عباس الطرابيلى
الأب الشرعى.. للإعلام المصرى
ما دخلت مبنى الإذاعة والتليفزيون، الشهير باسم مبنى ماسبيرو، إلا وتذكرت الدكتور عبدالقادر حاتم.. فهو الأب الشرعى للتليفزيون المصرى، منذ كان فكرة فى عقل جمال عبدالناصر، إلى أن حولها الدكتور حاتم إلى هذا الصرح العظيم، على نيل القاهرة.. وكأنه يقول للعالم كله: تلك هى مصر الحديثة.
ولقد التقيت كثيرًا بالدكتور حاتم منذ أصبح وزيرًا للإعلام، والثقافة وأيضا للسياحة.. ورأيت فيه إنسانًا - قبل أن يكون مسئولاً.. وقد لا يعرف البعض أن د. حاتم عمل مديرًا لمكتب الرئيس عبدالناصر عامى 53 و1954.
<< ويذكر للرجل أنه كان «الوجه الإعلامى لثورة يوليو» وقبل إنشائه للتليفزيون لا أحد ينكر أنه كان وراء إنشاء إذاعة صوت العرب مع رفيقه فتحى الديب وإنشاء إذاعة القرآن الكريم وأيضا الإذاعات الخارجية الموجهة بالذات إلى أفريقيا.. وكذلك إنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط كأول وكالة أنباء عربية.. وأيضا تطوير العمل فى هيئة الاستعلامات فى أواخر الخمسينيات وإنشاء العديد من المكاتب الخارجية لها فى أقطار الدنيا.
<< وللدكتور حاتم بصمات واضحة فى مجالى الثقافة.. والسياحة.. فهو صاحب فكرة ثقافة الجماهير.. أى تقديم الكتب العالمية والعربية بقروش زهيدة للقارئ المصرى وصاحب المسلسلات الثقافية: اخترنا لك. المكتبة الثقافية.. وأعلام العرب وغيرها بقروش زهيدة: بقرشين، وخمسة قروش، وعشرة قروش أى حول فكرة مكتبة الأزبكية «والسور الشهير» بطريقة عصرية.. بملاليم قليلة.. وهذه الفكرة سبقت - بسنوات عديدة - فكرة مكتبة الأسرة، التى كانت أيضا فكرة رائدة.. وقدم لنا - أيضا - روايات عالمية لنقرأ الأدب العالمى بقروش قليلة.. ولم يكن هذا عملاً هينًا.. إذ التحمت هذه الفكرة بفكرة الدور الإذاعى والتليفزيونى لتصنع كلها تلك الأسطورة الثقافية الرائعة.
<< وفى الجانب السياحى، كان الدكتور حاتم أول من تنبه إلى تشجيع السياحة إلى مصر.. وأن الحل هو الإكثار من بناء الفنادق العالمية داخل مصر بل وسعى إلى بناء الفنادق، حتى بنظام الأخشاب سابقة التجهيز كما فعل فى حدائق قصر الجزيرة - الماريوت بعد ذلك - لتوفير غرف نوم بأسعار زهيدة.. وأقام فنادق فى ميدان التحرير وعلى شاطئ نيل العجوزة حتى رسم فنان الكاريكاتير الشهير صلاح جاهين نكته الشهيرة عن العصفور الذكر الذى يهمس فى أذن عصفورته أن تعمل على إخفاء عشهما، حتى لا يستولى عليه حاتم ويحوله إلي.. فندق!! ووضع يده فى يد الدكتور ثروت عكاشة لإنقاذ آثار النوبة.. ويا له من عمل.
<< وعندما كان الرئيس السادات يخطط لإعداد مصر للحرب عام 1973، لم يجد السادات أفضل من الدكتور حاتم لكى ينيب عنه فى إدارة جلسات مجلس الوزراء، الذى كان السادات، اسميا، هو رئيس المجلس ولكن حاتم كان هو رئيس الوزراء الفعلى بجانب أنه كان نائبًا لرئيس الوزراء للثقافة والإعلام فى حكومة إعداد مصر للحرب، التى تشكلت يوم 27 مارس 1973، وهى وزارة العمالقة: ممدوح سالم والدكتور عبدالعزيز حجازى والفريق أحمد إسماعيل على ومحمود رياض ويوسف السباعى، وفؤاد محيى الدين والمهندس هلال وإسماعيل فهمى، وقبل الحرب بأربعة أيام تم اضافة وزارة الإعلام، إلى الدكتور حاتم، بجانب كل مهامه السابقة ليقود الحرب الإعلامية، لحرب تحرير سيناء أكتوبر 1973 وكانت هذه الحرب الإعلامية - بما لازمها من صدق إعلامى - نقلة عظيمة فى الإعلام الصحيح.
<< وقد يكون البعض قد نسى أن الدكتور حاتم تولى مسئولية إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية، فى هذه الفترة الحيوية وما بعدها.. وهى الفترة التى أفرج فيها السادات عن عميد الصحافة العربية مصطفى أمين، وعودة توأمه على أمين إلى أرض الوطن مديرا لتحرير الأهرام، ثم مسئولاً صحفيا عن إصدارات الأهرام بجانب الدكتور حاتم رئيسًا لمجلس الإدارة.
وحاتم لم يقنع بما حصل عليه من علم عسكرى عام 1939، الدفعة التالية لدفعة عبدالناصر وعبدالمنعم رياض، بل واصل مسيرة المعرفة حتى حصل على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة، وساهم بعلمه فى تقديم العديد من المؤلفات فى الإعلام وصار أستاذا محاضرًا للإعلام - وهو أبرز نجومه - وأحد الذين قدموا المعجزة اليابانية للقارئ المصرى.
<< ألا يستحق أن نطلق اسم الدكتور حاتم على مبنى التليفزيون بدلا من اسم جاستون ماسبيرو عالم الآثار المصرية ومدير المتحف المصرى الفرنسى الجنسية ليحمل مبنى ماسبيرو الذى أنشأه الدكتور حاتم، اسم هذا الرجل العظيم الذى رحل عن عالمنا - أمس الأول - الدكتور محمد عبدالقادر حاتم المولود بالإسكندرية يوم 3 سبتمبر عام 1918.