الوفد
علاء عريبى
إن كثر يغسل
قيل إن البراغيث تقفز ولا تطير، تمتص ولا تمضغ، تبيض ولا تلد، مجرد حشرة صغيرة جدا تعيش على القذارة ومص دماء البشر، فى بداية العهد بالإسلام خاف المسلمون من الدماء التى تخلفها البراغيث على أجسادهم وعلى ملابسهم، ما هو حكمها؟، هل هى نجسة؟، هل تتطلب الاغتسال؟، هل تبطل الوضوء؟، ابن قدامة قال «فى المغنى»: دم ما لا نفس له سائلة، كالبق، والبراغيث، والذباب، ونحوه، فيه روايتان، إحداهما: أنه طاهر، وممن رخص فى دم البراغيث عطاء وطاووس والحسن، والشعبى والحاكم وحبيب بن أبى ثابت وحماد والشافعى وإسحاق، ولأنه لو كان نجساً لنجس الماء اليسير إذا مات فيه، فإنه إذا مكث فى الماء لا يسلم من خروج فضلة منه فيه، ولأنه ليس بدم مسفوح، وإنما حرم الله الدم المسفوح.
وقال النخعى: اغسل ما استطعت، وقال مالك فى دم البراغيث: إذا كثر وانتشر فإنى أرى أن يغسل، والأول أظهر، وقول أحمد: إنى لأفزع منه. ليس بصريح فى نجاسته، وإنما هو دليل على توقفه فيه، وليس المنسوب إلى البراغيث دما إنما هو بولها فى الظاهر، وبول هذه الحشرات ليس بنجس، وقال النووى فى المجموع: ولو كان دم البراغيث فى ثوب فى كمه وصلى به أو بسطه وصلى عليه، فإن كان كثيراً لم تصح صلاته، وإن كان قليلاً فوجهان، والإمام مالك فى المدونة: فقيل لمالك: فدم البراغيث؟، قال: إن كثر ذلك وانتشر فأرى أن يغسل، وقول أحمد ليس فيه تصريح بنجاسته بل هو دليل التوقف ولأن المنسوب إلى دم البراغيث إنما هو بولها فى الظاهر وبول هذه الحشرات ليس بنجس.
وجاء فى الشرح الكبير على متن المقنع: ودم ما لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث والذباب ونحوه طاهر فى ظاهر المذهب. وممن رخص فى دم البراغيث عطاء وطاوس والحسن والشعبى والحكم وحماد والشافعى وإسحاق لأنه لو كان نجساً لنجس الماء ليسير إذا مات فيه فإنه إذا مكث فى الماء لا يسلم من خروج فضلة منه، ولأنه ليس بدم مسفوح. وإنما حرم الله سبحانه الدم المسفوح.
سئل الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله فى فتاويه «ت 660هـ»: ما يقول سيدنا فى الثوب يكون فيه دم البراغيث، هل يجوز للرجل أن يلبسه وبدنه رطب ثم يصلى فيه، أم لا، وكذلك يكون الثوب عليه، فيعرق فيه، فهل يصلى فيه أم لا، وإذا جاز فهل يكون بدنه نجساً أو يعفى عنه، وهل يندب إلى تطهير بدنه، وترك الصلاة بذلك الثوب الواحد، أم عادة الأولين التساهل فى مثل ذلك؟
الجواب: نعم تنجس ثيابه وبدنه إذا لاقت ذلك مع الرطوبة، ولا يؤمر بغسل ثيابه إلا فى الأوقات التى جرت العادة بغسلها فيها، ولا يغسلها فى أثناء الغسلات المعتادة؛ لأن هذا ورع خارج عما كان عليه السلف، وكانوا أحرص على حفظ أديانهم من غيرهم، ولم يُنقل هذا عن أحد منهم. والله أعلم.
وذكر القاضى عبدالوهاب البغدادى المالكى، ت 422هــ، فى الإشراف على نكت مسائل الخلاف: قليل النجاسة وكثيرها سواء فى منع الصلاة بجنسها سوى الدم، فإنه تجزئ الصلاة بيسيره، وإن كثر وتفاحش لم يجزه. وقال أبو حنيفة: تجوز الصلاة بيسير النجاسة أى نوع كانت وهى ما قصر عن مقدار الدرهم البغلي، وما بلغ أكثر من ذلك لم يجز. وقال الشافعي: كل نجاسة فلا تجوز الصلاة بقليل منها ولا بكثير، من الدم وغيره، إلا دم البراغيث، فإنه نجس معفو عنه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف