هل الدستور نافذ بذاته أم ينفذ من خلال قوانين؟ الإجابة فى المادة 224 من الدستور نفسه تنص الفقرة الثانية على التزام الدولة بإصدار القوانين المنفذة لأحكام هذا الدستور، ومنذ صدور الدستور يوم 18 يناير الماضى أى بعد مرور حوالى عام ونصف العام مازالت القوانين كما هى، معظمها مخالف للدستور الحالى، الآثار التى ترتبت على هذه القوانين مستمرة وصحيحة، ولكن أى إجراء جديد لتطبيق الدستور عليها يجب أن يتم من خلال قوانين جديدة طبقًا للقواعد والإجراءات المقررة فى الدستور.
مثلاً عندما تصدت الحكومة لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب، فإن تحركها تم من خلال الدستور الذى ألزمها بمواجهة الإرهاب من خلال قانون ينظم أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب. وعندما تحدث الدستور عن إلزام الدولة بهذا القانون وغيره لم يقصد الحكومة وإنما توجه بالإلزام إلى الأجهزة المسئولة عن ذلك وهم رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان الذين لهم الحق فى اقتراح القوانين وتحال القوانين المقدمة من الحكومة أو من عشرة أعضاء مجلس النواب إلى اللجان النوعية المختصة بمجلس النواب لتأخذ دورتها فى المناقشة، كما خص الدستور مجلس النواب بسلطة التشريع، ومنح سلطة استثنائية لرئيس الجمهورية فى غياب مجلس النواب بإصدار قرارات لها قوة القانون وتعرض على مجلس النواب خلال 15 يومًا من انعقاده. من خلال هذه السلطة الاستثنائية تتصرف الحكومة حاليًا فى إعداد القوانين وإحالتها إلى الرئيس لإصدارها، لكن يبدو أن الظروف التى تمر بها البلاد، جعلت الحكومة لم تعط قدرًا كبيرًا من الوقت للتشريع، ولا يوجد تنسيق بينها لإصدار أو إعداد تشريعات تحوز رضاء المجتمع، وسيكون لهذه التشريعات تأثير سلبى عند التطبيق لأنها لم تتم عن دراسة وستكون محل مراجعة شديدة من مجلس النواب، غياب التنسيق الحكومى فى اعداد التشريعات يتضح من تصريحات الوزراء، المستشار الهنيدى صرح فى أكثر من مناسبة بأنه لا يعلم شيئًا عن مشروعات قوانين معينة، وقال إن مشروع قانون مكافحة الإرهاب أعدته وزارة العدل، وانه برىء من مادة حبس الصحفيين رغم أنه نائب رئيس لجنة الإصلاح التشريعى بمجلس الوزراء، والمستشار أحمد الزند وزير العدل قال إنه كان يجب عرض المواد التى تتعلق بالصحافة فى قانون مكافحة الإرهاب على نقابة الصحفيين. وزير العدل يخاطب من بعبارة «كان يجب»، هل يخاطب مجلس الوزراء، وهل طلب الوزير من المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء عرض هذه المواد على نقابة الصحفيين، وماذا كان رد رئيس الوزراء، وهل هناك تعمد لتجاهل رأى نقابة الصحفيين؟
وهل سيتم تصحيح هذا الخطأ وتحيل الحكومة المشروع إلى نقابة الصحفيين لإبداء رأيها فى هذه المواد طبقًا للدستور والقانون؟ وهل ستأخذ الحكومة برأى النقابة الرافض للحبس.
الإشكالية الأخرى الحائرة بين القانون الحالى والدستور هى تعيين النائب العام الجديد خلفًا للشهيد المستشار هشام بركات، القانون الحالى، وهو قانون السلطة القضائية يعطى رئيس الجمهورية السلطة المطلقة فى تعيين النائب العام بدون التقيد بمدة محددة، أما الدستور فجعل السلطة لمجلس القضاء الأعلى فى اختيار النائب العام من بين نواب رئيس محكمة النقض، أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف، أو النواب العامين المساعدين، ويصدر قرار تعيينه من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد ولمرة واحدة طوال مدة عمله، فى حالة النائب العام الجديد هل يطبق القانون حتى يعدل طبقًا للدستور، أم يطبق الدستور، تطبيق القانون سيكون مخالفًا للدستور، وتطبيق الدستور يتطلب تعديل القانون.
هذا يدعونا إلى الاسراع فى انتخاب مجلس النواب ليتولى سلطاته التشريعية. نحن فى حاجة ملحة إلى مراجعة غابة القوانين وغربلتها حتى تساير التطور، وفى حاجة إلى إصدار القوانين الجديدة التى طالب بها الدستور، ولن يتم ذلك إلا من خلال المجلس التشريعى المتفرغ لمثل هذه الموضوعات، والذى يكون معبرًا عن الشعب الذى انتخبه، الحكومة تريد تسيير الأمور وملاحقة القضايا التى تحتاج إلى تعديل القوانين الحالية، لكن الحكومة تواجه مشاكل كثيرة اقتصادية واجتماعية تجعلها غير مركزة فى إعداد التشريعات، ولن تستطيع إقناع الشعب بها لأنه سيتهمها بتقييد الحريات والبحث عن قوانين تعينها على الحكم أكثر من أن تحفظ حقوق المواطنين، وجود البرلمان سوف يطمئن الناخبين الذين جاءوا بالنواب، وسوف تكون عملية اقتراح القوانين ومناقشتها غير مقصورة على جهة واحدة.