محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "23"
عني عبدالحميد السحار بالأحداث المتصلة بصلح الحديبية الذي كان ـ في تقدير كل المؤرخين ـ سبباً في انتشار الإسلام. فقد أمن الكفار القتال. واختلطوا بالمسلمين. وأثر فيهم الإسلام بالتالي. حتي أسلم كثير منهم. وقيل إن الذين أسلموا في سنتين بعد الصلح يعدلون الذين أسلموا قبلهما. وقال أبو بكر الصديق: ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية. ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ وربه. والعباد يعجلون والله لا يعجل لعجلة العباد حتي يبلغ الأمور ما أراد الله.
لقد بلغ قريش أن الرسول سار إلي خيبر. فأظهر جماعة منهم السرور. وقالوا إنها قرية الحجاز ريفاً ومنعة ورجالاً. وإن محمد بن عبدالله سيذوق الهزيمة عند حصون خيبر. وانتشرت الشائعات بانكسار المسلمين. ثم أبانت الحقيقة عن ملامحها: فقد استقبل يهود وادي القري بالرمي ناس من العرب لم يكونوا علي تعبئة. فعبأ رسول الله أصحابه. وصفهم لقتال. ودعا اليهود إلي الإسلام. وأخبرهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم. وحقنوا دمائهم وحسابهم علي الله فبرز رجل منهم. فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله. ثم برز إليه آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب فقتله. ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة الأنصاري فقتله. حتي قتل منهم أثنا عشر رجلاً. ودعي من بقي إلي الإسلام.
خرجت المدينة تستقبل رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عند عودته من غزوة خيبر. الرجال تتهلل وجوههم بالبشر. والولدان يغمرهم الفرح والسرور. والنساء علي أسطح المنازل قد عمرت أفئدتهم بالسرور. والمنافقون في كمد يظهرون غير ما تخفي الصدور.
ملأت نشوة نصر الله والفتح أفئدة المسلمين. فما كان يدور بخلد أحد من الأوس والخزرج ـ قبل أن أن يشرفهم الله برسالته ـ أن يأتي يوم تكون فيه كلمة العرب هي العليا. وأن يضرب الذلة والمسكنة علي بني إسرائيل الذين عبدوا أنفسهم غروراً. وقالوا ـ في تبجح ـ إنهم وحدهم الناس.
ثار عدد من زعماء المسلمين علي شرط في صلح الحديبية أن من جاء رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من قريش. رده إليهم. برهنت الأيام أن ذلك الشرط فتح علي قريش باباً من الشر تصطلي بناره. فقوافل قريش الرائحة الغادية بين مكة والشام باتت في خطر. وتجارة قريش توشك أن تبور.
كاد يصدع ائتلاف المسلمين لولا شخصية نبي الإسلام. وقد برهنت الأيام أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان وحده يعرف أن ذلك الشرط الذي يبدو نصراً لقريش سيصبح شوكة في جنوبهم. تقض مضاجعهم. وتجعلهم يهرعون إليه يلتمسون منه أن يخلصهم من ثورة الذين لن تقبلهم المدينة. ولن يعودوا إلي مكة ليفتنوا عن دينهم ويساموا ألوان العذاب.
قرر سادات قريش أن يذهب أبو سفيان إلي المدينة. ليقر بأن من أتي سول الله من مسلمي مكة. فهو آمن. ولا حاجة لهم به. وشد أبوسفيان الرحال إلي المدينة. فهرع إليه المسلمون يقودونه إلي حيث كان رسول الله. واجتمع الرجلان في المسجد. ولم يكن يصل بين أبي سفيان وابنته أم حبيبة سوي جدار الدار. لكنه لم يكن يستطيع أن يذهب إليها ليملأ عينيه منها. فهي قد اختارت الله ورسوله علي أبيها وكل قومها الذين عميت قلوبهم عن النور. وقال أبو سفيان: إنا أسقطنا هذا الشرط من الشروط. من جاء منهم إليك فأمسكه في غير حرج. فإن هؤلاء الركب قد فتحوا علينا باباً لا يصلح إقراره.
كانت الوقود تأتي إلي الرسول قبل صلح الحديبية. وجاءت الوفود بعد الصلح. وكانت هدنة الحديبية سبباً في انتشار الإسلام. أمن الكفار القتال. فاختلطوا بالمسلمين. ومن ثم أثر فيهم الإسلام. فأسلم الكثيرون. حتي إن الذين أسلموا في سنتين بعد الصلح. يعدلون الذين أسلموا قبلهما.
للكلام بقية