الوفد
محمود غلاب
شاهد على اغتيال الصحافة
العبد لله شاهد على محاولة اغتيال حرية الصحافة بالقانون 93 لسنة 96. كنت مهتمًا بحضور جميع اجتماعات لجان مجلس الشعب الـ18 والتى يطلق عليها المطبخ البرلمانى، وكنت عاشقًا للجنة التشريعية والدستورية، لا أفوت لها اجتماعًا، تعاقب على رئاسة هذه اللجنة نواب محترمون من أمثلة الدكتورة فوزية عبدالستار والمستشار محمد موسى والدكتورة آمال عثمان، وفى يوم شاهدت كمال الشاذلى والمستشار جويلى والدكتور زكريا عزمى يتسحبون إلى اللجنة سرًا وأعنى بكلمة يتسحبون أنهم كانوا يريدون عقد الاجتماع الذى سيوافقون فيه على حبس الصحفيين فى غياب المحررين البرلمانيين حتى لا يكشفوا جريمتهم فى المهد.
وفاجأتهم بأن أكون أول الحاضرين فى مقر الاجتماع، طبقًا للائحة مجلس الشعب فإن اجتماعات اللجان سرية ولكن رؤساء اللجان كانوا يسمحون للصحفيين بالحضور، وحاول الشاذلى أن يقنعنى بأن الموضوع عادى، مجرد تعديل فى قانون العقوبات ولا علاقة له بالصحافة. وعندما دخل المستشار جويلى تأكدت أن النية مبيتة لذبح الصحافة لأنه كان أشهر ترزى قوانين وأكثر نائب فى الحزب الوطنى يعادى الصحافة، وتقريبًا هو الذى كان يقود الهجمة على الصحافة المصرية فى ذلك الوقت، ومر مشروع القانون، متضمنًا أحط تهمة للصحفيين وهى «ازدراء الحكومة» وأحيل المشروع إلى مجلس الشورى فلم يعدل فيه حرفًا، رغم أن هذا المجلس كان هو المالك للصحافة القومية فى ذلك الوقت ورئيسه هو رئيس المجلس الأعلى للصحافة، ولكن كان الدكتور مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى يستحى من أن يرد طلبًا للحكومة ومر مشروع الحبس الاحتياطى للصحفيين، وعاد إلى مجلس الشعب للموافقة عليه بصفة نهائية وبعدها تتم إحالته إلى رئيس الجمهورية لإصداره. ووقفت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين ضد هذا العدوان على حرية الصحافة على قلب رجل واحد، لا فرق بين صحفى فى جريدة قومية وبين صحفى فى جريدة حزبية، وكان نقيب الصحفيين فى ذلك الوقت الأستاذ إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام، ولا أنسى الدور الذى قام به الأستاذ جمال بدوى رئيس تحرير الوفد الذى اعتصم فى نقابة الصحفيين ورفض مغادرتها إلا بعد إسقاط القانون الظالم، كنت قد نشرت ما دار فى اجتماع اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، وما دار فى مجلس الشورى حول حبس الصحفيين وكشفت المؤامرة مبكرًا، وضاعت وسط صيحات نواب الحزب الوطنى (الأغلبية) تحذيرات نواب المعارضة والمستقلين من اغتيال حرية الصحافة والارتداد عن حرية التعبير ومصادرة حقوق المواطنين فى المعرفة، وحبس الصحفيين احتياطيًا مع الحرامية والمشبوهين فى الوقت الذى اتسعت فيه مساحة حرية الصحافة فى الدول المتقدمة وبعض الدول «النايمة» مثلنا. وأصر الصحفيون على الدفاع عن مهنتهم وعن حقوقهم وأصروا على إسقاط هذا القانون الجائر مهما كلفهم ذلك من تضحيات ومواجهة مع النظام، واتخذت الصحف قرارًا بعدم الإصدار يومًا، ونفذت معظم الصحف القرار، وصدرت الصحف باللون الأسود حدادًا على هذه الهجمة الشرسة التى تقصف الأقلام.
وبدأ مجلس الشعب مناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ، وصال وجال أعداء الصحافة تحت القبة وتذرعوا بأن الصحفيين ليس على رأسهم ريشة، وأن من يرتكب جريمة من أى فئة أخرى يتم حبسه، ودافع نواب المعارضة عن حرية الصحافة، وأكدوا أن انحيازهم بعدم حبس الصحفيين فى قضايا النشر ليس من أجل حرية الصحفى ولكن انتصارًا لحرية التعبير، والحق فى عدم الحبس يستفيد منه كل صاحب رأى يكتب من خارج نقابة الصحفيين، وأمام ثبات الصحفيين على موقفهم تدخل حسنى مبارك وألغى الحبس الاحتياطى وامتدادًا لهذا الانتصار تم إلغاء الحبس فى قضايا النشر فى الدستور.
بعد مرور 19 عامًا على هذه الواقعة تمر نقابة الصحفيين حاليًا بنفس الأزمة، بعد أن أصابت الصحافة شظية من نيران صديقة أطلقتها الحكومة من سلاح التشريع لمواجهة الإرهاب، وارتدت رصاصة لتصيب الصحافة فى القلب، إذ تحايلت الحكومة على الدستور الذى يحظر حبس الصحفيين فى قضايا النشر ودست مواد فى قانون مكافحة الإرهاب تعاقب فيها الصحفيين بالحبس سنتين، وتفرض رقابة على الصحف وتحدد ما ينشر فيها وما لا ينشر، وتقصر مصادر الصحفى على جهة واحدة وتعاقبه إذا جمع معلومات عن منفذى هذا القانون، الهجمة جاءت مباغتة، لأن الصحافة بكل توجهاتها تقف مع النظام الحالى وتدعمه وكان لها دورها البارز فى نجاح ثورتى 25 يناير و30 يونية بكشف الفساد، وفضح خيانة الإخوان، وقررت الحكومة مكافأتها على طريقة الدبة التى قتلت صاحبها. نقابة الصحفيين بدأت إجراءات اسقاط هذا القانون، بدون الدخول فى مواجهة مع الحكومة تقديرًا للظروف التى يمر بها الوطن. جميع الصحفيين لن يقبلوا العودة إلى عهود الظلام، المفروض أن تحتكم الحكومة إلى العقل الرشيد، وهى تتعامل مع الصحافة، لأن تقييد حرية الصحافة يصب فى خانة الإرهاب، حل الأزمة هو أن تعلن الحكومة إحالة المواد المتعلقة بالصحافة فى مشروع قانون مكافحة الإرهاب إلى نقابة الصحفيين احترامًا لحقها الدستورى وأن تقرر النقابة تفعيل ميثاق الشرف الصحفى على من يخرج على آداب وقواعد المهنة. الصحفيون ملتزمون بالأمن القومى ومن الممكن أن تتم هذه الحماية بدون حبس، وأن تكون النقابة هى المسئولة عن تأديب الصحفيين الذين يعرضون الأمن القومى للخطر من وراء النشر بدون تعيين رقيب حكومى عليهم.
إن العلاقة بين الصحافة والسلطة خلال هذه الفترة تحتاج إلى تعاون وليس إلى مواجهة يستفيد منها أعداء الوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف