هذا رجل أسلم وشهد بدراً مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه ثعلبة بن حاطب بن عمرو الأنصاري الأوسي. ورغم أنه بعد أن استقرت أنوار الإيمان في قلبه إلا أن ذلك لم يشفع له في طلب متاع الدنيا. فاتجه إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يطلب منه أن يدعو الله أن يرزقه مالاً. فقال له رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ويحك يا ثعلبة. قليل تؤدي شكره. خير من كثير لا تطيقه. وبعد فترة جاءه مكرراً نفس الطلب حيث قال: ادعو الله لي أن يرزقني مالاً. فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: أمالك فيّ أسوة حسنة. والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت. لكنه لم يقتنع فجاء للرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ قائلاً: ادع الله لي أن يرزقني مالاًثم أردف قائلاً: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه" وأمام هذا الإصرار استجاب سيدنا الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقال: اللهم أرزق ثعلبة. اللهم أرزق ثعلبة مالاً.
بعد هذه الدعوة التي تضرع بها رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لله ـ سبحانه وتعالي ـ اشتري ثعلبة غنماً شاءت أرادة الله أن تنمو نمواً مبهراً علي غير العادة وتروي الآثار أن الغنم نمت كما ينمي الدود. فكان يصلي مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ الظهر والعصر. ويصلي مع غنمه بقية الصلوات. ثم كثرت الأغنام ونمت فتقاعد حتي صار لا يشهد مع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلا الجمعة. وأمام تكاثر الأغنام وانشغاله بمتابعتها كان لا يشهد مع الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ جمعه ولا جماعة. حتي إذا كان يوم جمعة خرج يتلقي الناس فيسألهم عن الأخبار وفي هذه الأثناء تذكر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقال: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله. ثعلبة اتخذ غنماً لا يسعها واد. فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة.
بعد ذلك نزلت آية الصدقة. "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" فبعث رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ رجلاً من بني سليم ومعه آخر من بني جهينة. وحدد لهم الرسول قواعد أخذ الصدقة. ثم طلب منهما أن يمرا ثعلبة بن حاطب لأخذ صدقاتهما. فخرجا حتي آتيا ثعلبة فسألاه الصدقة. وأقرأه كتاب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقال: ما هذه إلا جزية. ما هذه إلا أخت الجزية. ثم طلب منهما أن ينطلقا حتي تفرغا من مهمتكما ثم عودا إلي. فانطلقا وسمع بهما السلمي. فنظر إلي خيار أسنان إبله ثم قام بعزلها للزكاة ثم استقبلهما بها فلما شاهدا الإبل. قالا: ما هذا عليك. قال: في إصرار خذاها فإن نفسي بها طيبة. ثم قاما بالمرور علي باقي الناس وحصلا علي الصدقة. وبعد ذلك رجعا إلي ثعلبة. فقال: أروني كتابكما؟ فقرآه. فقال: ما هذه إلا جزية وكرر ما سبق أن قاله. ثم طلب منهما أن يذهبا حتي أري رأيي!!.
عندما عاد هذان الرجلان فلما رآهما سول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقبل أن يكلماه قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: يا ويح ثعلبة. وبعد أن استمع ـ صلي الله عليه وسلم ـ للرجلين وتعرف علي نتائج رحلتهما. ثم دعا للسلمي بخير هنا أنزل الله ـ عز وجل ـ قوله: "ومنهم من عاهد الله لئن أتانا الله من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتهم من فضله بخلو به وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون" 75 ـ 77 التوبة. وعرف بعض أقارب ثعلبة بما أنزل الله وقاموا بإخباره فاتجه ثعلبة مسرعاً إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وسأله أن يقبل صدقته فقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إن الله منعني أن أقبل صدقتك. فأخذ يصرخ ويحثي التراب علي رأسه. فقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: هذا عملك. بعدها عاد ثعلبة إلي بيته حزيناً ثم قبض رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ. ثم قام ثعلبة بعرض صدقته علي أبي بكر فرفضه وكذلك عمر ثم مات ثعلبة في أيام خلافة عثمان ـ رضي الله عنه ـ لعل هذه الفرصة التي ذكرتها بكل تفاصيلها كما جاءت في كتاب "أسد الغابة" تكون درساً لكل ذي عقل رشيد. لعلهم يستوعبون هذا الدرس ولله الأمر من قبل ومن بعد.