الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خواطر حول فتح مكة
ما حدث في صلح الحديبية من تفاوض انتهي بقبول رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لشروط أملتها قريش واعترض عليها بعض الصحابة لاعتقادهم ان في تلك الشروط إجحافاً بحق المسلمين وانقاصاً من مكانتهم إلا أن الرسول القائد رأي ببصيرته الثاقبة أن قريشا لن تحتمل الصبر علي ما سوف تحققه شروطهم التي تمسكوا بها وهو ما أسفرت عن صحته الأيام. ذلك أن من يأتي إلي الرسول - صلي الله عليه وسلم - إلي المدينة من القريشيين يرده إليهم فما كان من هؤلاء الذين ردهم إلا أن أبوا الرجوع إلي مكة حتي لا يتعرضوا إلي الاهانة والتعذيب وشكلوا من أنفسهم قوات فدائية تعترض قوافل قريش وتغير عليهم. فأحدثوا رعبا وقلقا لدي القريشيين علي أموالهم وتجارتهم فضلا عن الاغارة المستمرة علي أطراف مكة والانتقام من قوم أرادوا بهم شرا. وكان القريشيون قد نصروا حلفاءهم علي متحالفين مع الرسول - صلي الله عليه وسلم - نقضا للعهد الذي أبرموه في الحديبية.
وكانت اللحظة المناسبة لفتح مكة التي وعد الله بها رسوله وصحابته في قوله تعالي "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا".
علمت قريش بخروج الرسول الكريم بجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل بعثت جواسيسها لاستطلاع الأمر والوقوف علي مدي تلك القوة الآتية إليهم.. وقعت الجواسيس في قبضة قوة الاستطلاع المحمدية واصطحبتها إلي القائد في خيمته. كان العباس بن عبدالمطلب قد وعد أبا سفيان قائد الجواسيس بالحماية إذا تراجع عن كفره إلا أن العباس الخبير الحربي - بتوجيه من الرسول - وضع أبا سفيان في مكان يري فيه مرور القوات الآتية من قبائل عديدة بشبه الجزيرة العربية فتحرك الحقد في أضلاعه ونطق لسانه مخاطبا العباس قائلا: ان ملك ابن اخيك اليوم عظيما فيتدارك العباس رضي الله عنه قائلا لأبي سفيان: بل هي النبوة.. قول أبي سفيان ينبيء عن صراع داخلي قديم ينتابه هو وقبيلته حرصا علي الزعامة التي رأها تسلب منهم فعبر بكلمة الملك غير فاهم ان الرسول مبلغ كلمة الله إلي البشر لا يسعي إلي زعامة يتنافس عليها البشر.
لأن العباس يفهم عقلية أبي سفيان وخبير بها اقترح علي الرسول - صلي الله عليه وسلم - أن يرضي غروره فأعطي الرسول الحكيم الأمان لكل من يدخل داره أو دار أبي سفيان مشيرا إلي أن القائد لابد أن يكون علي بينة وعليم بالنفوس التي يتعامل معها وبهذا القول أشبع رغبة أبي سفيان في الفخر.
كان الفتح الأعظم.. فتح مكة ليرسي محمد - صلي الله عليه وسلم - قواعد الرحمة والتسامح تطييبا للمجتمع ولما للشمل ودرءاً لنزاعات العداوة والبغضاء مسامحا لكل من أمن منه المسلمون ولم يرفع سيفا أو ينقض عهدا أو يحارب الأمة.
تسمع الجزيرة العربية كلها بالنصر المبين لمحمد - صلي الله عليه وسلم - ويغادر الرسول مكة المكرمة رغم حبه لها وعشقه لوطنه الأول إلا أن المدينة وقد دعا الله أن يحببها إليه كما حبب إليه مكة يعود إليها تكريما لها ولأهلها الذين آزروه ونصروه وجاهدوا معه وهو الوفاء الجميل لمكان جميل بأهله المجاهدين الأنصار.
من المدينة انطلقت الرسل إلي الأماكن المحيطة بشبه الجزيرة العربية تدعو حكامها ورؤساء القبائل فيها إلي الدخول في دين الله إذ ان فتح مكة منح الفرصة للنبي لإبلاغ الشعوب برسالة الإسلام ويري الرسول - صلي الله عليه وسلم - الناس يدخلون في دين الله أفواجا كما أخبره المولي عز وجل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف