على هاشم
عماد أديب والسقوط في بئر التطبيع!
عماد أديب والسقوط في بئر التطبيع!
هل جاء حوار عماد الدين أديب مع زعيم المعارضة الإسرائيلية ليغسل سمعة الأخير من مجازر غزة وغيرها من جرائم الاحتلال في بلادنا العربية أم ليقطع شوطا آخر في مشوار التطبيع الممجوج مع الكيان الغاصب الذي لا يخفي أطماعه في أرضنا وديارنا؟!
في زمنٍ تتساقط فيه الأقنعة عن وجوه من ظنّوا أنفسهم أعمدة للصحافة، خرج علينا عماد الدين أديب بما لم يكن متوقعًا حتى من أكثر الأصوات المتماهية مع لغة المصالح الباردة. حوارٌ تلفزيوني أجراه على شاشة عربية مع يائير لابيد، أحد رموز الكيان الصهيوني، في ذروة حرب إبادة تشنها إسرائيل على غزة..
حيث الأطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض، والمجازر تُرتكب على الهواء، والدم الفلسطيني لم يجف بعد. وكأن لابيد كأن بحاجة إلى نافذة عربية تُبيّض وجهه وتغسل يدَيه الملطختين بالدماء، فوجد في أديب ضالته المنشودة.
ليست هذه سقطة مهنية فحسب، بل سقوط أخلاقي مروّع. لم يكن عماد أديب محأورًا يبحث عن الحقيقة، بل أشبه بمن يلعب دور المروّج السياسي لرؤية صهيونية ناعمة، يغلفها خطاب العقلانية والإنفتاح بينما تختبئ خلفها أسنان استعمارية حادة.
لم يناقشه كخصم، لم يحاصره بالأسئلة الصعبة، لم يواجهه بحقائق العدوان، بل جلس أمامه بوجه متسامح، يُمهّد له الطريق لتسويق أكاذيبه عن سلام زائف وواقع مشوّه.
أن يتحول الإعلام العربي من منصة للمقاومة وكشف الحقيقة إلى جسر يمر فوقه قتلة الأطفال ليبرروا جرائمهم، فهذه خيانة موثقة بالصوت والصورة. وأن يأتي هذا التطبيع الإعلامي من صحفي مصري -من بلد حملت لعقود لواء القضية الفلسطينية- فذلك وصمة لا يمحوها الزمن.
لم يكن عماد أديب يمارس الصحافة، بل كأن يُجري غسلًا سياسيًا لسمعة رجل شارك في صنع الخراب، وبارك عمليات القصف، وشرّع الحصار، وتآمر على حقوق شعب محتل منذ أكثر من سبعين عامًا.
أن من يفتح ميكروفونه للعدو في لحظة نزف، دون أن يمتلك أدوات المواجهة الفكرية أو الأخلاقية، ليس محاورًا بل متواطئًا، وليس مهنيًا بل مروّجًا في هيئة إعلامي.
عماد أديب، بهذه المقابلة، لم يضرب فقط مصداقيته الشخصية التي تآكلت منذ سنوات، بل وجّه طعنة ناعمة إلى الوعي العربي، وحاول تمرير السمّ في عسل المقابلات الحيادية، متناسيًا أن الحياد في وجه الجريمة جريمة أكبر.
ما فعله عماد أديب لم يكن مفاجئًا لمن تابع مسيرته الأخيرة؛ فقد شُطِب من نقابة الصحفيين، وتورّط في شبكة من العلاقات المثيرة للريبة. لكن الجديد أنه ارتضى أن يكون النافذة التي ينفذ منها لابيد إلى قلب المتلقي العربي، في وقتٍ تحأول فيه آلة الإعلام الصهيوني تلميع وجه الدولة القاتلة بعد أشهر من المجازر في رفح وخأن يونس وجباليا وغيرها من أحياء غزة.
هذه المقابلة لن تُنسى، لا لفرادتها، بل لأنها تمثل لحظة عار في تاريخ الإعلام العربي، واختبارًا فشلت فيه المهنية، وسقط فيه الضمير. وليس أديب وحده من يجب أن يُسأل، بل القناة التي استضافت هذا السرد القاتل، والمناخ السياسي الذي سمح بمرور هذه الفضيحة تحت مسمى الحوار.
فليعلم من يبرر هذا العبث أن التاريخ لا يرحم، وأن ذاكرة الشعوب أطول من كل موجات التبييض، وأن صوت الطفلة الفلسطينية تحت الأنقاض أعلى من أي مقابلة مدفوعة أو مدّعاة بالموضوعية، وأن من يُحاور السفاح، يُدأن ولو جلس مبتسمًا باسم المهنية.
عماد أديب جازف بالتجديف ضد إرادة الشعوب العربية التي ترفض التطبيع مع عدو لا تزال يداه ملطختين بدماء الأطفال في صابرا وشاتيلا وبحر البقر وفي غزة والضفة.. فماذا تريد يا عماد أديب يا ابن دفعتي في كلية إعلام القاهرة؟!