كمحرر اقتصادى قديم، تقلقنى قضيتان اقتصاديتان غاية فى الأهمية.. الأولى، تزايد حجم الدين بنوعيه: الداخلى والخارجى.. وتصاعد عجز الميزان التجارى، الناجم عن تزايد حجم الواردات.. ونعترف بأن الدولة لا تريد أن تغضب أحدًا، ولكنك لن ترضى من أحببت!! لأن هناك 90 مليون مصرى يعيشون داخل الوطن، لكل منهم متطلباته واحتياجاته.. وهذه الدولة تتحمل الكثير، سواء فى أجور من لا يعمل إلا لدقائق طوال اليوم.. أو المطالبين بامتيازات إضافية.. زى تزايد الاستهلاك بينما معظمنا يكاد لا ينتج.
<< فى قضية الديون، قد يكون متحملًا تزايد حجم الدين الداخلى.. ولكن بشرط ألا يؤثر، أو يزيد على حجم الانتاج القومى. وقد نتسامح أن تمد الدولة يدها الطويلة إلى الصناديق المحلية وإلى أموال التأمينات الاجتماعية.. والا شهادات الاستثمار.. بل وإلى ما تحت يد بنك الاستثمار القومى وغيره.. فهذه الديون الداخلية «مقدور عليها» ولكن المشكلة هنا هى فى فوائد هذه الديون وما تمثله هذه الفوائد وحدها من أعباء على موازنة الدولة فما بالنا بأصول هذه الديون الداخلية نفسها، ويكفى فيها أموال التأمينات التى هى أموال أصحاب المعاشات والأرامل واليتامى وهذه معركة يقودها ببسالة المناضل السياسى الشهير البدرى فرغلى أعانه الله على استمرارها.. حتى يحلها..
أم كارثة الديون، فهى الخارجية، أى ما سبق أن حصلت عليه مصر سواء من مؤسسات مالية دولية. أو صناديق عالمية أو من الأصدقاء والأشقاء ونادى باريس، وغيرها.. والمؤلم أن هذه الديون كلها تتجاوز الآن اثنين تريليون و500 مليار جنيه.. إنما هو التريليون فيه كام جنيه!! ورحم الله الخديو إسماعيل الذى كانت كل ديونه الخارجية لا تتجاوز 126 مليون جنيه انجليزى!!
<< وللأسف فإن الدين الخارجى الآن زاد بنسبة 25٪ على ما كان عليه فضلاً عن أن فوائد الديون تأكل 28٪ من اجمالى الانفاق العام.. إذ تصل إلى حوالى 244 مليار جنيه سنويًا.. فكم يصل ما على كل مصرى من هذه الفوائد؟! والتى تدخل كل بيت.
والقضية الأخرى التى تهز الاقتصاد القومى من أساسه هى تصاعد حجم الواردات. ويا ليتها واردات أساسية أى ضرورية للاقتصاد الوطنى مثل استيراد مستلزمات الانتاج الصناعى، والزراعى، بل هى فى الكثير منها عبارة عن سلع استفزازية، يمكن الاستغناء عنها ولو لعدة سنوات قليلة إلى أن ينصلح حال الاقتصاد.
<< وقد وصل العجز، فى الميزان التجارى، أى الفرق بين ما نصدره.. وما نستورده ما يقرب من 30 مليار دولار. تخيلوا، وأن هذا العجز تم خلال 9 أشهر فقط وبزيادة 4.5 مليار دولار عن نفس الفترة، من العام المالى السابق.
ولنا أن نتصور أن العجز التجارى مع دولة واحدة هى الصين بلغ حوالى 10 مليارات دولار.. وللأسف معظمها سلع استفزازية من ناحية وسلعًا من الدرجة الرابعة، من حيث الجودة، واسألوا الخبراء.. وقد اصبحت الصين من أكبر الموردين للاسواق المصرية، ومن كل السلع حتى من الثوم المصرى الشهير.. لزوم الطشة!! كذلك «بلوة» التليفون المحمول الذى استوردنا منه أجهزة بمبلغ 500 مليون دولار خلال ستة أشهر، أى نستورد من المحمول ما قيمته 1000 مليون دولار.. حتى يلهو به الأطفال.. ويلعب به الكبار ويعاكسون بنت الجيران.. وهات يا «شات» إلهى يهد كل من يمارس هذا «الشات» أمين يارب العالمين.
<< وصدقوا، أولا تصدقوا، أن مصر من أكبر مستوردى السيارات فى العالم.. فقد استوردنا ـ فى عين العدو ـ سيارات بمبلغ 1700 مليون دولار خلال نصف عام.. وهذه فاقت كل ما استوردناه من سيارات فى العام المالى السابق كله، وكان بمبلغ 1500 مليون دولار.. فهل راعينا طاقة الطرق والشوارع المصرية قبل أن نسمح باستيراد كل هذه السيارات. أم أن المصرى أصبح ينفق كل دخله ـ ويستدين ايضًا من البنوك ـ ليشترى سيارة جديدة، حتى أن البنوك تقدم تسهيلات بنكية غريبة للمواطنين، لشراء السيارة التى تعجبه.. ومن هنا ـ سبق ـ أن كتبت مرارًا مطالبًا الدولة بوقف استيراد السيارات جديدة وقديمة لمدة 10 سنوات بل وطالبت بوقف استيراد مكونات تجميع السيارات لنفس المدة، حتى ينعدل سلوك كل المصريين.. وما يتبعه من إهدار ثمن وقودها..
<< ولقد كان للرئيس عبدالناصر تجارب رائدة.. عندما أوقف استيراد الكثير من السلع، حتى العادية، وليس فقط الاستفزازية ومنها ياميش رمضان والمكسرات مراعاة لظروفنا الاقتصادية.. ولكننا لا نتعلم.
والسؤال الآن: هل هذا اقتصاد دولة تحاول أن تقف على قدميها.. أم هو سلوك دولة تجامل الناس، وتزيد من تدليلهم وتحقق لهم كل شىء حتى ولو كان على حساب المصلحة العليا..
<< والنبى ـ يا حكومة ـ كفاية دلع وتدليع للمواطنين، وتعالوا نبنى مصر من جديد.. وأن نتحمل ولو لخمس سنوات قليلاً من التقشف.. من أجل عيالنا وأحفادنا.. والنبى.. كفاية دلع للناس.