الوطن
أميرة خواسك
‫طاقة نور فى سنترال رمسيس
‫طاقة نور فى سنترال رمسيس

تاريخ الحرائق فى مصر فى عصرنا الحديث يعد تاريخاً محدوداً ولله الحمد، مقارنة بدول أخرى تتكرر فيها الحرائق بصورة تكاد تكون منتظمة، خاصة إذا ما كانت دولاً بها غابات، ولكن على الرغم من محدودية هذه الحرائق فى تاريخ مصر فإنها موجعة مؤلمة، تركت آثاراً غائرة لم تداوِها الأيام والسنون، لعل أبرزها حريق القاهرة فى يناير ١٩٥٢، التى التهمت فيه النيران ما يقرب من ٧٠٠ محل وسينما ومكاتب ونوادٍ وكازينوهات فى وسط القاهرة، شُرد على أثره آلاف العاملين.

أما الحريق الثانى، فهو حريق دار الأوبرا الملكية فى ميدان الأوبرا فى القاهرة فى أكتوبر من عام 1971، التى اشتعلت فيها النيران وقضت عليها تماماً خلال ست ساعات، لم تكن الخسارة فى المبنى العريق الذى كان معظمه من الخشب، لكن اللوحات الفنية النادرة والآلات الموسيقية والنوتات الموسيقية لأشهر الأوبرات والسيمفونيات وأشهرها النوتة الأصلية لأوبرا عايدة بخط يد ڤيردى، ناهيك عن ملابس العروض والإكسسوارات والديكورات وهذه كلها ثروة ثقافية لا تعوض، وبعد سنوات طوال كنت أرى الحزن الشديد على كثير من الفنانين الكبار، مثل جابر البلتاجى وحسن كامى وأميرة كامل ورتيبة الحفنى وهم يتحدثون عن هذا اليوم بمرارة شديدة.

من حين لآخر يحترق قطار أو مصنع أو منزل أو حتى قصر ثقافة، حتى جاءت فترة بدأت مع 25 يناير 2011، وأصبحت أخبار الحرائق التى تلتهم أقسام البوليس والمحاكم والمبانى الحكومية وأمن الدول - أصبحت أخباراً معتادة مع حالة الاضطراب والفوضى التى استغلها البعض لإخافة الشعب المصرى وإثارة الفزع فى نفوس أبنائه، وهو الشعب المسالم. حتى استقر الحكم واستقرت الدولة المصرية، وأصبحت مثل هذه الحوادث تقل تدريجياً، حتى بات من النادر وقوع ما هو غير معتاد فى أى مكان فى العالم.

لكن ظلت الحوادث التى تصيب مصالح المصريين هى الأكثر إيلاماً والأكثر خسارة، لهذا عندما استيقظ المصريون على اشتعال النيران فى مبنى سنترال رمسيس، وما تبعه من ارتباك فى كثير من الأجهزة، بل والإضرار بالمصالح اليومية للمواطنين، كانت تلك هى المفاجأة التى ضاعفت من الخسارة ومن الفزع على سير الحياة اليومية للمصريين، فقد تعطل الكثير من أوجه الحياة التى اعتاد عليها الناس ورتبوا أمورهم عليها.

لكن الملاحظة الواضحة فيما جرى هو سلوك الشعب المصرى، فعلى الرغم من توقف الكثير من الاحتياجات والنشاطات لكنه تعامل على الفور مع الأزمة بكل شجاعة، ولم يفعل كما كان يتمنى البعض باستغلال الموقف لإشعال النيران فى النفوس كما اشتعلت فى المبنى العتيق، والكثير من الحكايات عن المواقف الرائعة للتكافل التى انتشرت بصورة مذهلة، وهذا لا يمنع أن هناك من استغل الموقف واستفاد من الأزمة، لكن الغالبية العظمى كانت على هذا الاصطفاف الرائع لكافة الطبقات وفى كثير منها دون أية ضمانات سوى الكلمة ودون ترتيب مسبق أو توجيه.

على الرغم من قتامة الحدث وتركه لجرح غائر على أرواح من استشهدوا ومن أصيبوا وهم يمنعون الأذى، فإن طاقة نور قد ظهرت لتؤكد أن هذا الشعب لا يزال بخير، وأن قيمه وأخلاقه الحقيقية تظهر فى الشدائد بما يثير الدهشة والاحترام.

الأمر سيعالج والسلبيات سيتم تجاوزها، والحقيقة ستظهر يوماً ما، وسنتعلم الدرس لكن سيبقى أبناء هذا الوطن قادرين على الإبداع الذى يتجلى فى الشدائد دون اتفاق أو ترتيب.. حفظ الله مصر وحفظ شعبها من كل مكروه وأدام عليه أصالته.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف