الوفد
عباس الطرابيلى
الرجل الأخضر.. ومسلسلات المقالب
من قال إن الدراما تمثل المجتمع المصري.. ثم من قال إن هذه الدراما خرجت من قاع المجتمع.. وهل هذه هي مصر؟!
والدراما ليست فقط في الأفلام والمسلسلات .. ولكنها أيضاً في .. الإعلانات.. وكله يجري علي هواه، وهذا مرفوض حتي ولو ادعي البعض أن هذه هي حرية الإبداع..
والمصري يعيش الآن صراعاً بين تفاهة مسلسلات المقالب.. وعنف مسلسلات الدراما، التي أصبحت فيها قرن الغزال، لعبة في أيدي العيال، بعد أن شاع تواجد السيوف والسنج.. وانتهي عصر الشومة والجدعنة لندخل - بهذه الدراما - عصر الجنازير ومسدسات الخرطوش والخناجر.
<< وما يشدني أكثر نتائج انتشار بعض الإعلانات التي تدغدغ حواس الأطفال وجذبهم إلي الضغط علي أسرهم لشراء كل هذه «الدقائق» التي توزن بالجرام وفيها من الضرر أكثر مما فيها من النفع، إن كان فيها أي منفعة أصلاً، هنا يبرز دور جمعيات حماية المستهلك، بعد أن رفعت الدولة نفسها من مسئولية حماية المجتمع، مما يعرض في الأسواق.. أو يشاهده الصغار بالألوان الطبيعية والرقص والطبل والزمر..
ولكنني أتعجب أكثر من اعلانات الشقق الجديدة، في المنتجعات أو في الكومباوندات وأيضاً للمحلات الاستثمارية.. وبعض هذه الإعلانات تحاول إحياء «لوثة أو صرعة» الرجل الأخضر الأسطوري الذي شاع صيته في سينما الستينيات والسبعينيات، وربما أيضاً الرجل الذئب..
<< وهم - هنا - لم يكتفوا بالرجل الأخضر.. بل صنعوا أيضاً المرأة الخضراء.. وأخيراً الطفل الأخضر، أو الصبي الأخضر.. الذي يطير في الهواء ليعبر عن سخطه وغضبه.. وكأنه هنا يعيد إلي الذاكرة حكاية قديمة مع بداية عصر التليفزيون المصري، الذي قدم لنا أيامها شخصية فرافيرو العجيب، الذي يقفز من النوافذ والبالكونات.. ويطير في الهواء.. حتي وصل الأمر إلي أن لقي بعض الأطفال مصرعهم عندما حاولوا تقليد فرافيرو هذا.. وطاروا من الادوار العليا!! وبعد أن تنبه الناس إلي مخاطر هذه الشخصية الخرافية.. توقفت كل الاعلانات التي كانت تقدم هذه الشخصية.. وكانت «صرعة» خرجت من شخصيات خرافية مثل الوطواط وباتمان والرجل العقرب وغيرها.
<< ومازلت أتذكر تلك الشخصية الخرافية، التي بهرت جيلي كله من أوائل الأربعينيات إلي منتصف الخمسينيات، وهي شخصية طرزان ذلك الرجل الابيض العملاق الجسد وشعره السايح وعضلاته المفتولة الذي يسيطر علي كل ما هو في الغابة من إنس وحيوان.. حتي الأسود والنمور كانت تدين له بالولاء والطاعة.. وسيطر علي كل شيء في الغابة من الحيوانات المتوحشة إلي القرود.. وكان قادراً علي قتل أكثر التماسيح شراسة بخنجره اللامع البسيط.
ولكن هذه الشخصية الخرافية كانت من صنع الفكر الغربي بهدف دعم الفكر الاستعماري بأن الرجل الأبيض هو القادر علي كل شيء وعلي كل من حوله - من حيوانات وبشر - أن تدين له بالطاعة والولاء، وهذا هو المعني الذي كان وراء صنع شخصية طرزان في الفكر الاستعماري الغربي، ومن أشهر من أدي هذا الدور السباح العالمي الأوليمبي جوني ويسمولر!! والقردة شيتا..
<< ومن الإعلانات التي تستوقف علماء النفس والاجتماع الربط بين بعض المشروبات والأغذية.. وبين مصادر القوة الخارقة.. ولعل آخرها حتي الآن «صحي الدكر»!! وبعض رقائق البطاطس والطحين التي حولتها الحملات الاعلانية إلي ما يمسح قدرة العقل علي الحكم علي الاشياء.. بينما هي مجرد جرامات من أطعمة عادية ولكن الاعلانات تصنع منها هذا الوهم المستحيل.
<< ونصل إلي برامج التهريج والسباب والضحك علي الدقون، المسماة مسابقات الطائرات، التي تم تصويرها - بعيداً عن الأجواء المصرية - بينما الحقيقة تقول إن كثيراً مما يأتي فيها مجرد خدع تصويرية يلعب فيها فن الجرافيك نصيب الكبير.. وما يهمني منها هنا هو هذه الألفاظ التي تخرج من الفنانين لحظة الخوف، بل لحظة الخطر من الموت..
وللأسف - وبسبب غياب أعمال درامية حقيقية - تحصل هذه البرامج علي أعلي نسبة مشاهدة.. تري من هو التافه هنا..
<< أقولها بكل صدق.. إنه المشاهد الذي يعطي لنفسه الوقت ليشاهد هذه البرامج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف