف ووميض الطلقات فى السماء وأنين الجرحى والقتلى، وكما تغيرت قواعدها تغير أبطالها ولاعبوها واتسعت أهدافها وأصبحت لها خرائط وخطوط سير ونتائج أولية تنقل الأطراف لخطوات أبعد وتنتقل إلى عالمنا وإلى المجتمع الدولى الذى يقر ويعترف بتلك القواعد الجديدة.
وتدور الدائرة ونشاهد نفس الصور لمبانٍ تنهار بأكملها وكأنها قطعة من الحلوى وشوارع تمتلئ بالحجارة المتساقطة وواجهات منازل سقطت فظهرت غرف النوم وأماكن المعيشة بلا ساتر ولا حماية، وبعد أن كانت غزة وضواحيها هى مكان اللعبة الدموية أصبحت تل أبيب هى موقع التصوير الجديد ومعها طهران.
وبطبيعة الحال تغير أبطال المشهد ووجوههم ودياناتهم ومعتقداتهم وأهدافهم بسرعة جنونية لا يصدقها أى عاقل، وعلت أصوات المحللين العسكريين تؤكد أن الدمار قادم تصحبه الحرب العالمية الثالثة، لتنتشر تجارة جديدة أو بمعنى أدق تخرج للنور مرة أخرى هندسة وعمارة المخابئ النووية لمواجهة ما يتحدثون عنه ويتوقعونه وينتظرونه، فتبدأ ألمانيا فى إعادة تأهيل 5000 ملجأ تحت الأرض والتى شيدتها أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما تعيد سويسرا مخابئها النووية التى سبق وأعدتها فى فترة الحرب الباردة والتى يصل عددها إلى 370 مخبأ، أما فنلندا فقد بدأت الاستعدادات لمواجهة تلك الحرب القادمة بزيادة إنفاقها العسكرى لبناء 50000 مخبأ تحت الأرض لإيواء 4.8 مليون شخص يمثلون ٨٥٪ من سكانها.
ولأننا أصبحنا نعيش فى عالم مجنون فقد وصلت التجارة والبحث عن الربح إلى عالم المخابئ ليصل سعر المخبأ الـvip فى إسبانيا إلى 100 ألف يورو، بينما تضيف فنلندا خدمة مميزة لمخابئها حيث تزودها بحمامات سباحة وملاعب للترويح عن المواطنين، فلا مانع من التجارة والمكاسب حتى لو اندلعت الحرب العالمية الثالثة.
وفى اتجاه آخر بدأ كُتاب السيناريوهات والمخرجون العالميون والمصورون فى إعداد الأرشيف اللازم للكتابة وإنتاج وتصوير الأفلام السينمائية عن تلك الحروب والصراعات المسلحة ورسم شخصيات القادة الذين يبحثون عن مكان فى التاريخ وحكاياته، أو حتى هؤلاء الذين يتمنون العودة للحياة السياسية بعد عقود من الحياة فى المنفى بعيداً عن السلطة والقصور والمواكب.
فهل سنشاهد أفلاماً تحكى عن تلك الوقائع وهؤلاء الضحايا وبقايا المدن؟ فقد عاشت وما زالت بيننا الأفلام التى صورت لنا مآسى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحصد صُناعها جوائز الأوسكار وشهادات التقدير بالرغم من أنها صورت أقسى معانى القتل والتدمير واللا إنسانية، وفى كتب التاريخ العسكرى ذكر المؤرخون أن الحرب العالمية الثانية كانت أكثر الحروب تسبباً فى مآسٍ، حيث كان عدد ضحاياها عشرات الملايين، وكانت أكثرها عنفاً وبالتالى أكثرها ضحايا عبر التاريخ معركة ستالينغراد التى راح ضحيتها 3 ملايين قتيل ووقعت عندما أراد «هتلر» السيطرة على المواد الخام بدلاً من استيرادها، فقرر غزو الاتحاد السوفيتى وكانت التكلفة مفزعة وفى النهاية لم يحقق هتلر ما أراد، أما معركة موسكو التى أطلق عليها الألمان اسم عملية (تايفون) فقد شهدت حوالى 1.6 مليون ضحية. وفى الحرب العالمية الأولى كانت معركة (السوم) التى تسببت فى خسارة 1.2 مليون شخص من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ولا تزال حتى الآن هذه المعركة تمثل واحدة من أكثر المعارك دموية فى التاريخ فقد تسببت فى اليوم الأول منها فى مقتل ما يقرب من 57 ألف ضحية من الجيش البريطانى. فماذا سيذكر التاريخ عما نعيشه الآن؟ وماذا سيسجل من أعداد؟ ومن هو الفائز فى لعبة الكراسى الموسيقية؟