بكل الحزن والألم تلقَّت مصر، الأسبوع الماضى، هجمات إرهابية قاصية تقودها عصابات متشددة، لم تكن الأولى من نوعها خلال السنوات الماضية، ولكنها كانت الأعنف والأكثر كآبة. رحم الله شهداءنا وحفظ مصر وجنودها.
هناك استراتيجيتان للتعامل مع تلك الأزمة العاصفة، الأولى هى الهيستيريا والانفعال والاندفاع، وهى ما نراه يوميًّا فى مَن يتصدَّر المشهد الإعلامى المصرى. فنرى الصراخ يملأ الشاشات التليفزيونية فى ظل مطالبات غير مفهومة بتدوير آلة الحرب على كل صاحب رأى أو رؤية فى حل الأزمة المتراكمة. وتنهال علينا طلبات إلغاء القانون وهدم المؤسسات التشريعية وكل ما شابه من إجراءات ليست لها علاقة بمكافحة الإرهاب، بل العكس فإن أسهمت فإنها تسهم على هدم الدولة بطريقة ناعمة ربما تؤدّى إلى نفس النتائج التى يسعى الإرهابيون إلى تحقيقها. وتكتمل تلك الاستراتيجية عادة بأوبريت أو إعلان غنائى يقدّمه بعض الفنانين غير المؤثرين فى خصام تام مع الإبداع. فتكون النتيجة للأسف الشديد مزيدًا من الإحباط والفشل فى مواجهة خطر الإرهاب.
أما الاستراتيجية الثانية والأكثر فاعلية، فهى البدء الفورى فى التعامل الأمنى مع الإرهاب، ولكن فى إطار خطة شاملة تحتوى على حلول أخرى بجانب الحل الأمنى. وحتى يتسنَّى لنا وضع الاستراتيجية السليمة هناك عدة نقاط يجب أخذها فى الاعتبار، فرغم أنها تبدو سهلة وواضحة، فإنه للأسف يفتقدها معظم الحلول المطروحة على الساحة منذ الحادث الأليم.
1- لا يوجد حل فورى أو حاسم للقضاء على الإرهاب بين ليلة وضحاها. سوف تكون هناك تجارب وأخطاء ونجاحات وإخفاقات. فالاستراتيجية يجب أن تكون متغيّرة وتضع المستجدات فى اعتبراها ولا تنحصر مجموعة من الإجراءات غير قابلة للتغيير أو التعديل.
2- مواجهة الإرهاب من خلال مؤسسة واحدة، حتى إن كانت أكبر مؤسسة أمنية فى العالم لن تؤدّى إلا إلى المزيد من الإخفاق. يجب أن تتعاون كل فئات المجتمع فى الحرب ضد الإرهاب، وعلينا تقبُّل الاجتهادات المختلفة فى هذا الشأن وعدم تخوين كل صاحب رأى نقدى.
3- تنمية سيناء لا تتعارض مع محاربة الإرهاب، بل العكس هى تساعد على القضاء عليه، فلا يمكن أن تكون خطط تنمية سيناء رهينة مؤسسة بيروقراطية لتعمير سيناء عديمة الإنجاز.
4- الكمائن الثابتة أثبتت فشلها، فهل سمع أحدكم عن إرهابى تم القبض عليه فى كمين؟ بل إنها فكرة اختفت تمامًا من نظم الأمن الحديثة، بحيث أصبح الكمين الثابت مجرد هدف للإرهاب. وقد انتشرت الكمائن الثابتة فى كل أنحاء الجمهورية بعد الحادث الأخير دون أى انعكاس إيجابى على الأمن فى مصر.
5- الإرهاب ليس قضية محلية مصرية، بل قضية إقليمية، ويجب أن تشترك مصر مع التفاعلات الإقليمية الحالية، مثل الأزمة السورية والليبية والإيرانية والعراقية، لمواجهة الإرهاب.
6- نظرية المؤامرة -حتى إن صدقت- تقدّم أصعب الإجابات لأسهل الأسئلة وأسهل الإجابات لأصعب الأسئلة.
7- الإرهاب يتغذَّى سيلًا على سيل من الأفكار المتشددة، نحتاج إلى مواجهتها بفكر تنويرى حديث لا تقدمه النخبة الإعلامية الحالية، بل العكس فإنها أحيانًا تضيف إلى حجج الآخرين.
أتمنى أن نضع استراتيجية متكاملة للقضاء على الإرهاب قريبًا، أما الآن فلا نملك إلا مساندة جنودنا الأبطال فى حربهم ضد الإرهاب، والدعاء لشهدائنا بالرحمة والجنة.