الوفد
علاء عريبى
الشرب بنفس واحد
سئل ابن تيمية: عن «شرب النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثا»: ورد الحديث أيضا: «أنه شرب صلى الله عليه وسلم قائما» فهل هذا للتنزيه؟ أو للتحريم؟ وهل إذا شرب من غير عذر قائماً عليه إثم؟ وهل إذا شرب مرة واحدة هل يكون حراماً؟.
فأجاب: الأفضل أن يتنفس فى الشرب ثلاثاً ويكون نفسه فى غير الإناء، فإن التنفس فى الإناء منهى عنه، وإن لم يتنفس وشرب بنفس واحد جاز، فإن فى الصحيح عن أنس: «أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتنفس فى الإناء ثلاثاً وفى رواية لمسلم: «كان يتنفس فى الشراب ثلاثا يقول: إنه أروى وأمرى». فهذا دليل على استحباب التنفس ثلاثا. وفى الصحيح عن أبى قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس فى الإناء» فهذا فيه النهى عن التنفس فى الإناء. وعن أبى سعيد الخدرى: «أن النبى صلى الله عليه وسلم» نهى عن التنفس فى الشراب فقال الرجل: القذاة أراها فى الإناء؟، فقال: أهرقها قال: فإنى لا أروى عن نفس واحد: قال: «فأبن القدح عن فيك» رواه الترمذى وصححه. فلم ينه النبى صلى الله عليه وسلم عن الشرب بنفس واحد؛ ولكن لما قال له الرجل: إنى لا أروى من نفس واحد قال: «أبن القدح عن فيك» أى لتتنفس إذا احتجت إلى النفس خارج الإناء. وفيه دليل على أنه لو روى فى نفس واحد، ولم يحتج إلى النفس جاز. وما علمت أحداً من الأئمة أوجب التنفس، وحرم الشرب بنفس واحد. وفعله صلى الله عليه وسلم يدل على الاستحباب.
وأما «الشرب قائما» فقد جاءت أحاديث صحيحة بالنهى وأحاديث صحيحة بالرخصة، ولهذا تنازع العلماء فيه وذكر فيه روايتان عن أحمد، ولكن الجمع بين الأحاديث أن تحمل الرخصة على حال العذر. فأحاديث النهى مثلها فى الصحيح «أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما» وفيه عن قتادة عن أنس: «أن النبى صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما» قال قتادة: فقلنا: الأكل؟ فقال: ذاك شر وأخبث. وأحاديث «الرخصة» مثل حديث ما فى الصحيحين عن على وابن عباس قال: «شرب النبى صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم» وفى البخارى عن علي: أن عليا فى رحبة الكوفة شرب وهو قائم. ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت. وحديث على هذا قد روى فيه أثر أنه كان ذلك من زمزم كما جاء فى حديث ابن عباس هذا كان فى الحج والناس هناك يطوفون ويشربون من زمزم ويستقون ويسألونه ولم يكن موضع قعود مع أن هذا كان قبل موته بقليل فيكون هذا ونحوه مستثنى من ذلك النهى وهذا جار عن أحوال الشريعة: أن المنهى عنه يباح عند الحاجة, بل ما هو أشد من هذا يباح عند الحاجة؛ بل المحرمات التى حرم أكلها وشربها كالميتة والدم تباح للضرورة. وأما ما حرم مباشرته طاهرا - كالذهب والحرير - فيباح للحاجة وهذا النهى عن صفة فى الأكل والشرب: فهذا دون النهى عن الشرب فى آنية الذهب والفضة وعن لباس الذهب والحرير؛ إذ ذاك قد جاء فيه وعيد ومع هذا فهو مباح للحاجة: فهذا أولى. والله أعلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف