المساء
محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "20"
تأخذ معجزة الإسراء والمعراج موضعاً متميزاً في السيرة النبوية. وعلي حد تعبير عبدالحميد السحار. فإن المحدثين لم يكثروا في حديث كما فعلوا في حديث الإسراء. ولم يتركوا الأعنة لأخيلتهم في حديث آخر مثلما أطلقوها في هذا الحديث. رحلة السماء استهوت أهل الأرض. وحركت الخيال ليتصور ما يشاء من الأعاجيب. ولأن علم ذلك الزمان كان محدوداً من الكون والفضاء والسماوات العلا. فقد أخفقت علومهم في تزويد أخيلتهم إلا ببعض ما لمسوه في حياتهم. وما تمنته عقولهم التي كانت تري أن النعيم أنهار وظل ظليل. وان وسيلة الانتقال بين الأرض والسماء لا يمكن أن تكون غير دابة فوق الحمار. ودون البغل. تسير بسرعة البرق. عبروا عنها بالبراق يضع حوافره عند منتهي طرفه. ولم يستطيعوا أن يتصوروا السماوات غير تصورهم للأرض. فجعلوا لها أبواباً تدق. ولأن غالبيتهم كان يعمل بالتجارة. فقد جعلوا لله ــ سبحانه ــ بعض صفة التجار. يقبل الفصال في فريضة فرضها علي عباده المسلمين. قالوا إن الله فرض خمسين صلاة كل يوم. وان موسي ــ عليه السلام ــ أشفق من كثرة الصلوات. وتكرر نصحه لمحمد صلي الله عليه وسلم. كي يرجع إلي ربه يسأله التخفيف. حتي أمر الله بخمس صلوات كل يوم ثوابها خمسين.
رجع السحار إلي حديث الإسراء في كتابات كثيرة. ثمة من ساق الحديث بطوله. وثمة من اختصره. وأضيفت إضافات كثيرة. بعضها ذكي. وبعضها منكر وغريب. رغم ان الحقيقة في القرآن واضحة تماماً "سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير". ويقول تعالي في محكم كتابه: "والنجم إذا هوي. ما ضل صاحبكم وما غوي. وما ينطق عن الهوي. إن هو إلا وحي يوحي. علمه شديد القوي. ذو مرة فاستوي. وهو بالأفق الأعلي. ثم دنا فتدلي. فكان قاب قوسين أو أدني. فأوحي إلي عبده ما أوحي. ما كذب الفؤاد ما رأي. أفتمارونه علي ما يري.. ولقد رءاه نزلة أخري. عند سدرة المنتهي. عندها جنة المأوي. إذ يغشي السدرة ما يغشي. ما زاغ البصر وما طغي. لقد رأي من آيات ربه الكبري".
حول حقيقة الإسراء نسجت روايات كثيرة. تزعم ان الرسول العظيم رواها. فضل عبدالحميد السحار أن يرجع إلي ما قاله ابن كثير في تفسير القرآن: "وإذا حصل الوقوف علي مجموع هذه الأحاديث. صحيحها وحسنها وضعيفها. يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسري رسول الله صلي الله عليه وسلم من مكة إلي بيت المقدس. وانه مرة واحدة. وإن اختلفت عبارات الرواة في أدائه. أو زاد بعضهم فيه. أو نقص منه. فإن الخطأ جائز علي من عدا الأنبياء عليهم السلام. ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخري مرة علي حدة. فأثبت إسراءات متعددة. فقد أبعد وأغرب".
وجد الرواة في الإسراء مادة خصبة لقصصهم. فجروا وراء شطحات الخيال. ورووا مناكير وغرائب لا تثبت للنقد. والمدقق في تلك الأحاديث التي نسبت ــ ظلماً ــ إلي الرسول صلي الله عليه وسلم . يري بصمات أصابع اليهود الذين أسلموا. أو الذين تظاهروا بالإسلام. والكذابين من الرواة الذين يستهويهم كل غريب. أو الذين ينقلون عن التوراة والإنجيل بحسن نية. متوهمين أن ذلك النقل يخدم الإسلام. وكما يقول الكاتب فما كانت أساطير الأولين تخدم الأديان.
ويتجه السحار بالقول إلي قارئه بالقول: إني أستحلفك بعلمك وذوقك وانصافك. أن تنظر معي إلي قول الله سبحانه: "أفتمارونه علي ما يري". ثم قل لي بعد ذلك ماذا تري؟ أفيسهل عليك أن تسلم أن المراء والجدال كانا في رؤيا منامية؟ وهل يكون في رؤيا الروح وحدها في النوم جحود ومجادلة؟ وهل لذلك وقع عند القائل والسامع حتي تذكر فيه تلك الآيات. وتحصل به تلك المجادلات. وينوه بشأنه في القرآن هذا التنويه العظيم؟ وهل عهد مثل ذلك في الرؤي المنامية؟ وهل ينكرون علي أنفسهم ذلك حتي ينكروه عليه صلي الله عليه وسلم؟.
للكلام بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف