قبل أكثر من أربعين سنة قال لنا الأساتذة فى المرحلة الابتدائية والإعدادية أن الجزية مثل الضرائب، كانت تفرض على غير المسلمين، وقيل أيضا إن المسلمين فرضوها على أهالى البلاد التى فتحوها حربا أو سلما، كانوا يعرضون عليهم الدخول فى الإسلام، إذا رفضوا وتمسكوا بديانتهم فرضت عليهم الجزية أو الضريبة، وكانت تأخذ عن الشباب الذين يمكنهم القتال، وترفع عن المريض والعاجز والمسن والرهبان والأطفال والنساء.
خلال سنوات الجامعة دخلنا فى مناقشة حول الجزية، وكان لكل منا قراءاته ومبرراته وتأصيله التاريخى، وكانا، مسلمون ومسيحيون، نتناقش من قاعدة واحدة هى أن جميع الشعوب التى غزت الشعوب الأخرى فرضت عليها جزية، بغض النظر عن المسمى: جزية، ضريبة، جباية، فقد كان المنتصر أو الغازى يجمع الأموال من الشعوب المهزومة.
وخلال هذه المناقشة فوجئنا جميعا بأحد الأصدقاء المسيحيين يقول: المسيح دفع جزية، وكانت بالنسبة لى مفاجأة كبيرة، وحاولت أن أعرف منه تفاصيل واقعة المسيح، كم ولمن دفع الجزية؟، وهل كان ما يدفعه يسمى جزية، وأكد لى أنه غير متذكر رقم الإصحاح، ووعدنى بالعودة إلى الإنجيل، راجعته أكثر من مرة إلى أن قام بإهدائى كتابه المقدس: خد الكتاب أهه ابحث أنت بنفسك»، وأذكر أنه كان طبعة قديمة تعود لعام 1884، ويضم العهد القديم «التوراة» والعهد الجديد «الأناجيل»، ومازالت أحتفظ به فى مكتبتى، وبعد جهد كبير عثرت على الآية فى انجيل متى، وفيها يعترف المسيح بالجزية ويوضح لبطرس الرسول ان الملوك يفرضونها على الأجانب أو المهزوم، وطلب من بطرس أن يسددها نيابة عنه وعن نفسه: «فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلا: ماذا تظن يا سمعان ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية؟، أمن بنيهم أم من الأجانب؟، قال له بطرس: من الأجانب، قال له يسوع: فإذا البنون أحرار، ولكن لئلا تعثرهم اذهب إلى البحر والق سنارة، والسمكة التى تطلع أولا خذها ومتى فتحت فاها تجد أستارا فخذه وأعطهم عنى وعنك ـــــــــــــــ مت 17 : 25 ــ 27».
واتضح لى كذلك أن بنى إسرائيل فرضوها على الكنعانيين وهم أحد الشعوب التى كانت تعيش فى فلسطين، فبعد موت سيدنا موسى قاد يشوع تلميذه من تبقى من أسباط بنى إسرائيل، ودخل بهم أرض الميعاد، وبعد ان هزموا شعوبها قسموا المدن والقرى على الأسباط، وكان من نصيب سبط أفرايم جازر، وعاش بينهم الشعب الكنعانى كعبيد ودافعى جزية:» «فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين فى جازر، فسكن الكنعانيون فى وسط افرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية ـــــ يشوع 16: 10»، وكانت هذه الواقعة الأولى التى تستخدم فيها كلمة جزية بالعهد القديم.