زياد بهاء الدين
وقفة أخيرة مع قانون الإيجار القديم/ الجديد
وقفة أخيرة مع قانون الإيجار القديم/ الجديد
اسمحوا لى أن أعود لموضوع قانون الإيجار القديم، رغم انشغال الجميع بالأحداث الكبرى الجارية فى إيران وغزة. فقد أزف الوقت، وحسبما فهمت فإن هذا القانون الخلافى قد يعرض للتصويت النهائى على البرلمان، خلال الأيام القليلة المقبلة.
الحكومة حاولت - مشكورة - فى الأسابيع الماضية، أن تحسن النص القانونى الذى قدمته منذ ثلاثة أشهر، وتجد توازنًا ملائمًا بين المصالح المتناقضة للملاك والمستأجرين.
مع ذلك فإن النص المعدل لا يزال يعانى من ثلاث مشاكل رئيسية: (1) أنه رغم تقسيمه للمساكن المؤجرة إلى ثلاث مجموعات بحسب قيمتها التقديرية، إلا أنه لا يميز بين الأوضاع القانونية والاجتماعية المتباينة للمستأجرين، بل يستخدم «مسطرة» واحدة لكل الفئات الاجتماعية، و(2) وأنه لا يأخذ فى الاعتبار تواريخ بناء العقارات، وكذلك الحاجة الماسة لتنظيم صيانتها تنظيمًا عادلًا، و(3) أنه لم يتطرق لأوضاع دافعى «خلو رجل»، سواء للمساكن أو المحال التجارية.
وفى تقديرى أن الأخذ بهذه الملاحظات ضرورى إذا كنا نأمل فى الوصول لتشريع يحقق التوازن المطلوب بين الحاجة القانونية والاقتصادية لتمكين ملاك العقارات من التمتع بحقوقهم كاملة، وبين ضرورة توفير الحماية الاجتماعية المطلوبة لفئة لا يستهان بها، خاصة من أصحاب المعاشات، ممن لا يقدرون على تحمل هذه الصدمة المفاجئة.
ولكن من جهة أخرى، وبغض النظر عن رأيى أو آراء الآخرين، فإن الوقت قد أزف بالفعل لأن حكم المحكمة الدستورية الذى قضى بعدم جواز تثبيت الأجرة لم يمنح البرلمان إلا وقتًا محدودًا، حتى نهاية دورته الحالية؛ أى نهاية الصيف بحد أقصى، لكى يصدر تشريعًا بديلًا يملأ الفراغ الحالى، وإلا وقعنا فى فوضى قانونية عارمة.
ما العمل إذن؟
الأرجح أن البرلمان سوف يمضى فى إقرار النص الأخير المقدم من الحكومة، وهذا معناه تحرير أجرة المساكن القديمة تدريجيًا، بدءًا من العام القادم وعلى مدى السبع السنوات التالية. وهذا من الناحية الإيجابية يعيد الحق القانونى لأصحابه، ولكنه من الناحية السلبية لا يتعامل مع الأوضاع الاجتماعية الجديرة بالحماية. والخشية أن يؤدى صدوره بهذا الشكل إلى موجة جديدة من المنازعات القضائية التى تعرقل تنفيذه بما يستدعى إعادة النظر فيه مرة أخرى خلال فترة وجيزة.
الحل الثانى أن تستغل الحكومة الأسابيع الباقية من عُمر البرلمان لكى تعيد دراسته مرة أخيرة وضبط التوازن فيه وإضافة أحكام مطلوبة بشأن المغايرة المطلوبة بين فئات المستأجرين، مع تناول موضوع الصيانة بدقة. ولكن واقعيًا أشك فى أن تكون الحكومة والبرلمان مستعدين لفتح جولة جديدة من التعديلات والحوارات.
الحل الثالث الذى أقترحه - وهو ليس حلًا تشريعيًا مثاليًا، ولكن قد يساعد على تجاوز هذا الوضع المضطرب والمحتقن - هو أن تعيد الحكومة النظر فى المشروع من منظور محدود، عن طريق إحالة بعض أحكامه إلى اللوائح التنفيذية التى سوف تصدر فيما بعد؛ بما يعنى احترام حكم المحكمة الدستورية وإقرار مبدأ عدم تثبيت الأجرة من الآن فصاعدًا، ولكن مع ترك مجال واسع نسبى لضبط المواضيع الشائكة بواسطة قرارات تنفيذية لاحقة تكون مستندة لدراسة أفضل ومعبرة عن سياسة اجتماعية متوازنة وواعية بالمسائل التى لم يحمسها فى القانون المعروض. هذه قد تكون «حيلة» تشريعية غير مثالية كما قلت، ولكنها ربما أفضل المتاح حاليًا.
فكّروا فى الموضوع، وتجنبوا التسرع فى اللحظة الأخيرة فيما قد يكون واحدًا من أصعب وأدق الموضوعات التشريعية التى تواجهنا.