الوفد
عباس الطرابيلى
أسماء.. لها تاريخ
المصري.. يعشق كل قديم.. ولا يفرط فيه، حتي ولو كان من.. الكراكيب!!
وهذا العشق نابع من أنه شعب قديم.. تاريخه موغل في القدم.. ربما لأنه ولد وعاش بين كل تلك الآثار العظيمة التي يتجاوز عمرها 5000 عام..
ومن هذا العشق.. عشقه لأسمائه القديمة.. حتي ولو انقرض سبب وجودها التي نشأت مع كل الحرف التي عرفها المصري، منذ القديم. حتي ولو كان الاسم مرتبطا بحيوانات أو عاهات مثل نقص أصبع، أو زيادته. أو ذراع أو عيناه جاحظتان.. فتلك كلها «خلقة ربنا».
<< وفي كتابي عن غرائب الأسماء المصرية والعربية رصدت العديد من الأسماء التي جاءت بسبب «صنعة معينة..» أو حرفة معينة.. وتحولت من مجرد صفة لمن يعمل بها، إلي اسم التصق بصاحبها لمئات السنين.. واستمر حتي الآن.. ولكن ما لفت نظري هو هذا التمسك الشديد بهذه الأسماء «أي الحرف» لأنها أصبحت أسماء لعائلات تشعبت وامتدت، وأصبح صعباً التخلي عنها..
<< نجد مثلا «الحطاب».. فهل هناك في مصر الآن من يجمع الحطب.. ويتاجر فيه ويبيعه لمن يشعله ويعد به طعامه «علي الكانون» حتي الآن؟! و«السقا» الذي كان يحمل الماء من نهر النيل، أو من الخليج المصري، إما فوق ظهره «بالقربة» المصنوعة من جلود الماعز والغزلان.. أو علي براميل خشبية فوق عربة كارو يجرها هو.. أو يجرها أحد البغال أو الحمير.. وكانت من أهم الحرف في حياة الإنسان..
والحصري.. الذي كان يصنع الحصير من نبات السمار المشهور في شمال الدلتا.. وكانت الحصيرة في كل بيت زمان. وكذلك المساجد.. ومعها وجدنا الإكيابي، الذي كان يصنع البسط من الأكياب وهو بنات شبيه بالغاب ولكن ليِّن فيسهل تشكيله. وكانت كل عشش رأس البر زمان تصنع من هذه الأكياب فيسهل دخول الهواء للداخل، يعني تصبح «مكيفة» ومعها «الغواب» وهو نوع من الغاب يصنع من قوائم هذه العشش حتي وجدنا قرية قرب دمياط كانت تتخصص في صنعها لرأس البر اسمها الغوابين، وهناك عائلة باسم الغواب، أيضا في دمياط..
<< أيضاً عائلة الحريري، وهو صانع الحرير أو غزل الحرير الطبيعي. وهي من أشهر عائلات دمياط، زمان.. ومعها عائلة العقاد وعميدها أديبنا الكبير عباس محمود العقاد، الذي ينتسب إلي دمياط رغم أنه ولد في أسوان وهي حرفة تعتمد علي إعداد «عقد الحرير» وخيوط الحرير.. فصانعها يسمي عقاداً.. وبالطبع انقرضت صناعة الحرير والغزل ولكن مازالت الأسماء شاهدة علي هذا العصر..
ثم المبيَّض وكانت مهنة أساسية نقول علي «تبييض» الأوعية النحاسية التي كانت هي أساس أي مطبخ مصري.. باستخدام «القصدير» أي الأزير لوضع طبقة منه علي النحاس حتي لا يصدأ أو يصيبه مشكلة «الجنزرة» وهي مادة سامة.. وإذا كانت حرفة المبيض قد انتهت بطغيان أوعية الألومنيوم ثم التيفال، بعد ذلك، فإن حرفة صنع الأوعية النحاسية قد انتهت بالتالي.. اللهم إلا في صنع «هلال» المساجد النحاسي.. ولذلك انتهت حرفة المبيض.. والنحاسين.. بل وضاع عصر سوق النحاسين.. ورحم الله مصطفي النحاس باشا زعيم الأمة..
<< والنشار.. كان اسماً شائعاً وهو من كان يقوم بشق الخشب بالمنشار.. وتحويل ساق الشجرة إلي ألواح.. وانتشر هذا الاسم في المدن الساحلية حيث صنعة بناء السفن.. وكان الدكتور النشار من أشهر أصدقاء جمال عبدالناصر أيام الشباب.. ومع عصر الميكنة انتهي عصر هذا «النشار». والزيات وهي حرفة بيع زيت الطعام. سواء من بذرة القطن «الفرنساوي» والحار من بذرة الكتان. والسيرج من السمسم وزيت الزيتون.. وأيضا «السرجاني» أي من السرجة أي مكان تحويل السمسم إلي زيت للطعام.. ويظل الاسم موجوداً وإن تقطعت جذورهم مع أصول أسمائهم..
<< والحجار.. طبعاً انقرضت حرفة قطع الأحجار والتجارة فيها.. حتي وإن عادت عصرياً مع الحجر الفرعوني، أو الحجر الجيري لصنع الفيلات الحديثة.. وكذلك حرفة النقاش أي صبغ حوائط البيوت وإن تركت لنا واحدة من أعرق العائلات.. الثقافية.. أما الدهان فهو بائع الدهن أي الزيوت العطرية، وليس دهن الطعام، كما يفهم البعض.. وأيضا اسم الشوادفي، أي صانع الشادوف وكان من أهم أدوات الري قبل اختراع الطلمبات!! وكما انقرضت أو كادت حرفة الرفا تكاد تنقرض حرفة الخياط.. ولكن مازال الاسم يملأ الأسماع!!
حقاً التاريخ يدور.. ولكن يظل التمسك بالأسماء... فهي فعلاً أسماء لها تاريخ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف